إسرائيل تصعّد في جنوب سوريا.. ماذا وراء الضربات الجوية والتوغل البري؟
26 فبراير 2025
في تصعيد جديد، شنّت طائرات الاحتلال الإسرائيلي، ليلة الثلاثاء، سلسلة غارات جوية استهدفت مواقع عسكرية في منطقة الكسوة جنوب دمشق، ومحيط مدينة إزرع في ريف درعا، بالتزامن مع توغل بري محدود في قرية البكار الواقعة على الحدود الإدارية بين محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا.
ووفق مصادر ميدانية، فإن القصف الإسرائيلي استهدف مقر الفرقة الأولى، وهو واحد من أكبر التجمعات العسكرية التابعة للجيش السوري، كما استهدف اللواء 112 في مدينة إزرع، حيث سُمع دوي انفجارات عنيفة. ولم تعلن دمشق رسميًا عن خسائر بشرية، لكن المرصد السوري لحقوق الإنسان أفاد بسقوط قتلى وجرحى في المواقع المستهدفة.
التصعيد الإسرائيلي الأخير جاء بعد تصريحات عدائية من قبل مسؤولين إسرائيليين، فقد شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على أن إسرائيل لن تسمح بوجود قوات للجيش السوري الجديد في المناطق الواقعة جنوبي العاصمة دمشق
وبحسب المرصد، فإن هذه الغارات هي الاستهداف الإسرائيلي السادس عشر على الأراضي السورية منذ بداية عام 2025، بينها 14 غارة جوية وعمليتان بريتان، أسفرت عن تدمير 21 هدفًا عسكريًا، ومقتل أربعة أشخاص بينهم عسكريان وشخصان مجهولا الهوية، إضافة إلى إصابة شخص بجروح.
من جهتها، قالت القناة 14 العبرية إن الجيش الإسرائيلي أغار على قواعد عسكرية ودمر وسائل قتالية في دمشق.
التصريحات الإسرائيلية.. ذريعة للتدخل
وفي بيان صادر عن وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أكد أن "سلاح الجو شن هجمات قوية في جنوب سوريا، في إطار السياسة الجديدة التي حددناها لنزع السلاح من جنوب سوريا. والرسالة واضحة: لن نسمح لجنوب سوريا بأن يتحول إلى جنوب لبنان".
التصعيد الإسرائيلي الأخير جاء بعد تصريحات عدائية من قبل مسؤولين إسرائيليين، فقد شدد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على أن إسرائيل لن تسمح بوجود قوات للجيش السوري الجديد في المناطق الواقعة جنوبي العاصمة دمشق، مطالبًا بجعل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء مناطق منزوعة السلاح.
فيما طالب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، بتحويل سوريا إلى "دولة فيدرالية" تضم مناطق حكم ذاتي"، وإدعى الوزير الإسرائيلي أن: "سوريا المستقرة لا يمكن أن تكون إلا سوريا فيدرالية تضم مناطق حكم ذاتي مختلفة وتحترم طرق الحياة المختلفة".
🎥 احتجاجات في #السويداء رفضًا لتصريحات نتنياهو حول جنوب سوريا. pic.twitter.com/10lmaXxZTZ
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 25, 2025
وتأتي هذه التصريحات في وقت تتزايد فيه المزاعم الإسرائيلية حول إعادة تموضع الفصائل المسلحة قرب حدودها الشمالية، حيث تدّعي تل أبيب أن بعض هذه الجماعات تتلقى دعمًا من إيران وحزب الله، مما يهدد أمنها الاستراتيجي.
الرد السوري.. إدانة رسمية واحتجاجات شعبية
من جهتها، أدانت الحكومة السورية، عبر بيان صادر عن مؤتمر الحوار الوطني السوري، هذه العمليات العسكرية، ووصفتها بأنها انتهاك صارخ للسيادة السورية. كما دعا المؤتمر إلى انسحاب فوري وغير مشروط للقوات الإسرائيلية من الأراضي السورية، محذرًا من تداعيات استمرار التصعيد.
أما على الصعيد الشعبي، فقد شهدت مدينة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، احتجاجات حاشدة رفضًا لتصريحات نتنياهو والتدخل الإسرائيلي المتزايد في شؤون الجنوب السوري، ورفع المتظاهرون شعارات تؤكد على وحدة الأراضي السورية، وتحذر من أي محاولات خارجية لفرض واقع جديد يخدم مصالح إسرائيل.
ما وراء التصعيد الإسرائيلي؟
يرى محللون عسكريون أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تحمل أبعادًا إستراتيجية تتجاوز الرد على التهديدات الأمنية المباشرة، إذ تهدف تل أبيب إلى ترسيخ واقع أمني جديد في جنوب سوريا، مستغلة حالة عدم الاستقرار التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، وإعادة ترتيب القوى في المنطقة.
"ندعم عملية شاملة في سوريا تحترم حقوق الجميع بشكل كامل، وتمهد الطريق نحو سوريا موحدة وذات سيادة، مع استعادة سلامة أراضيها بشكل كامل".
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 21, 2025
🟢 الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. pic.twitter.com/f8xzCfqAtA
تعتمد إستراتيجية إسرائيل في الجنوب السوري على أربعة عناصر رئيسية تهدف إلى تحقيق مصالحها الأمنية والعسكرية. أولًا، استغلال حالة عدم الاستقرار في سوريا لفرض ترتيبات أمنية جديدة تمنع أي وجود عسكري "معادٍ" قرب الحدود، مستفيدة من الانقسام الداخلي والتغيرات الجيوسياسية المستمرة. ثانيًا، الاستفادة من الدعم الأميركي اللامحدود، حيث توفر واشنطن الغطاء السياسي والعسكري لتحركات تل أبيب، مما يتيح لها هامشًا واسعًا لتنفيذ عملياتها العسكرية دون ردع دولي مؤثر. ثالثًا، توسيع النفوذ الإقليمي الإسرائيلي عبر سياسة "التوسع التدريجي"، التي تقوم على تثبيت موطئ قدم عسكري في المناطق التي تسيطر عليها، ثم التمدد لاحقًا وفقًا للمعطيات الميدانية. وأخيرًا، الترويج للمخاطر الأمنية على الحدود، حيث تستخدم إسرائيل خطاب التهديدات الأمنية لكسب التعاطف الدولي وتبرير أي عمليات عسكرية مستقبلية، سواء ضد الفصائل المسلحة أو الجيش السوري، في إطار محاولتها تعزيز نفوذها وتأمين الحدود الشمالية.
إلى جانب ذلك، فإن إسرائيل تتبنى إستراتيجية طويلة الأمد في الجنوب السوري، حيث لم تكتفِ بالوجود العسكري في المنطقة العازلة، بل بدأت في بناء قواعد عسكرية وحفر أنفاق، ما يشير إلى نوايا بعيدة المدى للتمركز الدائم في المنطقة.
بين التوظيف السياسي والرفض الشعبي
ضمن مساعيها لتعزيز نفوذها في جنوب سوريا، تدعي إسرائيل أنها ملتزمة بحماية الطائفة الدرزية، عبر الترويج لفكرة أن تحالفها مع تل أبيب قد يوفر حماية للمجتمع الدرزي في ظل الفوضى المستمرة. وقد لوحظت في الفترة الأخيرة اتصالات غير رسمية بين شخصيات درزية في الجولان المحتل ومسؤولين إسرائيليين، بهدف الترويج لفكرة التعاون مع إسرائيل.
🟢جاء في كلمة الرئيس السوري #أحمد_الشرع في افتتاح
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 25, 2025
مؤتمر الحوار الوطني السوري:
📌 #سوريا تحمّلت أوجاعًا وآلامًا وآثارًا اقتصادية واجتماعية وسياسية في ظل حكم البعث وعائلة الأسد.
📌 سوريا عادت اليوم إلى أهلها بعد أن سُرقت لغفلة من أبنائها، وعلينا التحلي بالصبر وألا نحمّل سوريا… pic.twitter.com/Fu7yE1DYui
فقد أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، بأن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بدأت في الأيام الماضية بإجراء تحضيرات أولية لإدخال عمّال سوريين إلى المستوطنات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل.
ونقلت "هيئة البث الرسمية"، مصدرين أمنيين إسرائيليين، بأن عملية استقدام العمّال السوريين ستتم على مرحلتين. في المرحلة الأولى، سيتم استقدام عشرات العمال السوريين للعمل في قطاعات البناء والزراعة داخل التجمعات الدرزية في مرتفعات الجولان المحتل.
وادعت هيئة البث بأن هذه المبادرة انطلقت بعد طلب تقدّم به رؤساء المجالس الدرزية، مشيرةً إلى أنهم توجهوا بهذا الطلب إلى الجهات الأمنية والجيش الإسرائيلي عقب سقوط نظام بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي.
لكن هذه المحاولات قوبلت برفض واسع من المجتمع الدرزي داخل سوريا، حيث يؤكد شيوخ العقل وزعماء الطائفة على تمسكهم بالهوية الوطنية السورية، ورفضهم القاطع لأي مشروع إسرائيلي يهدف إلى تقسيم البلاد أو خلق تحالفات محلية مشبوهة.
فيما خرجت مظاهرات حاشدة في مدن وبلدات الجنوب السوري المحاذي للشريط الحدودي مع هضبة الجولان المحتل. كما خرجت مظاهرة في البلدات الواقعة على خط الجبهة الأول مع الجولان المحتل في القنيطرة، تنديدًا بتصريحات نتنياهو والتدخل الإسرائيلي.
تقارير أشارت إلى أن البنتاغون يضع خططًا للانسحاب الكامل من #سوريا في غضون 30 أو 60 أو 90 يومًا.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 6, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/PoAzXHMbG5 pic.twitter.com/PyoCmhY3yv
إلى أين يتجه المشهد في جنوب سوريا؟
مع استمرار التصعيد العسكري الإسرائيلي، تتزايد المخاوف من تحوّل الجنوب السوري إلى بؤرة صراع إقليمي جديد، خاصة في ظل تبني إسرائيل سياسة 'الضربات الوقائية'، التي قد تؤدي إلى ردود فعل غير متوقعة داخل سوريا. وهذا يثير تساؤلات حول الخيارات المتاحة أمام دمشق للرد على العدوان الإسرائيلي المتكرر، إذ تشير جميع المعطيات إلى أن إسرائيل لن تتوقف حتى تفرض الواقع الذي تسعى إليه.
عكس التطورات الأخيرة في جنوب سوريا مدى تعقيد المشهد الإقليمي، في ظل استمرار التجاذبات الدولية حول مستقبل البلاد. وبموازاة سعي الحكومة السورية لبلورة حل سياسي، يبدو أن الجنوب السوري سيظل في قلب الأحداث، بانتظار ما ستؤول إليه التفاعلات الإقليمية والدولية في المرحلة المقبلة..