إعلامية سابقة في "بي بي سي": تغطية الشبكة للحرب على غزة تفتقر إلى النزاهة والاستقلالية
8 يمشي 2025
كشفت الصحفية والمذيعة السابقة في هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، كاريشما باتيل، عن أسباب استقالتها من الشبكة، مشيرةً إلى ما وصفته بـ"التحيز التحريري" في تغطية الحرب على غزة، والذي بلغ ذروته بسحب فيلم وثائقي حول تأثير الحرب على الأطفال الفلسطينيين.
في مقال رأي نشرته في صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، أكدت باتيل أن قرارها بالاستقالة جاء بعد شهور من الإحباط بسبب النهج التحريري لـ "بي بي سي" في تغطية الصراع. وقالت إنها شعرت بأن الشبكة تتجنب التوصل إلى استنتاجات واضحة بشأن الانتهاكات الإسرائيلية، خوفًا من ردود الفعل السياسية والإعلامية.
تؤكد باتيل أن هناك أدلة دامغة على وقوع جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان في غزة، من خلال شهادات الفلسطينيين، وتقارير المنظمات الحقوقية، والهيئات القانونية الدولية. ومع ذلك، تصر "بي بي سي" على طرح نقاشات متوازنة حتى في القضايا التي لم تعد قابلة للنقاش
قصة هند رجب: الفشل في تغطية مأساة إنسانية
أشارت باتيل إلى إحدى اللحظات الحاسمة التي دفعتها إلى إعادة التفكير في دورها، عندما رفضت إدارة التحرير تغطية قصة الطفلة هند رجب، التي كانت محاصرة داخل سيارة مع أقاربها الذين قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من أن الهلال الأحمر الفلسطيني كان ينشر تحديثات مستمرة عن محاولات إنقاذها، لم يتم ذكر اسمها في تقارير الشبكة إلا بعد مقتلها برصاص إسرائيلي، حيث تعرضت السيارة التي كانت بداخلها لـ300 طلقة.
بيّن التقرير أن وسائل الإعلام البريطانية استخدمت عبارات: "مجزرة ومذبحة ووحشية" لوصف "الهجمات" ضد الإسرائيليين في 70 بالمئة من نحو 117 ألف خبر مصور، مقابل عبارة "ما يُقال إنها مجزرة" لوصف الاعتداءات على الفلسطينيين. pic.twitter.com/TGb6PdgqAF
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 7, 2024
الأمر الأكثر استفزازًا، وفقًا لباتيل، كان أن التغطية التي نشرتها "بي بي سي" لاحقًا لم توضح الجهة المسؤولة عن مقتلها بوضوح، مما اعتبرته تهربًا متعمدًا من الحقيقة. ورأت أن هذا التردد في كشف الجهة المرتكبة للجرائم يضعف من مصداقية أي مؤسسة إعلامية تدّعي الحياد.
سحب وثائقي عن أطفال غزة: نقطة الانفجار
أوضحت باتيل أن قرار "بي بي سي" بسحب الفيلم الوثائقي "غزة: كيف تنجو من منطقة حرب"، بعد مزاعم حول صلة الراوي البالغ من العمر 13 عامًا بمسؤول حكومي في غزة، كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. وقالت إن الشبكة كان بإمكانها الإبقاء على الفيلم مع توضيح الخلفية، لكنها اختارت الخضوع للضغوط الخارجية، مما أدى إلى موجة انتقادات واسعة، حيث وقّع أكثر من 1000 شخصية، بينهم غاري لينيكر ومريم مارغوليس، على خطاب مفتوح يدين هذه الخطوة.
ورأت باتيل أن هذا القرار يعكس خوف "بي بي س"ي من إثارة الجدل السياسي، حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة الصحفية، مؤكدةً أن الشبكة فشلت في دورها كمنصة إعلامية مستقلة.
بي بي سي وفشل الحياد التحريري
وفقًا لباتيل، فإن المشكلة الحقيقية ليست فقط في سحب الفيلم، بل في النهج العام للشبكة تجاه تغطية غزة. وأشارت إلى أن المدير العام لشبكة "بي بي سي"، تيم ديفي، ورئيس مجلس إدارتها، سمير شاه، واجها استجوابًا في البرلمان البريطاني بشأن سياسات التحرير الخاصة بالمؤسسة، حيث أُثيرت أسئلة حول ما إذا كانت "بي بي سي" قد ضيّعت الحقيقة في محاولتها "الموازنة بين الطرفين".
وأضافت أن الصحفيين داخل المؤسسة كانوا يتجنبون التحقيق في بعض القضايا خوفًا من التداعيات، مشبهةً ذلك بأخطاء "بي بي سي" السابقة في تغطية أزمة المناخ، حيث استمرت الشبكة في مناقشة ما إذا كان التغير المناخي حقيقيًا رغم وجود أدلة علمية قاطعة. وقالت: "نحن بحاجة إلى مؤسسة إعلامية تتبع الأدلة دون خوف أو محاباة. الشجاعة التحريرية هي المفتاح".
تسود حالة من التوتر داخل أروقة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، بسبب الموقف المنحاز للرواية الإسرائيلية على حساب دماء الفلسطينيين.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 27, 2023
هنا التفاصيل: https://t.co/wvYspJMe5i pic.twitter.com/nvqhnc7SS1
"الصحفي لا يُبلغ عن احتمال هطول المطر.. بل يخبر الناس إن كانت هناك عاصفة"
تؤكد باتيل أن هناك أدلة دامغة على وقوع جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان في غزة، من خلال شهادات الفلسطينيين، وتقارير المنظمات الحقوقية، والهيئات القانونية الدولية. ومع ذلك، تصر "بي بي سي" على طرح نقاشات متوازنة حتى في القضايا التي لم تعد قابلة للنقاش. وتساءلت: "متى ستصدر بي بي سي بيانًا يقول بوضوح إن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، كما فعلت مع التغير المناخي؟".
وأشارت إلى أن الصحفيين ليسوا مجرد ناقلين لمعلومات متضاربة، بل يجب عليهم التحقيق والتوصل إلى استنتاجات تستند إلى الأدلة المتاحة. وأضافت: "وظيفة الصحفي ليست أن يقول إن السماء قد تمطر أو لا، بل أن يخرج إلى الخارج ويخبر الجمهور إن كانت هناك عاصفة. وأؤكد لكم: هناك عاصفة".
استنتاجات نهائية
تركت كاريشما باتيل وظيفتها في شبكة "بي بي سي" بعد خمس سنوات، حيث عملت في تغطية قضايا الشرق الأوسط، ووباء كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا، والتوترات الدينية في الهند. لكنها وجدت أن تجربة تغطية غزة كانت الأكثر صدمةً، حيث رأت كيف أن المؤسسة الإعلامية البريطانية الأكثر تأثيرًا لم تكن مستعدة للتعامل مع الحقيقة كما هي.
وأكدت أن معايير الحياد الصحفي لا تعني تجنب الاستنتاجات القائمة على الأدلة، مشيرة إلى أن التردد في مواجهة الحقائق يجعل المؤسسات الإعلامية أداة في الحروب الإعلامية، حيث تملأ الجهات الفاعلة ذات النوايا السيئة الفراغ بالمعلومات المضللة.
وتختتم باتيل مقالها برسالة واضحة: "لقد فقدت بي بي سي شجاعتها التحريرية في غزة. لكن الصحافة الحقيقية لا يمكن أن تبقى صامتة، لأن الحقيقة ليست مسألة رأي، بل هي مسؤولية".