الإفراج عن صحافيين وحقوقيين في تونس.. تقدم حقيقي أم تهدئة مؤقتة؟
22 فبراير 2025
في خطوة لافتة، قرر القضاء التونسي الإفراج عن الصحفي محمد بوغلاب، المعروف بانتقاده للرئيس قيس سعيّد. بعد احتجاز استمر لنحو عام، بتهم تتعلق بالإساءة إلى موظفة حكومية عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، بموجب المرسوم 54، المثير للجدل، الذي يجرّم نشر ما يُوصف بـ"الأخبار الكاذبة" إذا كان من شأنها الإضرار بالأمن القومي أو النظام العام.
يُعتبر المرسوم 54 لعام 2022 أحد الأدوات القانونية التي استخدمتها السلطات لملاحقة الأصوات المنتقدة. وقد أثار هذا المرسوم انتقادات دولية، حيث اعتبرته منظمات حقوقية وسيلة لقمع حرية التعبير وتكميم الأفواه.
كان اعتقال بوغلاب قد أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والصحفية، محليًا ودوليًا، حيث اعتُبر مثالًا واضحًا على تزايد استهداف الصحفيين في ظل حكم الرئيس قيس سعيّد
وقد أصبح المرسوم 54 سلاحًا أساسيًا في يد السلطة لاستهداف المعارضين. وبموجب هذا القانون، تم سجن العديد من الصحفيين والنشطاء والسياسيين، ومن أبرزهم، المحامية والناشطة الإعلامية سنية الدهماني، التي حُكم عليها بالسجن لمدة عامين في تشرين الثاني/أكتوبر 2024، بمقتضى المرسوم 54، بسبب انتقاداتها للسلطة. والصحفيان البارزان مراد الزغيدي وبرهان بسيس، صحفيان بارزان، اللذين حُكم عليهما بالسجن لمدة عام لكل منهما بسبب آرائهما المعارضة.
وكان اعتقال بوغلاب قد أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الحقوقية والصحفية، محليًا ودوليًا، حيث اعتُبر مثالًا واضحًا على تزايد استهداف الصحفيين في ظل حكم الرئيس قيس سعيّد. ورغم الإفراج عنه، فقد تم منعه من السفر وتأجيل النظر في قضيته إلى غاية 21 نيسان/أبريل المقبل.
العفو الدولية: "ندعو الدولة التونسية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للإفراج عن سهام بن سدرين وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لها.." التفاصيل👇#تونس #Tunisiahttps://t.co/4KlXkapXHP pic.twitter.com/8j9WulIRcj
— Ultra Tunisia الترا تونس (@ultra_tunisia) January 24, 2025
تزامن هذا الإفراج مع إطلاق سراح شخصيات أخرى، مثل الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، مع منع من السفر، والوزير السابق رياض المؤخر.
إدانة دولية وضغوط متزايدة
تأتي هذه التطورات بعد دعوة مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان السلطات التونسية إلى وضع حد لما وصفتها بأنماط الاعتقال والاحتجاز التعسفي والسجن، التي يتعرض لها العشرات من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والصحفيين والنشطاء والسياسيين.
فقد دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، السلطات التونسية إلى وقف الاعتقالات والاحتجازات التعسفية التي طالت حقوقيين ومحامين وصحفيين وسياسيين.
وهذا ما يطرح تساؤلات حول دوافع القرار وما إذا كان يعكس تغييرًا حقيقيًا في موقف السلطة تجاه حرية الصحافة، أو مجرد خطوة تهدف إلى تخفيف الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة.
محام: يقع تتبّع محمد بوغلاب في هذا الملف، من أجل تهم على معنى المرسوم عدد 54.. معطيات أوفر 👇#تونس #Tunisiahttps://t.co/J9V8xlaHov pic.twitter.com/h8TEb0s8Ow
— Ultra Tunisia الترا تونس (@ultra_tunisia) February 12, 2025
إضافة إلى ذلك، تواجه تونس ضغوطًا من الاتحاد الأوروبي، الذي عبّر عن قلقه العميق بشأن تصاعد القمع. وكانت بروكسل قد لوّحت سابقًا بفرض عقوبات على تونس، في حال استمرار التراجع الديمقراطي وانتهاكات حقوق الإنسان.
دوافع السلطة للإفراج عن بوغلاب
على الصعيد الداخلي، تواجه تونس أزمة سياسية واقتصادية خانقة، أدت إلى تفاقم معدلات الفقر والبطالة، كما تصاعدت الاحتجاجات الاجتماعية، ما دفع السلطة إلى محاولة تهدئة الأوضاع.
وفي هذا السياق، يرى متابعون للشأن التونسي أن الخطوة تكتيكية تهدف إلى امتصاص الضغط الدولي والمحلي، دون أن يُترجم ذلك إلى تغيير جوهري في مجال الحريات. إذ لا يزال الصحفيون والحقوقيون يواجهون قيودًا صارمة، ولا تزال المحاكمات مستمرة، كما لم يتم التراجع عن المرسوم 54، الذي يشكل أساس المشكلة.
شبكة الحقوق والحريات: "نندد بنقل عبير موسي إلى سجن بيلي بنابل وهي في حالة صحية حرجة ونعتبر ذلك شكلًا آخر من أشكال التنكيل بالسجينات وبعائلاتهن".. المزيد هنا👈https://t.co/elcJce5Bpj#تونس #Tunisia pic.twitter.com/pJ806JIdv7
— Ultra Tunisia الترا تونس (@ultra_tunisia) February 18, 2025
مستقبل حرية الصحافة في تونس: هل هناك أمل؟
في الوقت نفسه، يُظهر الواقع أن الصحفيين والنشطاء في تونس أصبحوا أكثر جرأة في مواجهة القمع، مما يعكس صمود المجتمع المدني في الدفاع عن الحريات الأساسية. ومع استمرار الضغوط الدولية والمحلية، قد تجد السلطة نفسها مضطرة إلى تقديم تنازلات حقيقية، لكن يبقى ذلك رهنًا بتطورات المشهد السياسي خلال الأشهر المقبلة.
موجه الإفراجات الأخيرة تعد تطورًا مهمًا، لكنه لا يُغير حقيقة أن تونس تمر بأزمة حريات غير مسبوقة منذ العام 2011. ما لم تُلغَ القوانين القمعية، وما لم يُعاد بناء المؤسسات الديمقراطية على أسس سليمة، فإن حرية الصحافة ستظل في خطر، وستظل تونس تحت مجهر المجتمع الدولي، الذي يراقب عن كثب تطورات الأوضاع في البلاد.