الترحيل القسري بالطائرات العسكرية.. سياسة ترامب ضد المهاجرين غير النظامين
29 يناير 2025
بدأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تنفيذ عمليات ترحيل جماعية للمهاجرين غير نظاميين باستخدام طائرات عسكرية، ما أثار موجة واسعة من الجدل، سواء داخل الولايات المتحدة أو في دول أميركا اللاتينية التي تعد الوجهة الرئيسية للمرحلين.
هذه السياسة، التي تهدف إلى تسريع عمليات الترحيل وتعزيز السيطرة على ملف الهجرة، تواجه انتقادات حادة من قبل منظمات حقوق الإنسان، إلى جانب توترات دبلوماسية متزايدة مع دول المنطقة.
أثار استخدام الطائرات العسكرية في عمليات الترحيل قلقًا واسعًا في أميركا اللاتينية، حيث أن هبوط طائرات سلاح الجو الأميركي في المطارات الإقليمية يثير ذكريات التدخلات العسكرية الأميركية السابقة في دول المنطقة
ترحيلات سريعة تثير الذعر بين المهاجرين
في الأيام الأولى من الولاية الثانية للرئيس ترامب، أصدرت وزارة الأمن الداخلي بيانًا أفادت فيه بأنه تم ترحيل حوالي 7300 مهاجر غير نظامي من جنسيات مختلفة خلال أسبوع واحد فقط، مما يعكس نهجًا صارمًا في التعامل مع الهجرة غير النظامية.
إحدى المرحّلات، مارغريتا رايموندو، وصلت إلى مطار غواتيمالا سيتي على متن طائرة شحن تابعة لسلاح الجو الأميركي، بعد أقل من 72 ساعة من إلقاء القبض عليها بالقرب من أحد الطرق السريعة داخل الولايات المتحدة. تحدثت رايموندو، البالغة من العمر 21 عامًا، إلى وكالة "أسوشيتد برس" عن تجربتها قائلة: "كان الأمر صادمًا... لم أكن أتخيل أنني سأعود بهذه السرعة. بالكاد استوعبت ما حدث، والآن عليّ مواجهة واقعًا أكثر قسوة".
بدأت التناقضات تظهر بين مكوّنات ائتلاف #ترامب الذي أوصله إلى سدة الحكم في الانتخابات نتيجة قضايا عديدة أبرزها الهجرة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 6, 2025
اقرأ المزيد: https://t.co/8vY2NpI6VL pic.twitter.com/ZBy84o9iTH
وأوضحت رايموندو أنها دفعت 25 ألف دولار لمهربين لقاء إيصالها إلى الولايات المتحدة، وهو مبلغ كبير استدانته عائلتها من قرويين محليين، مما يجعلها الآن تواجه ديونًا لا تستطيع سدادها بعد ترحيلها المفاجئ.
من جانبها، كانت ليزلي راميريز، وهي أم عزباء تبلغ من العمر 35 عامًا، على متن نفس الطائرة. قالت: إنها "تعرضت لمعاملة مهينة خلال الرحلة الجوية، حيث كانت مقيدة بالأصفاد طوال الوقت، مما جعل من الصعب عليها تناول الطعام الذي قدمه لها الطاقم. وأوضحت: "نحن بشر، لسنا مجرمين. لقد جئنا للعمل والبحث عن حياة كريمة، لكنهم تعاملوا معنا وكأننا خطر أمني."
القلق من استخدام الطائرات العسكرية
أثار استخدام الطائرات العسكرية في عمليات الترحيل قلقًا واسعًا في أميركا اللاتينية، حيث أن هبوط طائرات سلاح الجو الأميركي في المطارات الإقليمية يثير ذكريات التدخلات العسكرية الأميركية السابقة في دول المنطقة.
في كولومبيا، رفض الرئيس غوستافو بيترو السماح لطائرتين عسكريتين أميركيتين تحملان مهاجرين كولومبيين بالهبوط في مطار البلاد، ما أدى إلى تصاعد التوترات الدبلوماسية بين البلدين. في نهاية المطاف، وبعد تهديدات من الرئيس ترامب بفرض تعريفات جمركية على الصادرات الكولومبية، تم التوصل إلى حل وسط حيث أرسلت كولومبيا طائرتين تابعتين لسلاحها الجوي إلى الولايات المتحدة لنقل المرحّلين. هذا القرار جاء بعد مفاوضات دبلوماسية مكثفة، في خطوة أظهرت مدى حساسية هذا الملف.
على الجانب الآخر، أكدت المكسيك، التي استقبلت أربع رحلات جوية تحمل مهاجرين مرحّلين في الأيام الأخيرة، أن جميع الطائرات التي هبطت في مطاراتها كانت مدنية، في محاولة لاحتواء الجدل الدائر حول استخدام الطائرات العسكرية.
أما في غواتيمالا، فلم تعترض الحكومة رسميًا على عمليات الترحيل، لكنها أكدت على ضرورة الالتزام بمعايير حقوق الإنسان في التعامل مع المرحّلين. قال مدير معهد الهجرة الغواتيمالي، دانيلو ريفيرا: "لا يمكننا رفض استقبال مواطنينا، فمن واجبنا القانوني أن نستقبلهم. ومع ذلك، يجب أن يتم ذلك بطريقة تحترم حقوق الإنسان وكرامة الأفراد."
انتقادات حقوقية للممارسات الأميركية
أدانت منظمات حقوق الإنسان، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، الطريقة التي تُنفذ بها هذه الترحيلات. وأشار عضو ائتلاف "التقارب لحقوق الإنسان" في غواتيمالا، خورخي سانتوس، إلى أن عمليات الترحيل يجب أن تتم تحت إشراف مدني، دون تدخل عسكري. وقال: "استخدام الطائرات العسكرية في هذه العمليات يبعث برسائل خطيرة. ينبغي أن تُدار هذه القضايا من قبل سلطات مدنية، وليس من خلال استعراض للقوة العسكرية".
أدانت منظمات حقوق الإنسان، وعلى رأسها العفو الدولية و"هيومن رايتس ووتش"، الطريقة التي تُنفذ بها هذه الترحيلات. وأشار عضو ائتلاف "التقارب لحقوق الإنسان" في غواتيمالا، خورخي سانتوس، إلى أن عمليات الترحيل يجب أن تتم تحت إشراف مدني، دون تدخل عسكري
ببناء ملاجئ مؤقتة.. #المكسيك تتأهب لعمليات ترحيل جماعي من #الولايات_المتحدة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 23, 2025
اقرأ أكثر في التقرير: https://t.co/SyPxyoZcqK pic.twitter.com/qI6YlMfTbx
كما انتقد الممارسات المهينة التي يتعرض لها المرحّلون، لا سيما مسألة تقييدهم بالأصفاد خلال الرحلة. أوضح سانتوس أن هذه الممارسة غير ضرورية وتشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن المهاجرين الذين تم احتجازهم ليسوا مجرمين خطرين ليتم التعامل معهم بهذه الطريقة.
في المقابل، دافعت إدارة ترامب عن هذه الإجراءات، مؤكدة أنها ضرورية للحفاظ على الأمن القومي ومنع تكرار محاولات الدخول غير القانوني. قال مسؤول في وزارة الأمن الداخلي: "نحن نرسل رسالة واضحة: الهجرة غير الشرعية لن تكون سهلة بعد الآن. سيتم ترحيل المخالفين على الفور، ولن يكون هناك أي تساهل."
إصرار المهاجرين على المحاولة مجددًا
رغم الصعوبات والمخاطر، لا تزال بعض العائلات تفكر في محاولة الهجرة مرة أخرى. تقول مارغريتا رايموندو، التي عادت إلى غواتيمالا وهي محبطة ولكنها غير مستسلمة: "لدي فرصة أخرى وسأحاول مجددًا. لا خيار لي، فالحياة هنا قاسية، وأريد فقط مساعدة والدي على العيش بكرامة."
على الرغم من أن الولايات المتحدة تشدد إجراءاتها الحدودية، فإن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تدفع الناس للهجرة لا تزال قائمة، مما يجعل من الصعب وقف هذه الظاهرة تمامًا
تشير "أسوشيتد برس"، إلى أن هذه الكلمات تعكس واقعًا أوسع لموجات الهجرة التي تدفع آلاف الأشخاص سنويًا للمخاطرة بحياتهم بحثًا عن مستقبل أفضل. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تشدد إجراءاتها الحدودية، فإن الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تدفع الناس للهجرة لا تزال قائمة، مما يجعل من الصعب وقف هذه الظاهرة تمامًا.
ومع تصاعد الجدل حول هذه السياسة، يبقى التساؤل مفتوحًا حول ما إذا كانت هذه الإجراءات ستنجح في ردع المهاجرين أم أنها ستؤدي فقط إلى زيادة الإحباط لدى البعض وتعزيز العزيمة لدى آخرين على المحاولة مرة أخرى، مهما كانت المخاطر.