الحكومة السورية الجديدة.. بين الخطاب الرسمي المتفائل والواقع المعقد
1 ابريل 2025
بعد ترقب طويل، أعلنت رئاسة الجمهورية العربية السورية تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة، في خطوة قالت إنها نقطة تحول في مسار البلاد. الرئيس أحمد الشرع، في كلمته الأولى، أكد أن حكومته ستضع الأسس لسوريا جديدة، "أكثر انفتاحًا، وأكثر عدالة"، متعهدًا بأن تكون هذه الحكومة معبرة عن جميع السوريين. لكن بين الخطاب السياسي والواقع، يبدو أن التحديات التي تنتظر هذه الحكومة أعمق من مجرد تبديل وجوه أو إعادة ترتيب المشهد الإداري، بحسب سلسلة تقارير نشرها موقع "الترا سوريا".
تتألف الحكومة من 23 وزيرًا، بينهم 20 وزيرًا جديدًا، وهو ما قد يُقرأ كإشارة إلى نية إحداث تغيير فعلي، لكنه في الوقت نفسه يعكس استمرار محاصصة التيارات السياسية المختلفة، بوجود شخصيات محسوبة على هيئة تحرير الشام التي ما زالت تهيمن على الوزارات السيادية مثل الخارجية والدفاع والداخلية والعدل، وأخرى على حكومة الإنقاذ كوزارة الطاقة، فيما حمل آخرون الطابع التكنوقراطي كوزارات الاقتصاد والمالية والتعليم العالي والصحة والتربية، وتولى منتمون إلى المجتمع المدني وزارات الشؤون الاجتماعية والعمل والإعلام والكوارث والطوارئ.
وفيما يبدو ذلك كمحاولة واضحة لمنح الحكومة طابعًا عمليًا بعيدًا عن الاصطفافات التقليدية، لم يخلُ التشكيل من انتقادات واسعة، سواء من حيث آلية اختيار الوزراء، أو من حيث غياب بعض القوى الفاعلة في المشهد السياسي السوري عن التشكيلة، ما جعل الحكومة تبدو وكأنها استمرار لنهج الإقصاء بدلًا من أن تكون تمثيلًا حقيقيًا لكل السوريين.
حكومة متنوعة أم استمرار لنهج المحاصصة؟
رغم محاولات إظهار الحكومة كمؤسسة جامعة، إلا أن تفاصيل التشكيلة تعكس استمرار الأنماط التقليدية في توزيع الحقائب. التنوع الطائفي، وإن كان حاضرًا مع علوي ودرزي ومسيحية وكردي بالإضافة إلى الوزراء الباقين من المسلمين السنة، لم يكن كافيًا لطمأنة الجميع بأن البلاد تسير باتجاه شراكة سياسية حقيقية. في المقابل، كان التمثيل الجندري أكثر إشكالية، حيث لم تحصل النساء سوى على حقيبة وزارية واحدة، في مؤشر على استمرار الإقصاء الممنهج للمرأة من مواقع صنع القرار.
تتألف الحكومة من 23 وزيرًا، بينهم 20 وزيرًا جديدًا، وهو ما قد يُقرأ كإشارة إلى نية إحداث تغيير فعلي، لكنه في الوقت نفسه يعكس استمرار محاصصة التيارات السياسية المختلفة
لم يكن هذا التشكيل بعيدًا عن انتقادات النشطاء والمحللين، الذين رأوا أن الحكومة الجديدة لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها، حيث لا تزال القوى التقليدية هي صاحبة القرار الفعلي، حتى وإن غُلف الأمر بخطابات إصلاحية. المفارقة أن هذه الحكومة جاءت في وقت كانت التوقعات تشير إلى إمكانية تحقيق انفتاح سياسي أكبر، لكن المؤشرات الأولية توحي بأن التغيير سيبقى محدودًا، ضمن أطر مرسومة سلفًا.
ملفات ثقيلة على طاولة الحكومة
الحكومة الجديدة، التي يهيمن عليها رفاق سلاح الرئيس الشرع، تواجه سلسلة من التحديات العميقة التي قد تعرقل أي محاولة لإحداث تغيير حقيقي. "البنية التحتية العامة في سوريا" هي الملف الأكثر إلحاحًا، بحسب الباحث مأمون سيد عيسى، الذي أوضح في حديثه لـ "الترا سوريا" أن البنية التحتية تعاني من تدهور كبير نتيجة الإهمال الطويل بسبب الحرب. ويُعد إصلاح البنية التحتية للكهرباء والمياه على وجه السرعة أمرًا ملحًا، بالإضافة إلى ترميم الطرق والمطارات وتوفير النفط. كما أن البنية التحتية الصحية قد تعرضت للدمار التام.
وكغيره من السوريين، ينتظر سيد عيسى من وزارة الخارجية "متابعة الإنجازات في الصعيد الخارجي. مثل تعزيز العلاقات مع الدول والعمل على تخفيف العقوبات وتسريع تطبيق الاتفاق مع قسد"، لكنه يرى أن التحديات التي تواجه الحكومة الحالية هي أكبر من أن يحلها وزراء في الحكومة الجديدة مهما كانت مؤهلاتهم، إذ "لدينا العقوبات الدولية التي تعتبر التحدي الأكبر الذي يعيق جذب الاستثمارات وإعادة الإعمار وعودة النازحين، ولدينا الدمار الاقتصادي الذي خلفته الحرب وانتشار الفقر بشكل كبير".
يرى سيد عيسى أن هناك حاجة ماسة لتقديم المساعدة العاجلة لأكثر من 6 ملايين نازح و2 مليون مقيم في المخيمات أو العائدين من شمال سوريا إلى مناطقهم، في مجالات المياه والغذاء والأدوية وإعمار بيوتهم، مع 12 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية، مذكرًا بأن "تكلفة الحرب في سوريا تقدر بأكثر من 500 مليار دولار"، وإضافة إلى ذلك هناك التحدي الأمني، ذلك أن مناطق عديدة لا تزال خارج سيطرة الدولة، والحالة الفصائلية لا تزال سائدة ما يجعل البلاد تعيش في ظل تهديد دائم وحالة أمنية هشة.
الكاتب السياسي، سليمان الشمر، لفت إلى أن تحقيق الأمن والاستقرار هو أولوية، وأضاف أن: "هذا هام ويلتقي مع مطالب الدول المعنية بالملف السوري".وأضاف كان "يعول على تشكيلة الحكومة الجديدة أن تجعلها مؤهلة للتصدي لكل الملفات الثقيلة، كان هناك حاجة لأن يغلب عليها الساسة أكثر من التكنوقراط، فسوريا بحاجة إلى إدارة علاقات دؤوبة وفعالة لتأمين أكبر تعاون دولي للمساعدة في إعادة الإعمار والحفاظ على الاستقرار، إضافةً إلى عمل داخلي يعيد اللحمة الوطنية التي زادها الصراع تمزقًا، وكذلك الهموم المعيشية للفقراء الذين طحنتهم الحرب ويمثلون 90% من الشعب السوري".
📌 أثار بدء تصوير مسلسل "قيصر" في #سوريا جدلًا واسعًا بسبب توقيته واختيار فريق العمل، خاصة مع تصويره داخل سجون حقيقية شهدت انتهاكات.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 1, 2025
📌 غير أن هذا الأمر يرقى إلى العبث بأدلة تثبت وقوع انتهاكات ممنهجة داخل سجون الأسد، ما يضعنا أمام نقاش جاد حول أخلاقيات الإنتاج الدرامي في سوريا… pic.twitter.com/MG0CuByugp
أما الكاتب والأكاديمي، د. أحمد جاسم الحسين، فيعتقد أن نجاح الحكومة الجديدة في مهامها وفي الملفات التي تنتظرها منوط، أيضًا، باستجابة المجتمع الدولي والإقليمي، مرجحًا أن "ردود الأفعال دوليًا على تشكيلة الحكومة ستكون بين بين"، لكنه يرى أن "هذا حق سيادي، والمجتمع الدولي لن يرضى عنك مهما عملت، أثبت نفسك على أرضك وخذ القرارات التي تريح مواطنيك، وربما سيجدها المجتمع الدولي فرصة ليرضى عنك".
تمثيل المرأة.. استمرار الإقصاء
إذا كان تشكيل الحكومة قد حمل وعودًا بالتغيير، فإن تمثيل المرأة جاء ليؤكد أن النهج الإقصائي لا يزال حاضرًا بقوة. بحقيبة وزارية واحدة فقط كانت من نصيب هند قباوات، ونسبة تمثيل للنساء بلغت 4.35% مقابل 95.65% للذكور، بدا واضحًا أن تمكين النساء لم يكن أولوية لدى صانعي القرار، رغم كل الخطابات التي تتحدث عن العدالة والمشاركة السياسية.
هذا التمثيل الضعيف أثار ردود فعل واسعة، حيث رأى ناشطون أن الحكومة الجديدة لم تخرج عن النسق التقليدي في التعامل مع قضايا المرأة، التي لا تزال تُمنح دورًا هامشيًا في مراكز السلطة. الأمر الذي يعكس ضعفًا واضحًا في التوازن الجندري. وهو ما جدد الجدل حول مدى التزام السلطات بتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان مشاركة أوسع للمرأة في عملية صنع القرار، خاصةً في مرحلة انتقالية تتطلب جهودًا متضافرة لبناء مؤسسات أكثر شمولًا وتمثيلًا للمجتمع بمختلف مكوناته.
مخاوف التفرد بالحكم
تواجه الحكومة السورية الجديدة تحديات كبيرة تتعلق بتأثير "هيئة تحرير الشام" على مسارها السياسي، حيث تثير هذه الهيمنة مخاوف من تعزيز الطابع الإسلامي للحكومة واستبعاد القوى السياسية الأخرى. يرى بعض المحللين أن توزيع الصلاحيات داخل الحكومة، خاصة منح وزير الخارجية سلطات واسعة، قد يؤدي إلى مزيد من التمركز في الحكم. كما أن التعيينات الوزارية أثارت جدلًا، حيث تم اختيار شخصيات ذات خلفيات يرى باحثون أنها تعزز الانقسام الداخلي وتحد من قدرة الحكومة على تحقيق توافق سياسي واسع.
ورغم محاولات الشرع لاستقطاب السوريين في الخارج للمشاركة في إعادة الإعمار، فإن المخاوف من انزلاق البلاد نحو الاستبداد تعيق هذه الجهود. كما أن تعيين شخصيات غير محسوبة على "تحرير الشام"، مثل الشيخ أسامة الرفاعي، وهو ناقد سابق لـ "هيئة تحرير الشام" ولا يتبنى الفكر السلفي، قوبل بانتقادات من بعض أتباع الجماعة، مما يبرز التوترات الداخلية التي قد تعرقل عمل الحكومة وتزيد من الانقسامات.
الرفض السياسي.. بوادر تصعيد؟
لم تمر الحكومة الجديدة دون ردود فعل سياسية حادة، حيث سارعت الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا إلى إعلان رفضها لهذه التشكيلة، معتبرة أنها استمرار لنهج الإقصاء. في بيان شديد اللهجة، وصفت "قسد" الحكومة الجديدة بأنها "إعادة إنتاج للماضي"، ورأت أنها لم تقدم أي تصور جديد يمكن أن يفتح باب الحوار نحو حل شامل.
🟢 مع تراجع اهتمام اللاعبين الدوليين بقيت #سوريا وحيدةً أمام واقعها الداخلي، تواجه معركة استقلالها الثالث: إما أن تتحرّرَ من أوهام التدخل الخارجي وتستعيد قدرتها على صنع قرارها والتحكم بمصيرها، أو أن تعود مرة أخرى إلى مسار الكارثة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 21, 2025
التقرير: https://t.co/4JRrlRUcnX pic.twitter.com/X0QqKjBd5r
الإدارة الذاتية انتقدت في بيانها عدم مراعاة التنوع السوري، واعتبرت أن هذه الحكومة "لم تختلف عن سابقاتها"، إذ استمرت في إحكام السلطة بيد طرف واحد دون تمثيل حقيقي لجميع المكونات. البيان لم يكن مجرد انتقاد سياسي، بل حمل تحذيرًا واضحًا من أن تجاهل القوى الفاعلة في المشهد السوري لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة.
هذا الرفض يفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة، خاصة إذا ما انعكس التوتر السياسي على الأرض، في ظل وجود ملفات شائكة مثل السيطرة الأمنية والموارد الاقتصادية، التي تجعل من العلاقة بين الحكومة الجديدة والإدارة الذاتية أكثر حساسية.
واليوم، بين الخطاب الرسمي المتفائل والواقع المعقد، تبدو الحكومة الجديدة أمام اختبار حقيقي. هل ستكون قادرة على تقديم نموذج مختلف يعيد الأمل للسوريين، أم أنها ستكون مجرد حلقة جديدة في سلسلة من الحكومات التي لم تفعل سوى إدارة الأزمة بدلًا من حلها؟