اتفاق حول صفقة المعادن.. هل حصلت كييف على الضمانات الأمنية الكافية من ترامب؟

نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن مصادر خاصة أن الولايات المتحدة الأميركية وأوكرانيا قد توقّعان اليوم السبت اتفاقًا بشأن المعادن النادرة. في المقابل، اكتفت تقارير أخرى بالتأكيد على أن الطرفين الأميركي والأوكراني باتا أقرب من أي وقتٍ مضى إلى توقيع الاتفاقية، دون تحديد موعد زمني دقيق لذلك.

واستندت تلك التقارير إلى التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، على هامش مؤتمر العمل السياسي المحافظ، أمس الجمعة، حيث أعلن أن إدارته تتوقع التوصل إلى اتفاق قريبًا بشأن المعادن الأوكرانية النادرة، كجزء من مفاوضات وقف إطلاق النار، وفقًا لما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز".

وكانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد كثّفت جهودها وضغوطها على أوكرانيا لدفعها إلى توقيع صفقة المعادن، كتعويض عن المساعدات التي قدّمتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن لدعم المجهود الحربي الأوكراني ضدّ روسيا. وقد أدّى رفض الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للصفقة المقترحة من ترامب إلى اندلاع حرب كلامية بينهما، حيث وصف ترامب زيلينسكي بـ"الدكتاتور"، فيما اعتبر الأخير أن ترامب وقع في "فقاعة التضليل الروسي".

وأثار هذا التراشق الكلامي مخاوف في واشنطن وكييف من احتمال تخلي الولايات المتحدة عن دعم أوكرانيا. إلا أن المعلومات الأخيرة حول توصل الطرفين إلى تفاهمات أو اتفاق أولي بشأن حقوق استغلال المعادن، قد تساعد، وفقًا للمراقبين، في تهدئة التوترات التي اندلعت بين زيلينسكي وترامب.

 السيطرة الصينية على سلاسل الإمداد في مجال عمليات معالجة المعادن النادرة، تعدّ أحد الأسباب الرئيسية التي تفسّر رغبة ترامب الشديدة في معادن أوكرانيا.

الصفقة الوشيكة:

في إشارة إلى اقتراب موعد توقيع صفقة المعادن بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مساء أمس الجمعة، إن "فرقًا من المفاوضين الأميركيين والأوكرانيين تعمل على مسودة اتفاق"، مضيفًا: "هذا الاتفاق من شأنه أن يعزز علاقاتنا، والمفتاح هو وضع التفاصيل لضمان فعاليته. أتطلع إلى نتيجة عادلة".

وبحسب وول ستريت جورنال، فقد عُرضت على زيلينسكي صفقة من قبل وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، خلال زيارته إلى كييف الأسبوع الماضي، لكنه رفض التوقيع عليها، قائلًا إن "الجانب الأوكراني بحاجة إلى دراستها بشكل أكبر، وأن الصفقة يجب أن تحتوي على شكل من أشكال الضمانات الأمنية لأوكرانيا".

وفي السياق ذاته، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الجمعة، من المكتب البيضاوي، إنه "يعتقد أن الأوكرانيين يريدون التوصل إلى صفقة، ويشعرون بالرضا عن ذلك"، وفق تعبيره. وبحسب مصادر مطّلعة على تفاصيل المفاوضات، فإنه من المنتظر أن يتم التوقيع على الاتفاقية اليوم السبت.

عودة الأمل:

قال زيلينسكي إن الاجتماع الذي جمعه بالمبعوث الأميركي كيث كيلوغ "أعاد الأمل، وأعطى دفعة جديدة للعلاقات الأوكرانية-الأميركية"، مضيفًا أنه وجّه فريقه الحكومي إلى "العمل بسرعة وبحكمة شديدة" فيما يخص صفقة المعادن.

ونقلت وول ستريت جورنال عن مصدر مقرب من الحكومة الأوكرانية في كييف، قوله إن "المبعوث الأميركي الخاص إلى أوكرانيا، كيث كيلوغ، لعب دورًا كبيرًا في الانتهاء من شروط الصفقة، وذلك من خلال بناء الثقة مع زيلينسكي ومسؤولين أوكرانيين آخرين، خلال زيارته التي استمرت ثلاثة أيام، من الخميس حتى اليوم السبت".

معادن أوكرانيا الاستراتيجية:

تمتلك أوكرانيا رواسب غنية من 22 معدنًا نادرًا من أصل 34 معدنًا حدّدها الاتحاد الأوروبي بوصفها معادن حاسمة، وتشمل هذه القائمة عناصر معدنية نادرة مثل "اللانثانوم، السيريوم، النيوديميوم، الإربيوم، والإيتريوم".

وتشير إحصائيات الاتحاد الأوروبي إلى أن كييف تمتلك أكبر احتياطيات من التيتانيوم والليثيوم في أوروبا، حيث يُستخدم التيتانيوم في صناعة السبائك للطائرات والسفن البحرية، في حين يُعتبر الليثيوم مكوّنًا أساسيًا في تصنيع البطاريات.

العناصر الأرضية النادرة، التي تتواجد بكثرة في أوكرانيا، تُستخدم في تطبيقات مختلفة، تشمل القطاعات عالية التقنية، مثل الدفاع والطاقة المتجددة والإلكترونيات والتطبيقات الصناعية، بما في ذلك مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي.

لكن رغم وفرة هذه الاحتياطيات المحتملة، فإنها تتطلب استثمارات ضخمة لتطويرها، كما أن عملية تنقيتها تُعدّ مكلفةً للنظام البيئي. فضلًا عن ذلك، يقع العديد من مواقع هذه الاحتياطيات في مناطق تسيطر عليها روسيا.

التنافس مع الصين:

باتت الصين الوجهة العالمية الأبرز في مجال معالجة المعادن النادرة، حيث تُظهر بيانات وكالة الطاقة الدولية أن حصة الصين من عمليات تكرير معدن النيكل تبلغ نحو 35%، بينما تصل إلى 50-70% فيما يخص الليثيوم والكوبالت، وتفوق 90% بالنسبة للعناصر الأرضية النادرة.

هذه السيطرة الصينية على سلاسل الإمداد الخاصة بعمليات معالجة المعادن النادرة تُعدّ أحد العوامل الرئيسية التي تفسّر سعي إدارة ترامب للاستفادة من معادن أوكرانيا.

تشير إحصائيات الاتحاد الأوروبي إلى امتلاك كييف أكبر احتياطيات من التيتانيوم والليثيوم في أوروبا، ويستخدم المعدن الأول (التيتانيوم) في صناعة السبائك للطائرات والسفن البحرية، في حين يستخدم الثاني (الليثيوم) كمادة رئيسية في البطاريات.

لذلك، وصف مستشار الأمن القومي الأميركي، مايك والتز، الصفقة المقترحة بشأن المعادن مع أوكرانيا بأنها "شراكة اقتصادية مع أوكرانيا وفرصة تاريخية للولايات المتحدة الأميركية" لا ينبغي تفويتها.

وبحسب مصادر رويترز، فقد اقترحت إدارة ترامب الاستحواذ على 50% من المعادن المهمة في أوكرانيا، بينما لا تزال كييف تتردد في منح موافقتها النهائية، مبررة موقفها بعدم حصولها على الضمانات الأمنية الكافية.

وفي هذا السياق، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن طلب ترامب الحصول على "500 مليار دولار من المعادن كان مبالغًا فيه، فالمساعدات العسكرية والمالية الأميركية لأوكرانيا خلال الحرب بلغت حوالي 100 مليار دولار فقط".

كما أعربت أوكرانيا عن استيائها من استبعادها من مفاوضات السلام التي عقدها الأميركيون والروس في المملكة العربية السعودية، الثلاثاء الماضي.

ولم يتضح بعد ما إذا كانت تفاصيل صفقة المعادن تتضمن بنودًا تمنح كييف الضمانات الأمنية التي تطالب بها كشرط أساسي قبل إبرام أي اتفاقية سلام مع روسيا.

وفي سياق متصل، كان ترامب قد صرّح سابقًا بأنه لا يعارض نشر قوات أوروبية في أوكرانيا لحفظ السلام. ومن المقرر أن يلتقي هذا الأسبوع بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يليه لقاء مع رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الأسبوع المقبل.