الأردن.. الثقافة في خبر كان
23 يوليو 2015
رغم قلّتها أساسًا، صحيفتان فقط من بين الصحف الأردنية اليومية الأربع، كنتَ تجد بين صفحاتها مكانًا للثقافة والأدب والفن. لكنّ صحيفتي الدستور والرأي بدأتا بالتراجع عن ذلك الدور، إلى درجة وصولهما إلى قطع المكافآت عن الكتّاب، وتسريح كوادر القسم الثقافي، كما لو أنّهما تعلنان عن سقوط الثقافة من أجندتهما.

يؤكد خالد سامح، القاص والمحرّر الثقافي في صحيفة "الدستور"، أنّ الثقافة في عالمنا العربي لا تزال بالنسبة للمسؤولين وأصحاب القرار "ترفًا لا طائل منه"، لذا سيكون من الطبيعي جدًا أن تقع الصفحة الثقافية ضحية أولى لكل المستجدات التي طرأت، أو ستطرأ. على الرغم من أنّ الثقافة هي التي أسّست العمل الصحفي في العالم أجمع، وكانت العماد الأساسي لنهضة الصحافة ونشاطها في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
من جهته، يرى الكاتب ربيع محمود ربيع أنّ الثقافة في الأردن غير مدرجة في أولويات الدولة، والتراجع في التعاطي معها هو تراجع عام يشمل جميع مؤسسات الدولة: وزارة الثقافة، أمانة عمان، الجامعات الحكومية.. إلخ، ولتدارك هذا الأمر، يدعو ربيع، إلى صدام ناعم مع السلطة. كما ويدعو أيضًا المثقفين الأردنيين إلى ترك خلافاتهم الصغيرة، وتوجيه خطاب موقّع إلى الدولة الأردنية يلفت إلى أنها أصبحت تفتقد للخطاب الثقافي الذي هو أحد المرتكزات الأساسية للبقاء.
أما سياسة عدم اكتراث إدارات الصحف الأردنية بالثقافة فيرى ربيع أنها ساهمت في إطلاق العنان لمحرري هذه الصفحات كي يستغلوها لتحقيق مصالحهم الشخصية وتمرير المجاملات، فلا تكاد تخلو هيئة تحرير مجلة ثقافية من اسم صحفي يعمل في القسم الثقافي لهذه الجريدة أو تلك. وقد تجد اسمًا واحدًا يتكرّر في عدد من الهيئات، كأنّ الساحة تخلو من المثقفين. يضاف إلى ذلك كله، ارتباط الصحافيين العاملين بقطاع النشر، "وللقارئ أن يرى العلاقة بين ما ينشره هذا الملحق وما تنشره تلك الدار".

وحول ما إذا كانت أسباب هذا التراجع كامنة في خفوت الحركة الثقافية الأردنية أساسًا، أم في العقلية التقليدية للمحرر الثقافي وعدم كفاءته وقدرته على مواكبة متغيرات العمل الصحفي، لا سيما في زمن الصحافة الالكترونية؟ يرى الشاعر والصحافي محمد معايطة أنّ سبب هذا التراجع مهني بالدرجة الأولى، لأن صحف الأردن تعتمد على النقل لا السبق. ويشير إلى "وهن عقلية المحرر فحين يتعامل المحرر الثقافي بمبدأ الوظيفة، ستسقط الصفحة الثقافية مهنيًّا في التقليد والابتذال". هكذا ستتحول صفحة الأدب والفن إلى "حمل زائد" أو "حلقة أضعف"، وسيتم تقديمها بوصفها كبش الفداء لكل أزمة مالية.
وعن دور المثقف الأردني في الدفاع عن منبره الذي يتعرّض للاستباحة، فيحمِّل ربيع المثقف نفسه مسؤولية ما وصلت إليه حال الثقافة في البلاد، لأنه "يتعامل مع حقوقه الثقافية والمادية كعطايا ومنح، وليس كحقوق مكتسبة غير قابلة للتفاوض، إذ كيف يطالب بتحرير الشعوب من الفقر والظلم ولا يجرؤ على المطالبة بحقوقه المالية وتحرير نفسه من التبعية الثقافية؟".

أما معايطة فيرى أن المثقف الأردني ملّ من الحرب التي خاضها لسنوات مع المؤسسة الثقافية الرسمية والأهلية، وملّ من حالة الجهل في الوعي الجمعي، في شتى أمور الحياة وليس فقط من الجانب الثقافي، وها هو في الوقت الراهن بعيد عن المجابهة والتحدي.
بالنسبة لسامح، يعود تراجع دور الملاحق الثقافية في السنوات الخمس الأخيرة إلى العقلية التي تحكم إدارات الصحف، وتسعى إلى تعويض الخسائر والمحافظة على الأرباح بمنح الإعلان التجاري الأولوية على حساب القيم الثقافية، ما أدى إلى التراجع والغياب.
فيما يشير القاص والكاتب عامر علي الشقيري إلى "الهبوط الواضح والمؤلم في جودة النصوص"، معتبرًا أن وسائل التواصل الاجتماعي هي المساهم الأول في ذلك، ويرى أن ذهاب الجميع إلى فعل الكتابة وضع القارئ في مأزق. أما على صعيد الصحافة المكتوبة، فالمشكلة في أن المحرر الثقافي يتبنى النهج الإقصائي الذي اعتمدته المؤسسات الرسمية في تكريس أسماء بعينها.

"عودة الثقافة والصحافة الثقافية إلى عهود ازدهارها تتطلب إعادة نظر في السياسات التي تتبعها الإدارات الحالية، وضرورة الضغط من قبل النخب الثقافية باتجاه إحياء الملاحق الثقافية، وتجديد مضامينها وأساليبها، لتواكب العصر وتعبر عن رؤية الأجيال الصاعدة من المثقفين الشباب"، يقول سامح، ويضيف مذكّرًا بالعلاقة التاريخية بين النخب وتأسيس الصحافة: "في عالمنا العربي، ما كان للصحف أن تتأسّس وتأخذ دورها السياسي والاجتماعي والفكري، لولا جهود نخبة من المثقفين والمبدعين والمفكرين جعلوا من قراءة الصحيفة النشاط الأول الذي يمارسه الانسان العربي يوميًّا، وقد كان للملاحق الثقافية دور تنويريٌّ رائد في العالم العربي مشرقه ومغربه، ومنها اطلع الجمهور على إبداعات المثقفين العرب في الشعر والرواية والقصة والمسرح والفن التشكيلي وغيرها، وكانت حاضنة رئيسية للتيارات الفكرية المختلفة".
كذلك يرى معايطة أن الثقافة ككل، والصحافة الثقافية بشكل خاص، بحاجة إلى حركة إصلاح عاجلة، من خلال عودة المثقف إلى دوره النقدي، ورفع سَويّة المادة الصحفية، والقيام بمبادرات إعلامية تصب في الشأن الثقافي. لكنه يعتقد أن "كل ذلك لا بد له أن يأخذ وقتًا طويلًا".
بالنسبة للشقيري، لا يمكنه أن يؤمن بإمكانية إنقاذ الصحافة إلا بإعادة الاعتبار للكاتب والمبدع. هكذا يجزم: "عبر هذا فقط يمكننا أن نعوّل على استرجاع هيبة الصحافة الثقافية، وقدرتها على التأثير في الرأي العام".