إرهاب المستوطنين.. سياسة الإفلات من العقاب بغطاء أميركي
24 فبراير 2025
في عام 2024، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على مجموعات وأفراد من المستوطنين الإسرائيليين المتورطين في أعمال عنف ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية المحتلة، فقد وصل إرهاب المستوطنين إلى أعلى مستوياته.
جاءت هذه الخطوة في ظل تصاعد الهجمات التي استهدفت القرى والمناطق الفلسطينية، مما دفع الإدارة السابقة إلى تبني إجراءات تهدف إلى محاسبة الجهات المسؤولة عن هذه الانتهاكات.
ومع ذلك، لم تستمر هذه العقوبات طويلًا، حيث شهدت الأشهر الأخيرة تراجعًا عنها، بسبب السياسات الأميركية المتناقضة والدعم المستمر لإسرائيل. وهو ما أثار تساؤلات حول مصداقية الولايات المتحدة في التزامها بمعايير حقوق الإنسان.
بعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم قام بإلغاء العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين. وقد قوبل هذا القرار بترحيب من قبل المسؤولين الإسرائيليين
خلفية العقوبات الأميركية
فرضت إدارة الرئيس جو بايدن السابقة عقوبات تستهدف مستوطنين وجماعات متطرفة مثل "أمانة"، وهي منظمة رئيسية في حركة الاستيطان والتي مولت وساعدت في إنشاء العديد من المستوطنات والبؤر الاستيطانية غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة. شملت العقوبات تجميد الأصول وحظر السفر على شخصيات بارزة يشتبه في تورطها في العنف.
وطالما وصف رئيس منظمة "أمانة"، زئيف هيفر، البؤر الاستيطانية بأنها "الوسيلة الرئيسية" لحركة الاستيطان والاستحواذ على الأراضي وتهجير الفلسطينيين.
🎥عنف المستوطنين في #الضفة_الغربية وصل إلى أعلى مستوياته. pic.twitter.com/LqUqS8ntlW
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) September 12, 2024
اعتُبرت هذه الخطوة محاولة أميركية جادة للحد من تصاعد الاعتداءات التي شهدتها الضفة الغربية، والتي وصفتها منظمات حقوقية بأنها وصلت إلى مستوى غير مسبوق.
وللمرة الأولى، واجهت سياسة العقوبات الأميركية الأفراد والجهات الإسرائيلية المتواطئة في توسيع المستوطنات، وعنف المستوطنين، وتهجير الفلسطينيين، وهي الحقائق التي وصفها المسؤولون الأميركيون منذ فترة طويلة بأنها "عقبة أمام السلام" ولكنهم لم يفرضوا أبدًا أي عواقب عليها، ولم يعترفوا رسميًا بأنها انتهاكات للقانون الدولي.
دعم غير مباشر من إدارة ترامب
بعد وصول دونالد ترامب إلى الحكم قام بإلغاء العقوبات المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين. وقد قوبل هذا القرار بترحيب من قبل المسؤولين الإسرائيليين، حيث اعتبر وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، أن هذه الخطوة تعبر عن "ارتباط ترامب العميق بالشعب اليهودي وحق إسرائيل التاريخي في أراضيها"، وفقًا لما يدّعيه.
ترحيب إسرائيلي
رحبت الحكومة الإسرائيلية، التي يقودها بنيامين نتنياهو، بالقرار، معتبرة أنه "تصحيح لمسار خاطئ". ورغم الدعوات الدولية لزيادة الرقابة على المستوطنات، فقد أكدت إسرائيل أن فرض عقوبات على المستوطنين يعد استهدافًا غير مبرر، كما تزعم.
أما المستوطنين لم يكونوا بحاجة إلى انتظار قرار ترامب بإلغاء العقوبات، إذ كانوا يتجاهلون دائمًا الدعوات الدولية لوقف أنشطتهم، ولم يواجهوا سوى القليل من الضغوط في داخل إسرائيل، لكن زعماءهم اعتبروا ذلك بمثابة ضوء أخصر لمواصلة اعتداءاتهم الإرهابية على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة.
🎥 إرهاب المستوطنين في #الضفة_الغربية يتصاعد وسط تساهل من الأجهزة الرسمية الإسرائيلية pic.twitter.com/h792wZQOoW
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 23, 2025
معارضة داخل الولايات المتحدة
هذا التراجع عن العقوبات أثار موجة من الانتقادات، إذ اعتبرته منظمات حقوقية تقويضًا للجهود الرامية إلى الحد من عنف المستوطنين، مما قد يشجع على المزيد من الانتهاكات ضد الفلسطينيين.
ورفضت جهات حقوقية أميركية هذه السياسة، واعتبرتها تعكس ازدواجية المعايير عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، مقارنة بسياسات العقوبات ضد دول أخرى متورطة في انتهاكات مشابهة.
كما انتقد نواب ديمقراطيون هذه الخطوة، معتبرين أنها تمثل تراجعًا عن الالتزام بسيادة القانون وحقوق الإنسان.
انعكاسات القرار على الوضع في الضفة الغربية
ترافق إلغاء العقوبات مع تصعيد للعنف في الضفة الغربية، حيث سجلت منظمات حقوقية زيادة في الهجمات ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم. في وقت شنت فيه إسرائيل عملية عسكرية واسعة استهدفت مدن شمال الضفة الغربية، ألحقت دمارًا واسعًا بالبنية التحتية وعملية تهجير قسري هي الأكبر منذ عام 1967.
التداعيات الدولية
أعربت دول مثل فرنسا وألمانيا عن قلقها من القرار الأميركي، مشيرين إلى أن ذلك يعد تراجعًا عن التزام واشنطن بحل الدولتين واحترام القانون الدولي. وأكد الاتحاد الأوروبي أنه يدرس إمكانية اتخاذ إجراءات منفصلة ضد المستوطنين المتورطين في العنف، مما يشير إلى تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وحلفائها بشأن القضية الفلسطينية.
ورقة ضغط سياسي
يعد إلغاء العقوبات بمثابة تناقض واضح في السياسة الخارجية الأميركية. ففي الوقت الذي تدعو فيه الولايات المتحدة إلى احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان في مناطق أخرى من العالم، فإنها تتراجع عن محاسبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف داخل الأراضي المحتلة. أضر بمصداقية واشنطن، إذ اعتبر البعض أن العقوبات لم تكن سوى ورقة ضغط سياسي لم تستخدم بشكل فعال.
تعتزم الإدارة الأمريكية إصدار قرارات جديدة بفرض عقوبات على مجموعة أخرى من المستوطنين المتورطين بأعمال عنف بـ #الضفة_الغربية المحتلة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 23, 2024
التفاصيل في التقرير: https://t.co/M2RLMRLhiN pic.twitter.com/rJsX6job8p
مواجهة هذا النهج
مع استمرار الحماية لإسرائيل ورفض واشنطن اتخاذ أي إجراءات فعلية، تتزايد مخاطر تنفيذ الطموحات المتطرفة للمستوطنين الإسرائيليين دون رادع، مما لا يهدد حياة الفلسطينيين وحقوقهم فقط، بل يضر أيضًا بالمصالح الأميركية. فتصاعد عنف المستوطنين واستمرار تهجير الفلسطينيين يقوضان أي فرص متبقية لتحقيق السلام.
كما يعتقد نتنياهو أن وجود ترامب في البيت الأبيض سيتيح الفرصة لتنفيذ الخطط المؤجلة. وكان العمل على خطة الضم قد وصل إلى مراحل متقدمة في عام 2020 ضمن "صفقة القرن" التي وضعتها الإدارة الأميركية، قبل أن يتم تعليقها بسبب اعتراضات داخلية من قبل المستوطنين الذين رأوا أن الخطة قد تؤدي إلى الاعتراف الضمني بالدولة الفلسطينية.
ومع مواقف إدارة ترامب الجديدة من سياسة ضم الضفة الغربية والتهجير القسري لسكان غزة، بات من الضروري أن تتحرك دول أخرى لمواجهة هذا المسار، كما يتجلى في تشكيل "مجموعة لاهاي"، التي تهدف إلى فرض تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية ضد إسرائيل. من الضروري أن يواجه المسؤولون عن السياسات التوسعية التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين وتشريدهم عواقب حقيقية تضع حدًا لهذا النهج.