الحضارة اليونانية الإغريقية وأهم ما يميزها

خضراء، أرضُ قصيدتي خضراءُ يحملُها الغنائيّون من زَمَنٍ إلى زَمَنٍ كما هِيَ في خُصُوبتها

ولي منها: تأمُّلُ نَرْجسٍ في ماء صُورَتِهِ ولي منها وُضُوحُ الظلِّ في المترادفات ودقَّةُ المعنى

بهذه المقاطع يقتبس محمود درويش أسطورة نرجس الإغريقية، ويحولها إلى رمز يحمل معناه الخاص في جداريته التي أبدع فيها. ولم تكن هذه الأسطورة الوحيدة التي استمدها من الأساطير اليونانية، فقد استحضر كذلك أسطورة الحب بين أدونيس وحزن أفروديت حبيبته عليه، ونمو زهر شقائق النعمان من دمائها حين سارت حافية على الأرض التي مات فيها حبيبها، وليس درويش هو الشاعر الوحيد الذي يستعير الأساطير في أشعاره، فالشعراء جلّهم، اقتبسوا من موسوعة الأساطير اليونانية وآلهتهم ما يناسبهم من الحكمة أو الحكايا أو المنظور الفلسفي للحياة وصراعاتها. وبهذا يمكن أن نقول بضمير مرتاح إن الحضارة اليونانية الإغريقية بكل جوانبها قد شكلت أساسًا معرفيًا وإلهامًا منقطع النظير على الشعوب والحضارات التي احتكت بها وتزامنت معها أو تلك التي لحقت بها. وفي المقال نبذة عن تاريخ الحضارة اليونانية الإغريقية.

من أبرز القادة العسكريين اليونانيين القائد الإسكندر الأكبر الذي كان السبب الرئيس في توسع رقعة البلاد

تاريخ الحضارة اليونانية

تعود أصول تاريخ الحضارة اليونانية إلى القرن الـ 8 قبل الميلاد، وهي واحدة من أعظم الحضارات التي تركت أثرًا كبيرًا على ما لحقها من الحضارات ولعل أبرزها الحضارة الرومانية.

تشير الروايات التاريخية إلى أن أصول اليونانيين تعود إلى شبه جزيرة البلقان، حيث هاجروا منها إلى أثينا وأقاموا حضارة تجذرت في التاريخ لما تميزت به من تطور على كافة الأصعدة السياسية والعسكرية والعلمية والعلوم الإنسانية وعلى رأسها بطبيعة الحال الفلسفة.

• التاريخ السياسي

لعل السؤال عن الحقيقة وماهيتها وقدرة البشر على امتلاكها أو حيلولة البشر دون ذلك، هذا السؤال الذي أرق الفيلسوف اليوناني سقراط وعاش ومات في سبيل إجابته يظل بظله سبب التشتت السياسي الذي ساد البلاد لفترة طويلة من الزمن، لهذا لم يستقر اليونانيون على حاكم ولا حتى على طريقة حكم واضحة، مما سبب اضطرابات سياسية كثيرة وزعزعة دائمة للأمن في البلاد، ومن أبرز القادة العسكريين اليونانيين القائد الإسكندر الأكبر الذي كان السبب الرئيس في توسع رقعة البلاد في ذلك الوقت. وقد اشتهرت في اليونان 4 وسائل للحكم هي:

1. الديمقراطية - حكم مواطني المدينة.
2. الملكية - حكم الفرد الذي ورث السلطة.
3. الأوليغارشية - حكم مجموعة مختارة من الأفراد الأقوياء أو الأثرياء.
4. الطغيان - حكم الفرد الذي استولى على السلطة بالقوة.

وتجدر الإشارة إلى أن أصول كلمة ديمقراطية المشهورة تعود في أصلها للحضارة اليونانية، حيث كان يعقد شهريًا مجلس من الشعب يناقش فيه سياسة الدولة وبعض الشؤون العامة، وقد سمح لأي "ذكر" يزيد عمره عن 18 عام بالإدلاء برأيه في المجلس. فيما انقسمت اليونان إلى 4 مدن رئيسية كبرى هي: أثينا وإسبرطة وطيبة وكورنثوس.

• العلوم والفلسفة

الفلسفة يونانية! واليونان أرض الحكمة وبلاد الفلاسفة ورأس حربتها كان سقراط ثم تلميذه أفلاطون ومن بعده أرسطو، على أن أولهم كان طاليس، وكانت النقطة الارتكازية الأولى في الفلسفة هي إعمال العقل والتفكير بشكل غير اعتيادي والخوض في الحديث عن المسائل الوجودية التي يغلب على البشر طابع إهمالها، وكما هو الحال في كل العصور والأزمنة من محاربة كل فكر جديد؛ فقد حورب الفلاسفة في ذلك الوقت واتهموا بزعزعة الأمن في الدولة فيما كان سقراط الفيلسوف كبش فدائها.

أما في مجال العلوم فقد برع اليونانيون فيها وأبدعوا إبداعًا كبيرًا، فقد قدم اليونانيون مساهمات كبيرة في الرياضيات والهندسة، وحتى يومنا الحاضر ما زلنا ندين لهم بأفكارنا الأساسية حول الهندسة ومفهوم البراهين الرياضية والتي وضعها علماء الرياضيات في ذلك الوقت وأبرزهم: فيثاغورس وأرخميدس وإقليدس.

أما في الفلك فقد طور اليونانيون القدماء العديد من الوسائل التي تمكنهم من رصد السماء وحركة النجوم ومحور الأرض ونظام مركزية الشمس، ولهم يعود فضل التنبؤ بكسوف الشمس الذي اعتُمد عليه لاحقًا في تتبع أثره والتنبؤ بحدوثه.

وفي الطب، يعتبر أبقراط اليوناني الطبيب الأشهر في العصور القديمة حيث أسس مدرسة طبية، وكتب في الطب العديد من الرسائل، ويُنسب إليه الفضل في كونه مؤسس الطب الحديث بسبب أبحاثه المنهجية والتجريبية في الأمراض والعلاجات، والآن هناك قَسَمٌ خاص سمي قَسَم أبقراط، يؤديه الأطباء قبل مزاولة مهنتهم، وقد نسب إليه تقديرًا لجهوده المبذولة في هذا المجال وتفانيه من أجلها.

الموسيقا موجودة حاضرة بقوة ومتطورة في المجتمع اليوناني في مناسبات مختلفة كالزواج والجنائز وحتى الاحتفالات الدينية

• المسرح والأدب والموسيقا

يشتهر اليونانيون بفرادتهم في الإبداع المسرحي والأدبي الذي أثرى الحضارة الرومانية ومن بعدها كل الحضارات الغربية والعربية وصولًا إلى يومنا الحاضر، ومن أشهر الكتاب المسرحيين في اليونان سوفوكليس وأرستوفانيس.

اعتمد المسرح اليوناني في بداية نشأته على التراجيديا في الدراما المقدمة، وغالبًا ما كانت تقدم في المهرجانات الدينية، لاحقًا انتشرت المسرحيات الكوميدية فيما انتشر المسرح في شتى أرجاء مدن البحر المتوسط في ذلك الوقت وتناوب عليه العديد من فئات الشعب المختلفة.

تعدى الأمر لاحقًا لأنماط جديدة في الدراما المقدمة على المسرح ومنها السخرية والتي تبلورت في مسرحية أوديب ملكًا للكاتب اليوناني سوفوكليس، وما زالت الثقافة اليونانية ملهمة للعديد من الأدباء المسرحيين في العصر الحديث ومنهم منصور الرحباني صاحب مسرحية "آخر أيام سقراط"، وهي مسرحية تاريخية تتناول التاريخ السياسي والفكر الفلسفي الذي عاصر سقراط.

كما طور اليونانيون الأبجدية الفينيقية ومن ثم استحدثوا الأبجدية اليونانية، ومن هنا بدأ ترسيخ الأفكار الفلسفية العميقة وصياغتها تبعتها الأعمال الأدبية ومن أهم إنجازاتها الفريدة قصائد ملحمتي الإلياذة والأوديسة للكاتب هوميروس، وقد جُمعتا في العام 670 قبل الميلاد.

أما في المجال الموسيقي فلقد كانت الموسيقا موجودة حاضرة بقوة ومتطورة في المجتمع اليوناني في مناسبات مختلفة كالزواج والجنائز وحتى الاحتفالات الدينية، والمسرح، والموسيقا الشعبية، وتلاوة الشعر الملحمي. كما أن هناك أجزاء كبيرة من الترميز الموسيقي يعود لأصل يوناني، بالإضافة إلى أن هناك العديد من الإشارات الأدبية إلى الموسيقا اليونانية القديمة، فقد صور الفن اليوناني الآلات الموسيقية والرقص. كلمة الموسيقا مشتقة من اسم ميوزات (Muses) وهن بنات زيوس إلهات الموسيقا في الإرث اليوناني.

• الهندسة المعمارية والنحت

أما في النحت فتجدر الإشارة هنا إلى أن اليونانيين قد استلهموا النحت اليوناني من 800 إلى 300 قبل الميلاد من الفن الضخم في مصر والشرق الأدنى، ثم تطور على مر القرون إلى رؤية يونانية فريدة لهذا النوع الفني المميز حيث صوروا الأشكال البشرية بطريقة جديدة ومبتكرة واهتموا كثيرًا بالتناسب والاتزان والكمال المثالي للجسم البشري. في الحضارات اللاحقة أصبحت المنحوتات اليونانية المصنوعة من الحجر والبرونز من أكثر القطع الفنية شهرة على الإطلاق في تاريخ الحضارات كلها.

أما في العمارة فيعد التطور الذي أبداه اليونانيون على عمارتهم المستقاة من المشرق أكثر الأمور إبداعًا وتميزًا، حيث لم يكتفوا بنقل الحضرية المعمارية إلى بلادهم بل صبغوها بصبغة يونانية فريدة.

• الاقتصاد اليوناني

اعتاد اليونانيون في نشاطاتهم الاقتصادية على البحر بالدرجة الأولى، لقبوا بملوك البحر، حيث كانت شواطئ سوريا ومصر وغيرها مرتعًا لسفنهم طوال الوقت وبشكل يومي مما ساهم في وصول الحضارة اليونانية إلى شتى بقاع الأرض.

على أنه ومع نشأة الحضارة اليونانية كانت هي مصدر القوة الحقيقي للاقتصاد اليوناني، فقد كانت أرض اليونان أرضًا خصبة، لذا طوروا الوسائل الزراعية والأدوات الخاصة بها واهتموا بمحاصيلهم بشكل مثير للدهشة. 

حضارة انبثقت وازدهرت ثم أفلت قبل مئات الأعوام، ما يزال تأثيرها ممتدًا في حياة البشر حتى اللحظة، فبالإضافة إلى ما سبق من إنجازات حضارية إغريقية في مناحي الحياة، يجدر الحديث عن أن تأثير هذه الحضارة امتد حتى حركة المصافحة التي يمارسها معظم الناس الآن بعفوية دون التساؤل حول أصل هذه الحركة، التي اتخذت كعادة مستمدة من أساطير الآلهة اليونانية إذ كانت تعبيرًا عن السلم وإعطاء الأمن للشخص الآخر. كما أن الرياضات الأولمبية تأسست في أولمبيا مدينة آلهة اليونان، وكذلك سباق الماراثون إنما نشأ من هذه الحضارة. وغير ذلك الكثير مما ينسب الفضل فيه إلى اليونانيين القدماء، كاختراع أول ساعة منبه بحيث تسقط الحصى على جرس بترتيب زمني محدد، أو صناعة المظلات لتقيهم من الأمطار من الخشب وعظام الحيوانات.. وغيرها الكثير. وهذه نبذة توضح كيف أن هذه الحضارة تركت أثرًا عظيمًا على حياتنا لا يمكن إنكاره أو تجاهله.