التظاهرة الثالثة في بيروت.. مين ما طلعلوا سندويشة؟
10 سبتمبر 2015
يمكن للعابر في شارع المصارف في وسط بيروت، خلال التحضيرات للتظاهرة وأثناء التظاهرة، أن يرصد الشقاء البادي في عيني عنصر أمن ثلاثيني، ما انفك ينادي بين زملائه بلكنة طرابلسية محببة "مين ما طلعلوا سندويشة؟". فالمهمة الشاقة، إلى جانب حراسة المداخل البحرية المؤدية إلى ساحة النجمة حيث تعقد جلسة الحوار، تستدعي توزيع الحصص على ما يقارب 200 عنصر من قوى الأمن في غضون دقائق... وإلا غضب منه "ملك الطاووق"؛ الراعي الرسمي للاستنفار الأمني.
لكنه ما إن يتنبه إلى وجود متظاهر في الأرجاء، حتى تراه يعود خائبًا نحو الأكياس المعبأة بـ"الكوكاكولا". يلقي نظرة أخيرة على ساعة يده قبل أن يطلق نحو السماء تنهيدة صداها لا ينتهي. لم يمر اليوم سهلًا على قوى الأمن الداخلي وعناصر "الفهود" (هذا هو اسمهم)، خصوصًا بعد مرور عشرين يومًا متواصلًا من تبادل الدجاج والثوم... والتأهب.
التظاهرات أعادت الحياة إلى المدينة الخائبة
تعليمات وزير الداخلية نهاد المشنوق كانت واضحة: لا تطلقوا النار على المتظاهرين (ولا تكثروا من أكل الثوم، ربما). وإن كان للتأهب من معنى، فهو بالتأكيد يتجلى في سحنة عنصر الدرك، الذي وقف ليحرس المنفذ الوحيد المؤدي إلى ساحة الشهداء من الجهة البحرية، وعصاه الغليظة. في مخيلته السيناريو ضخم: المدينة بأسرها خاضعة، والعصا لفرض "هيبة الدولة". وبين الغمز والايماء إلى الآلة المتأرجحة بين يديه، يشعر الناظر في وجهه أنه في مشهد من فيلم. مشهد، في غالب الظن، لن ينتهي بودّ او ساندويش طاووق... "ثوم زيادة".
"حرامة حرامية". يعلو صخب الهتافات في ساحة الشهداء على وقع الطبول. ورغم كآبة السماء نتيجة العاصفة الرملية التي واكبت الحدث، صنف البعض الأمر على أنه غضب إلهي؛ مشاركة من الله في ساعة حساب. هكذا عادت الحياة إلى المدينة الخائبة. وباتجاه وزارة البيئة جال شبان وشابات وهم يقرعون مستوعبات فارغة ثبتوها بحبال في أعناقهم. ناقوص خطر يقرع في آذانٍ صماء. طرقات لم توقظ المتحاورين منذ سنوات في مجلس النواب، لكنها حرضت مناصرا مخضرما لرئيسه، جال بين المتظاهرين بالقرب من مبنى الفيرجين ميغاستورز، وقرر أن يضرب كل من جاء على زج اسم "القائد" في لائحة الفاسدين. "من السنيورة لبري، الفاسدين هني هني"، انطلقت الحناجر وكأن شيئًا لم يكن.
الحراك مستمر. "حتى لو جاء بري ليدافع عن المغمور شخصيًا". وبرأي الحاضرين، المعادلة واضحة: "كلن يعني كلن"، وجلسة الجوار، بحسب أحد المعتصمين، "كان ينقصها لوز وبيرة" ليكتمل المشهد. والقضية بالنسبة إلى من آمن ولم يزل بالحراك، لم تعد تقتصر على النفايات والكهرباء وما إلى هنالك من أزمات اجتماعية، المسألة تتعلق بحقوق وأملاك عامة مسلوبة منذ عام 1991. القضية تتعلق بـ"السيستم" الذي نشأ في عهد الحريري الأب، والذي مهد لبناء نظام اسمه "سوليدير"، مزق ذاكرة البلاد وقضى على هوية المدينة. وفي المحصلة، ثمة طاقم سياسي من العهد نفسه مازال متربصاً بطاولة حوار، أقسى ما يمكن أن يصدر عنها سجال عنيف بين ميشال عون وفؤاد السنيورة. سجال لا مفر من إنهائه إلا بسؤال واحد: مين ما طلعلوا سندويشة؟