الأمم المتحدة: الاقتصاد السوري بحاجة لعقود لاستعادة مستواه قبل الحرب
21 فبراير 2025
يكشف تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، الذي جاء بعنوان "تأثير الصراع في سوريا: اقتصاد مدمر، وفقر منتشر، وطريق مليء بالتحديات أمام التعافي الاجتماعي والاقتصادي"، عن التداعيات الكارثية التي خلفتها الحرب السورية منذ عام 2011، حيث يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر وسط تدهور اقتصادي غير مسبوق.
وبعد نحو 14 عامًا على انطلاقة الثورة السورية، تُظهر التقارير الأممية أن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون اليوم تحت خط الفقر، ما يُمثل 90% من السكان، فيما فقد الناتج المحلي الإجمالي للبلاد أكثر من نصف قيمته. كما شهدت معدلات البطالة قفزة حادة، إذ أصبح واحدٌ من كل أربعة سوريين بلا عمل، ما يمثل 25% من القوى العاملة.
كما أدى الانهيار المتواصل للبنية التحتية العامة إلى تعميق الأزمة، مما يجعل مسار التعافي الاجتماعي والاقتصادي أكثر صعوبة وتعقيدًا.
استعادة نمو الناتج المحلي تتطلب استراتيجية شاملة
يحذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في أحدث تقاريره الخاصة بسوريا، من أنه في حال استمر الاقتصاد السوري في النمو بالمعدلات الحالية، فلن يتمكن من استعادة مستوى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه في عام 2010 قبل عام 2080.
ولخفض هذه الفترة إلى 10 سنوات، يقترح تحقيق نمو سنوي يفوق المستوى الحالي بستة أضعاف. أما للوصول إلى مستوى عام 2010 بسرعة قياسية، فيتطلب ذلك زيادة معدلات النمو بمقدار عشرة أضعاف.
يكشف تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن التداعيات الكارثية التي خلفتها الحرب السورية منذ عام 2011، حيث يعيش 90% من السكان تحت خط الفقر وسط تدهور اقتصادي غير مسبوق
يرى مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أخيم شتاينر، أن تعافي الاقتصاد والمجتمع السوري "يتطلب استثمارات طويلة الأمد في التنمية لبناء الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي"، مؤكدًا على أن "بلوغ مستقبل مستدام يحقق الاستقرار والسلام للجميع يتطلب مقومات أساسية تشمل استعادة الإنتاجية لتوفير فرص العمل والتخفيف من حدة الفقر، وتنشيط الزراعة لتحقيق الأمن الغذائي، وإعادة بناء البنية التحتية للخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم والطاقة".
من جانبه، يعتبر الأمين العام المساعد للأمم المتحدة ومدير المكتب الإقليمي للدول العربية في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عبد الله الدردري، أن مستقبل سوريا يعتمد "على نهج يحقق تعافٍ تنموي بمعدل قوي"، وهو ما "يتطلب استراتيجية شاملة تعالج متطلبات إصلاح الحوكمة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي وإعادة إحياء القطاعات الإنتاجية وإعادة بناء البنية التحتية وتعزيز الخدمات الاجتماعية والعمل المناخي"، مشددًا على أن هذه " الإصلاحات المترابطة"، يمكنها مساعدة سوريا على استعادة بناء مستقبلها.
تقديرات أممية للخسائر الاقتصادية والإنسانية
أدى الصراع المستمر في سوريا منذ أكثر من عقد إلى أزمة إنسانية واقتصادية غير مسبوقة، مما جعل التعافي الاجتماعي والاقتصادي أكثر صعوبة وتعقيدًا، بحسب ما أظهرت بيانات البرنامج الأممي.
خسائر اقتصادية كبيرة
- بلغت الخسائر الإجمالية للناتج المحلي الإجمالي في سوريا نحو 800 مليار دولار على مدار 14 عامًا من الحرب، مما أدى إلى تراجع حاد في الاقتصاد الوطني.
اعتماد واسع على المساعدات الإنسانية
- يعتمد ثلاثة من كل أربعة أشخاص، ما يُمثل نسبة 75% من السكان، على المساعدات الإنسانية.
- يحتاج الاقتصاد والمجتمع إلى دعم تنموي في معظم القطاعات الرئيسية، بما يشمل الصحة، والتعليم، والدخل، والتوظيف، والأمن الغذائي، والمياه والصرف الصحي، والطاقة، والإسكان.
ارتفاع معدلات الفقر
- تضاعفت معدلات الفقر ثلاث مرات، حيث ارتفعت من 33% قبل الحرب إلى 90% اليوم.
- ارتفع معدل الفقر المدقع من 11% إلى 66%، بمعدل ستة أضعاف.
خسائر بشرية وصحية
- تسببت الحرب في مقتل 618 ألف شخص، فضلًا عن 113 ألف شخص آخرين مخفي قسريًا.
- أدى انهيار النظام الصحي إلى تفاقم الأزمة، حيث تم تدمير ثلث المرافق الصحية وتعطيل نصف خدمات الإسعاف.
أزمة التعليم
- تتراوح نسبة الأطفال غير الملتحقين بالمدارس بين 40% و50% للفئة العمرية 6-15 عامًا، ما ينذر بجيل يعاني من فجوة تعليمية حادة.
دمار واسع في قطاع الإسكان
- تعرض ثلث الوحدات السكنية في البلاد للتدمير الكلي أو الجزئي، مما أدى إلى حاجة 5.7 مليون شخص إلى دعم عاجل في مجال الإيواء.
انهيار البنية التحتية للمياه والصرف الصحي
- توقف أكثر من نصف محطات معالجة المياه وأنظمة الصرف الصحي عن الخدمة، مما حرم 14 مليون شخص – أي نصف السكان – من الوصول إلى مياه نظيفة وخدمات الصرف الصحي.
إنتاج الطاقة
- انخفض إنتاج الطاقة بنسبة 80%، مع تضرر أكثر من 70% من محطات الكهرباء وخطوط النقل، مما أدى إلى تقليص قدرة الشبكة الوطنية بأكثر من ثلاثة أرباع طاقتها.
انخفاض مؤشر التنمية البشرية
- تراجع مؤشر التنمية البشرية في سوريا من 0.661 في عام 2010 إلى 0.557 اليوم، وهو أقل من أول قيمة مسجلة للمؤشر عام 1990 والتي بلغت 0.563، مما يعكس التدهور الحاد في مستوى التنمية في البلاد.
من التعافي البطيء إلى السيناريو الطموح
يقترح البرنامج الأممي ثلاثة سيناريوهات لتعافي الاقتصاد السوري، تتراوح بين تعافٍ بطيء يمتد لعقود، ومسار متسارع يحتاج إلى 15 عامًا، وصولًا إلى سيناريو طموح يتطلب معدلات نمو عالية لتعويض الخسائر وتحقيق التنمية المستدامة بشكل أسرع.
- السيناريو الحالي الأول: تعافٍ بطيء وممتد
إذا استمر الاقتصاد السوري في النمو بالمعدل الحالي الذي يُقدر بنسبة 1.3% سنويًا وفقًا للفترة 2018-2024، فإن الناتج المحلي سيحتاج إلى 55 عامًا لاستعادة المستوى الإجمالي الذي كان عليه قبل اندلاع الحرب، مما يجعل التعافي طويل الأمد ويحدّ من تحسين سبل العيش وفرص العمل.
- السيناريو الثاني: تعافٍ متسارع خلال 15 عامًا
في حال تحقيق نمو سنوي بنسبة 5%، سيتمكن الاقتصاد السوري من استعادة مستوياته السابقة خلال 15 عامًا، مما يتيح تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية بوتيرة أسرع ويعزز فرص التنمية المستدامة.
- السيناريو الثالث: تعافِ طموح
للوصول إلى المستوى الذي كان يمكن للاقتصاد السوري تحقيقه بحلول عام 2034 في غياب الحرب، يجب أن يرتفع معدل النمو السنوي إلى 13.9%، وهو ما يمثل تحديًا كبيرًا، لكنه ضروري لتعويض خسائر السنوات الماضية ودفع عجلة التنمية بسرعة أكبر.
واحدة من أسوأ أزمات التاريخ الحديث
يكشف تقرير البرنامج الأممي عن التداعيات العميقة التي خلفتها الحرب السورية، حيث لم يقتصر أثرها على الدمار المادي والبشري فحسب، بل امتد ليشمل انهيارًا شبه كامل في البنية الاقتصادية والاجتماعية، ما يعكس عمق الأزمة والتحديات التي تواجه عملية التعافي. وتشير البيانات إلى أن الاقتصاد السوري يواجه واحدة من أسوأ الأزمات في التاريخ الحديث، مما جعل الحصول على الخدمات الرئيسية أمرًا بالغ الصعوبة.
من الواضح أن التقرير الأممي يشدد أيضًا على أن التعافي الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق دون استراتيجية شاملة تتضمن إصلاح الحوكمة، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وإعادة بناء القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية، وتعزيز الخدمات الاجتماعية. إذ وفقًا للمسؤولين الأمميين، فإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب تعاونًا دوليًا واسعًا واستثمارات طويلة الأمد، إلى جانب تعزيز التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، لضمان تعافٍ اقتصادي متوازن ومستدام.
تشير تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن 188 سوريًا قضوا جراء انفجار أجسام من مخلفات الحرب السورية منذ مطلع العام الجاري.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 20, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/9aAAUgTqMy pic.twitter.com/JGF286VTX0
كما تشكل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا إحدى أكبر العقبات أمام عملية التعافي وإعادة الإعمار، إذ تؤثر بشكل مباشر على جميع القطاعات التي حددها التقرير الأممي، مما يعمّق الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، حيث تمنع هذه العقوبات جذب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى الحد من الوصول إلى الأسواق العالمية. وفي ظل هذه الظروف، يبقى تحقيق معدلات نمو مرتفعة أمرًا صعبًا ما لم تُعتمد سياسات اقتصادية قادرة على التكيف مع هذه التحديات.
تعكس السيناريوهات المقترحة في التقرير الأممي التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد السوري، وتضع حلولًا مختلفة لعملية التعافي وفقًا لمعدلات النمو الاقتصادي المتوقعة، لكنها في المقابل تكشف عن مدى تعقيد عملية التعافي وحجم التحديات المرتبطة بها، الأمر الذي يتطلب إدارة مستقرة على المستوى السوري، ودعمًا خارجيًا على المستوى الدولي.
يُظهر التقرير، بشكل عام، أن تحقيق التعافي السريع والمستدام يتطلب أكثر من مجرد النمو الاقتصادي، إذ يحتاج إلى بيئة سياسية مستقرة، وحوكمة رشيدة، واستراتيجيات تنموية متكاملة تعالج جذور الأزمة، وتعيد تأهيل القطاعات الرئيسية المتهالكة جراء سنوات الحرب، وذلك لضمان تنمية شاملة ومستدامة.