الأسلحة البيولوجية الجديدة تزعزع استقرار العالم في ظل دفاعاته الضعيفة ضدها
28 أغسطس 2024
إن فشل البشرية في مواجهة كوفيد-19 أمرٌ صادم، لأن العالم يواجه عددًا متزايدًا من التهديدات البيولوجية، بعضها، مثل إنفلونزا الطيور، يأتي من الطبيعة، لكن الكثير منها يأتي من التقدم العلمي.
بهذه المقدمة استهل الثلاثي روجر برينت وغريج جونيور ووجيسون ماثيني تقريرهم في مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، حول الأسلحة البيولوجية الجديدة التي باتت تزعزع استقرار العالم، فعلى مدى السنوات الستين الماضية، طور الباحثون فهمًا متطورًا لكل من البيولوجيا الجزيئية والبشرية، مما سمح بتطوير مسببات الأمراض القاتلة والفعالة بشكل ملحوظ.
لقد اكتشف العلماء كيفية إنشاء فيروسات يمكنها التهرب من المناعة، وتعلموا كيفية تطوير الفيروسات الموجودة لتنتشر بسهولة أكبر عبر الهواء، وكيفية هندسة الفيروسات لجعلها أكثر فتكًا.
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان كوفيد-19 قد نشأ من مثل هذه الأنشطة، أو أصاب البشر من خلال التفاعل مع الحياة البرية، على أي حال، من الواضح أن التكنولوجيا البيولوجية، التي يعززها الآن الذكاء الاصطناعي، جعلت إنتاج الأمراض أسهل من أي وقت مضى.
في المقابل فإن الدفاعات الحالية ضد الأسلحة البيولوجية هزيلة، والسيطرة على جائحة كوفيد-19 كانت ممكنةً فقط لأن الفيروس لم يكن فتّاكًا بما يكفي، والوضعية الحالية تقتضي تشديدًا قويًا وشدد على "ضبط الأسلحة البيولوجية قبل فوات الأوان ووقوع الكارثة"، ولن يكون ذلك إلا بمنح هذا الملف الأولوية في أجندة القادة والزعماء السياسيين.
تطوير دفاعات قوية
تقرير "فورين أفيرز" دعا "قادة العالم إلى إعطاء الأولوية لتطوير دفاعاتٍ قوية ضد الأسلحة البيولوجية"، ويشمل ذلك، حسب التقرير، "تطوير أنظمة مراقبةٍ لاكتشاف الأمراض المصنّعة، وزيادة كفاءة سرعة إنتاج اللقاحات وفاعليتها، وفرض سيطرةٍ محكمة على تكنولوجيا التصنيع".
وجدت وزارة الخارجية الأميركية في 2024 أن كوريا الشمالية وروسيا تمتلكان برامج أسلحة بيولوجية هجومية، في حين تتابع الصين وإيران بحوثًا بيولوجية قد تكون قابلةً للتسليح
وبحسب التقرير، فإن جائحة كوفيد-19 وما نتج عنها من عرقلةٍ الاقتصاد العالمي، وتعطيل نظام الحياة اليومية، وتوتراتٍ اجتماعية وسياسية، وضغطٍ على القطاع الصحي والوفيات، "أظهر ثغرةً خطيرة في دفاعات الهجوم بالأسلحة البيولوجية".
ولفت التقرير النظر إلى أنّ التطور العلمي في مجال البيولوجيا الجزيئية والبشرية، بجانب الذكاء الاصطناعي، "سهّلا هندسة فيروساتٍ قاتلة تخترق المناعة بسهولة، وتنتشر بسرعة، وتفتك بالجسد البشري بفعالية".
وأضاف التقرير أنّ "التقدم في التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية قد ذلّل تطويرَ الأسلحة البيولوجية على الدول والأفراد والمجموعات الإرهابية، وأصبح من السهل تصنيع الأمراض باستخدام المواد المتوفرة في الأسوق العادية".
فضلًا عن ذلك فإنّ "الاعتماد الحديث على أنظمة الذكاء الاصطناعي يجعل البيانات المتعلقة بالأسلحة البيولوجية عرضةً للاختراق والسرقة، وقد تقع في الأيدي الخاطئة، مما يشدد على ضرورة تطوير دفاعاتٍ ضدها".
ولن يكون ذلك إلّا عبر "بناء أنظمةٍ لتطوير اللقاحات والأدوية المضادة للفيروسات، مع تحقيق القدرة على تطعيم سكان العالم في غضون 100 يوم من ظهور وباء"، كما تقتضي الاستراتيجية الدفاعية أيضًا "تزويد المباني بأنظمةٍ لتنقية الهواء، والحد من تمويل التجارب البيولوجية، وفرض رقابةٍ صارمة على الشركات التي تبيع المواد البيولوجية".
ولفت التقرير إلى أن "الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية الأسلحة البيولوجية الصادرة عام 1972، فشلت تاريخيًا في ردع الدول عن تطوير برامج أسلحة بيولوجية".
وبحسب تقرير "فورين أفيرز"، وجدت وزارة الخارجية الأميركية في 2024، أن كوريا الشمالية وروسيا تمتلكان برامج أسلحة بيولوجية هجومية، في حين تتابع الصين وإيران بحوثًا بيولوجية قد تكون قابلةً للتسليح، رغم أن جميع هذه الدول قد وقعت على الاتفاقية المذكورة.
الولايات المتحدة هي الأخرى، أجرت في الستينيات تجارب لنشر الأسلحة البيولوجية في محيطها "في حالة ما إذا دمر قصف نووي من موسكو ترسانتها النووية".
كما قامت، حسب التقرير، بنشر بكتيريا غير ضارةٍ في أنفاق مترو نيويورك وخليج سان فرانسيسكو، ورشّت مواد كيميائية بالطائرات من جبال روكي إلى المحيط الأطلسي، ومن كندا إلى خليج المكسيك، وبنهاية الستينيات كانت أسلحتها البيولوجية متعددةً ومتنوعة، واتخذت خطواتٍ بعدها للحد من برامج أسلحتها البيولوجية، حسب "فورين أفيرز".
واستمر الاتحاد السوفياتي في برنامجه للأسلحة البيولوجية حتى بعد الاتفاقية، وزار مسؤولون أميركيون وبريطانيون منشآت البرنامج في 1991، حيث رأوا صفوفًا من الأوعية والمفاعلات الحيوية القادرة على إنتاج آلاف اللترات من فيروس الجدري، ويمكن لهذه الأوعية ضخ الفيروس عبر أنابيب مبردة إلى قنابل صغيرة يمكن تحميلها على الصواريخ.