أيادٍ خارجية و"أعشاب ضارة": نتنياهو يواجه احتجاجات جيشه بالتخوين والشتائم
11 ابريل 2025
أشعلت رسالة ضباط وجنود الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي، التي دعت بشكل علني إلى وقف الحرب على غزة وإبرام صفقة تبادل أسرى، موجة غير مسبوقة من الاحتجاجات داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تجاوزت الطيران إلى وحدات النخبة في الاستخبارات والطب العسكري وسلاح البحرية والمدرعات.
هذا البيان، الذي وقّع عليه نحو ألف عسكري من سلاح الجو، بينهم العشرات من جنود الاحتياط، شكّل نقطة تحوّل بارزة في مواقف أوساط عسكرية باتت ترى أن استمرار الحرب لا يحقق أهدافًا استراتيجية، بل يخدم مصالح سياسية ضيقة، ويهدد حياة المحتجزين والمدنيين.
كشفت القناة 12 أن مئات الجنود في سلاح المدرعات انضموا إلى موجة الاحتجاج داخل الجيش، ووجهوا هم أيضًا رسالة إلى الحكومة تطالب بوقف الحرب.
رسالة عناصر من وحدة "8200"
وفي هذا السياق، وقّع نحو 250 جنديًا من جنود وحدة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "8200"، بين احتياط ومتقاعدين، على بيان يعبّرون فيه عن دعمهم لرسالة ضباط وجنود سلاح الجو التي تدعو إلى السعي الفوري لاستعادة الأسرى الإسرائيليين، ولو تطلّب الأمر "تغييرًا جذريًا في نهج الحرب"، وفقًا لما نقلته صحيفة "هآرتس"، التي أشارت إلى أن عدد الموقعين مرشح للارتفاع قبل صدور العريضة بصيغتها النهائية.
وجاء في البيان، الذي نشرته صحيفة "يديعوت أحرنوت": "نحن نعتقد أن الحرب الجارية لا تخدم أمن إسرائيل، بل تلبّي مصالح سياسية وشخصية"، مضيفين أن "استمرار القتال لن يحقق الأهداف التي أعلنتها الحكومة، بل سيؤدي إلى مقتل الأسرى والجنود والمدنيين الأبرياء".
الأطباء العسكريون ينضمون للاحتجاج
وفي تطور لافت، تقدّم نحو 100 طبيب وطبيبة من قوات الاحتياط الطبية الإسرائيلية بعريضة مشابهة، وجّهوها إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وقيادة الجيش وأعضاء الكنيست، طالبوا فيها بوقف الحرب فورًا وإتمام صفقة تبادل الأسرى.
العريضة التي كشفت عنها وسائل إعلام عبرية، شددت على أن "التخلي عن المخطوفين يتنافى مع قدسية الحياة، ويتعارض مع ميثاق سلاح الطب في عدم ترك أي جندي خلفه". ونقلت إذاعة الجيش عن المبادرين للعريضة قولهم: "نحن لا ندعو للعصيان العسكري، ونؤكد التزامنا بأداء الخدمة، لكننا نطالب بقرارات عسكرية تعكس الواقع وتحترم القيم الأخلاقية".
وبحسب القناة 12 العبرية، فإن بعض الأطباء تلقّوا أوامر استدعاء جديدة للخدمة، وأعلنوا استعدادهم للامتثال، مؤكدين في الوقت نفسه أن استمرار الحرب يخدم "أجندات سياسية ضيقة" أكثر من خدمة أهداف أمنية واضحة.
اتساع رقعة التمرد داخل الجيش
وبالتزامن مع هذه التحركات، كشفت القناة 12 أن مئات الجنود في سلاح المدرعات انضموا إلى موجة الاحتجاج داخل الجيش، ووجهوا هم أيضًا رسالة إلى الحكومة تطالب بوقف الحرب. كما انضم نحو 150 ضابطًا من سلاح البحرية إلى الحملة، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وتنوّعت خلفيات الموقعين بين جنود احتياط وعناصر في الخدمة الفعلية، فيما تُعدّ هذه المبادرات، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، قيد التشكّل، ويُتوقع أن تكتسب زخمًا إضافيًا خلال الأيام القادمة.
المؤسسات الأكاديمية تدعم رسالة الطيارين
بالتوازي مع ذلك، وقّع نحو 1900 أكاديمي من مؤسسات التعليم العالي على عريضة دعم لموقف الطيارين، وكتبوا فيها: "الحرب تخدم حاليًا مصالح سياسية وشخصية، لا اعتبارات أمنية". وأن "استمرار الحرب لا يُسهم في تحقيق أي من أهدافها المعلنة، بل سيؤدي إلى مقتل رهائن، وجنود من جيش الإسرائيلي، ومدنيين أبرياء، إضافة إلى استنزاف جنود الاحتياط"، جاء في الرسالة.
وأضاف الموقّعون: "كما ثبت في السابق، فإن الاتفاق وحده هو الكفيل بإعادة الرهائن أحياء، في حين أن الضغط العسكري يؤدي غالبًا إلى مقتلهم وتعريض جنودنا للخطر".
وتضم قائمة الموقّعين عددًا من رؤساء الجامعات السابقين، من بينهم الرئيس السابق لجامعة بن غوريون البروفيسور أفيشاي برافيرمان، والرئيس الأسبق لجامعة تل أبيب، البروفيسور يوسي كليفتر، والرئيس السابق لجامعة أريئيل البروفيسور يهودا دانون.
وفي السياق ذاته، وقّعت أكثر من 1300 امرأة ومعلمة على عريضة تطالب بإعادة المختطفين، حتى وإن تطلّب ذلك وقف القتال.
ردود الفعل الرسمية: الإقصاء والتخوين
في مقابل هذه التحركات، شن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هجومًا لاذعًا على الموقعين ووصف بأنهم "مجموعة متطرفة" مدعومة من الخارج، في محاولة لتقويض شرعية احتجاجهم.
وكتب نتنياهو في حسابه على منصة "إكس": "مرة أخرى نفس الرسائل: مرة باسم الطيارين، ومرة باسم خريجي سلاح البحرية، ومرة باسم آخرين. لكن الجمهور لم يعد يصدق أكاذيبهم الدعائية. هذه الرسائل لم تُكتب باسم جنودنا الأبطال، بل كتبها حفنة صغيرة من الأعشاب الضارة، تمولها جمعيات خارجية هدفها الوحيد إسقاط حكومة اليمين"، وفق تعبيره.
وأضاف: "هذا ليس تيارًا، ولا زخمًا، بل مجموعة صغيرة من المتقاعدين الصاخبين، الفوضويين، والمنفصلين عن الواقع، معظمهم لا يخدمون منذ سنوات. هذه الأعشاب الضارة تحاول إضعاف إسرائيل وجيشها، وتشجع أعداءنا على إيذائنا. لقد بعثوا برسائل ضعف لأعدائنا مرة واحدة، ولن نسمح لهم بتكرار ذلك".
ومع تصاعد هذا "التمرد الصامت" داخل المؤسسة العسكرية، تبدو المؤسسة الإسرائيلية في مواجهة غير مسبوقة بين قيادةٍ تصر على مواصلة الحرب، وقواعد عسكرية ترى أن هذه الحرب فقدت شرعيتها الأخلاقية والاستراتيجية.
من جهته، قرر قائد القوات الجوية الإسرائيلية، اللواء تومر بار، أمس الخميس، فصل جنود احتياط وقّعوا على رسالة الاحتجاج. ومن المرتقب أن يتواصل الجيش مع الجنود الموقعين الذين لا يزالون في الخدمة الفعلية، لإبلاغهم بالإجراءات التي ستُتخذ ضدهم.
وأكد سلاح الجو أنه ينظر بجدية إلى هذه التحركات، مشددًا على الالتزام بتعليمات رئيس هيئة الأركان جيش الاحتلال، إيال زامير، التي تقضي بـ"إبقاء الجيش فوق الخلافات السياسية". وقالت قيادة الجيش إن القرار يهدف إلى توجيه رسالة واضحة مفادها أن المؤسسة العسكرية ستتعامل بحزم مع أي محاولة لزج السياسة في صفوفها.
وكشفت القناة 12 أن الجيش سيبدأ خلال الساعات المقبلة بفحص قائمة الموقعين وتحديد مواقعهم ضمن تشكيلات سلاح الجو المختلفة. وأوضح أن الغالبية العظمى منهم لا يخدمون حاليًا في الاحتياط الفعلي، فيما أُجريت محادثات مع عدد من الجنود النشطين، وأبلغ العشرات منهم نيتهم التوقيع على الرسالة الاحتجاجية".