اختيار حاكم مصرف لبنان المركزي.. تدخلات واشتراطات أميركية
16 يمشي 2025
يتولى حاكمٌ مؤقّت مهمة إدارة مصرف لبنان المركزي منذ تموز/يوليو 2023، خلفًا لرياض سلامة الذي شغل المنصب لفترة ناهزت 30 عامًا، قبل أن يغادره بفضيحة. ويتعيّن على الحكومة الجديدة، التي يرأسها نواف سلام، أن تختار حاكمًا جديدًا للمصرف الذي يتولى تشكيل السياسة النقدية للبنان الذي يعاني منذ خمس سنوات من أزمة اقتصادية خانقة، دفعت جهات رقابية مالية إلى إدراجه عام 2024 على قائمتها "الرمادية" للمصارف غير القادرة على معالجة المخاوف المتعلقة بغسل الأموال وتمويل الإرهاب.
لكنّ تسمية حاكم جديد لمصرف لبنان المركزي يحل محلّ الحاكم المؤقت، وسيم منصوري، ليست مهمة سهلة، إذ تتداخل فيها عدة أبعاد وعدد من الفاعلين الكبار، على رأسهم، حسب رويترز، الولايات المتحدة الأميركية، التي تضع مجموعة من الاشتراطات والمواصفات لحاكم مصرف لبنان المستقبلي، وتتدخّل في اختيار الأسماء والمفاضلة بينها، تحت ذريعة "الحد من الفساد والتمويل غير المشروع لحزب الله عبر النظام المصرفي اللبناني".
وأفادت رويترز، نقلًا عن 3 مصادر أميركية ولبنانية، بأنّ إدارة بايدن التقت بالفعل ببعض المرشحين المحتملين للمنصب، وناقشت معهم رؤيتهم لسياسة المصرف، وما إذا كانوا مستعدين لمكافحة "تمويل الإرهاب ومواجهة حزب الله".
التدخل في اختيار المرشحين للمنصب الأعلى في النظام المصرفي اللبناني يعدّ أحدث مثال على "النهج التدخّلي غير المعتاد للولايات المتحدة في لبنان الذي تعرض لانهيار اقتصادي بفعل أزمة مالية استمرت لأكثر من خمس سنوات"
واعتبرت رويترز أنّ هذا التدخل الأميركي في اختيار المرشحين للمنصب الأعلى في النظام المصرفي اللبناني، يعدّ أحدث مثال على "النهج التدخّلي غير المعتاد للولايات المتحدة في لبنان الذي تعرض لانهيار اقتصادي بفعل أزمة مالية استمرت لأكثر من خمس سنوات"، وتسعى واشنطن من خلال هذا التدخل أيضًا إلى مواصلة نهج "إضعاف حزب الله المدعوم من إيران"، حيث تقلّص نفوذ الحزب على الحكومة اللبنانية، بعد الضربة التي تعرض لها العام الماضي من طرف جيش الاحتلال الإسرائيلي، وما تلاها من انتخاب رئيس جديد، هو جوزيف عون، وحكومة جديدة دون دور مباشر لحزب الله فيها، والتركيز الآن منصب على تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان المركزي مستعد لمواجهة تمويل الحزب.
وتقوم واشنطن حاليًا بمراجعة ملفات عدد قليل من المرشحين لهذا المنصب، وفقًا لما أفادت به 3 مصادر لبنانية مطلعة على القضية، ودبلوماسي غربي، ومسؤول من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وقد تحدثت المصادر الخمس إلى الوكالة، شريطة عدم الكشف عن هويتها، لمناقشة دور واشنطن في عملية اختيار حاكم مصرف لبنان المركزي.
وقد التقى مسؤولون أميركيون، حسب المصادر اللبنانية والمصدر الأميركي، ببعض المرشحين المحتملين في واشنطن وفي السفارة الأمريكية في لبنان. وذكرت المصادر اللبنانية، التي أُطلعت على الاجتماعات، أن المسؤولين الأمريكيين طرحوا على المرشحين أسئلة، شملت كيفية مكافحة "تمويل الإرهاب" عبر النظام المصرفي اللبناني، وما إذا كانوا مستعدين لمواجهة حزب الله.
الشروط الأميركية
اعتبر المسؤول الأميركي الذي تحدث لرويترز أنّ الاجتماعات التي عقدها الأميركيون مع المرشحين المحتملين لمنصب حاكم مصرف لبنان، مجرد جزء من "الدبلوماسية الاعتيادية"، لكنه اعترف، في المقابل، أن الولايات المتحدة "أوضحت بشكلٍ لا لبس فيه شروطها التي لا يمكن التنازل عنها، أمام اختيار أي حاكم جديد للمصرف".
وهذه الشروط أو اللاءات هي "لا لحزب الله، ولا لأي شخص متورط في فساد. هذا أمر ضروري من منظور اقتصادي"، وأضاف المسؤول الأميركي لرويترز: "الحاجة ماسة إلى شخص سينفذ الإصلاح، ويطالِب به، ويرفض غض الطرف كلما حاول الناس ممارسة أعمالهم كالمعتاد في لبنان".
أبرز الأسماء
أفادت المصادر اللبنانية التي تحدثت لرويترز بأن المرشحين الذين يُنظر إليهم بجدية هم الوزير السابق كميل أبو سليمان، بالإضافة إلى 3 مستثمرين هم فراس أبي ناصيف، الذي يرأس شركة استثمارية، وفيليب جبر وكريم سعيد، وكلاهما يرأسان شركتيهما الخاصتين.
يشار إلى أنّ الحاكم القادم لمصرف لبنان المركزي، سيلعب دورًا رئيسيًا في أي إصلاحات اقتصادية ومالية، وكان الرئيس عون ورئيس الوزراء نواف سلام، قد تعهدا بإعطاء الأولوية لمساعدة لبنان على الخروج من الانهيار المالي المدمر الذي بدأ عام 2019، بسبب الفساد المستشري والإنفاق المسرف من قبل النخبة السياسية الحاكمة، الأمر الذي أدى إلى إفقار معظم اللبنانيين، وتدمير الليرة اللبنانية، وشل حركة النظام المصرفي.
وتتطلع الحكومة اللبنانية الجديدة إلى استئناف المحادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج تمويل، لكن الإصلاحات لا تزال شرطًا أساسيًا، عند جميع المانحين والممولين.
قاضي التحقيق الأول في #بيروت أصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق حاكم مصرف #لبنان السابق رياض سلامة.https://t.co/eLai0t2PRH
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) September 9, 2024
رياض سلامة
حظي رياض سلامة خلال معظم فترة ولايته كحاكم لمصرف لبنان المركزي، بدعمٍ أميركي كبير، وكان ينظر إليه باحتفاء كأحد أبرز الخبراء في المجال المالي، لكنّ الانهيار الاقتصادي الذي تعرض له لبنان شوّه إرث سلامة، وبعد شهرٍ واحد من تركه منصبه في عام 2023، فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا عقوبات على سلامة، بعد اتهامه بالفساد وإثراء نفسه وشركائه، وبات سلامة يواجه حاليًا اتهامات بارتكاب جرائم مالية داخل لبنان وخارجه في فرنسا وعدة دول أخرى.