إرث الأسد الطائفي.. يوم من التوترات تهز سوريا
26 ديسمبر 2024
شهد يوم أمس تصاعدًا في التوترات داخل سوريا، حيث اندلعت احتجاجات واسعة في حمص وطرطوس واللاذقية، أُطلِقت فيها هتافات طائفية، وذلك على خلفية تداول فيديو لحرق مقام الشيخ أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي، في حلب، ويعد الشيخ الخصيبي أحد أهم المؤسسين للنهج الفكري والعقائدي الذي ارتكزت عليه الطائفة العلوية.
كذلك، شهدت قرية معرة المعزة في ريف طرطوس، اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن وفلول النظام السابق، أسفرت عن ارتقاء 14 عنصرًا وإصابة 10 آخرين من عناصر الدورية.
تحديات أمنية خطيرة
استعمل الفيديو المذكور سابقًا لتأجيج المشاعر الطائفية وإثارة الفتنة في عدة مدن، في حين أظهر الكمين الأمني الذي أراد حماية شخصيات من النظام السابق أنّ هذه الفلول لا تزال قادرة على إثارة الفوضى وشن الهجمات المسلحة، وكل من الفيديو والكمين يمثّل عقبة أمام تحقيق الاستقرار وبدء مرحلة الانتقال السياسي في سوريا الجديدة.
قامت الحكومة السورية المؤقتة باتخاذ عدة خطوات احترازية، مثل فرض حظر تجوال مؤقت وتعزيز الانتشار الأمني في المناطق المضطربة، كما أنشأت مراكز لتسوية أوضاع المتورطين
قامت الحكومة السورية المؤقتة باتخاذ عدة خطوات احترازية، مثل فرض حظر تجوال مؤقت وتعزيز الانتشار الأمني في المناطق المضطربة. كما أنشأت مراكز لتسوية أوضاع المتورطين، مع تمديد المهلة لتشجيع تسليم السلاح.
في المقابل، عبّر المجتمع السوري عن مواقف متنوعة؛ حيث دعا البعض إلى محاسبة المتورطين لتحقيق العدالة، فيما طالب آخرون بتجنب خطاب الانتقام والتركيز على الوحدة الوطنية. أما على الصعيد الدولي، فقد برزت محاولات لاستغلال الوضع من قبل قوى إقليمية ودولية لتحقيق مصالحها، تسعى لاستغلال الفوضى في سوريا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية، مما يُؤخّر الوصول إلى حل سياسي شامل.
فرص ممكنة وسط الأزمات
لا يزال الوضع في سوريا هشًا، ويتطلب معالجة متوازنة تجمع بين الأمن والعدالة. فاستمرار الاحتقان الطائفي والمطالبات العشوائية بالعفو دون محاسبة عادلة قد يؤدي إلى زيادة الفوضى.
بالمقابل، يشير التعامل الحذر مع هذه القضايا إلى إمكانية استعادة السلم الأهلي، لكن بشرط تحقيق توازن دقيق بين المحاسبة والاندماج المجتمعي. ولعل المحافظة على الوحدة الوطنية هي الحل الوحيد لضمان سوريا مستقرة وقوية.
حكومة تصريف الأعمال السورية: فيديو حرق مقام الخصيبي قديم ويعود لفترة تحرير مدينة #حلب@hamidalnazir pic.twitter.com/ZheWve7AsB
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 25, 2024
إجراءات سريعة وملحة
للتعامل مع الوضع الحالي، ينبغي اتخاذ إجراءات حاسمة على عدة مستويات، في مقدمتها تسريع محاسبة المتورطين في الجرائم الكبرى، وتعزيز الانتشار الأمني في المناطق المضطربة، مع ضمان احترام حقوق الإنسان.
كما ينبغي العمل بشكل جاد على فتح المجال أمام جميع القوى الوطنية والديمقراطية للمشاركة في عملية بناء الدولة من أجل ضمان الانتقال السلمي، وطبعًا لا بد من إطلاق حملات توعية لتعزيز التعايش ونبذ الطائفية، ودعم المبادرات المحلية التي تشجع الحوار بين المكونات المختلفة، إضافة إلى العمل بشكل سريع وعاجل على تحسين الخدمات الأساسية، وتوفير الدعم للعائلات المتضررة من الصراعات السابقة، بما يساهم في تخفيف التوترات الاجتماعية.
الخلاص من إرث النظام السابق
يعود جزء كبير من التوتر إلى إرث النظام السابق، الذي اعتمد على تقسيم المجتمع طائفيًا لتحقيق مكاسب سياسية. ولا يزال هذا الإرث يلقي بظلاله على المجتمع السوري، ويستغله البعض لإعادة إشعال التوتر وتأجيج النزاع. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفراغ الأمني والسياسي الذي خلّفه سقوط النظام أدى إلى حالة من عدم الاستقرار، خاصة مع انتشار السلاح بين المدنيين والمجموعات المسلحة.
تتطلب المرحلة الحالية في سوريا إدارة واعية وشاملة لمعالجة التوترات القائمة. مع التركيز على العدالة الانتقالية، والوحدة الوطنية، وإعادة بناء الدولة.. فهذه هي أسس لتحقيق الاستقرار، وعنوان رئيس للعبور نحو المرحلة الجديدة القائمة على التعايش والمشاركة والتنمية.