الحليف المفضل للغرب.. ما دور رواندا في الحرب بالكونغو الديمقراطية؟
31 يناير 2025
تشهد جمهورية الكونغو الديمقراطية تصعيدًا عسكريًا خطيرًا مع استمرار تقدم متمردي حركة "M23 " المدعومين من رواندا، الذين أعلنوا سيطرتهم على مدينة غوما الإستراتيجية، الإثنين الماضي.
وعلى الرغم من الإدانات الدولية، لم تمارس القوى الغربية نفس مستوى الضغط على رواندا كما فعلت في عام 2012، عندما أجبرت العقوبات حينها المتمردين على التراجع.
يعتقد محللون أن حكومة الرئيس الرواندي بول كاغامي تهدف إلى إعادة رسم خريطة الكونغو عبر السيطرة على المناطق الغنية بالموارد، في حين لم تتجاوز ردود الفعل الغربية حد الإدانات الدبلوماسية
مع فرار مئات الآلاف من المدنيين إلى غوما هربًا من العنف المتصاعد، واصل متمردو"M23 " تقدمهم نحو المدينة، وسط تقارير تفيد بوجود 4 آلاف جندي رواندي في شرق الكونغو يدعمون الهجوم، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
ويعتقد محللون أن حكومة الرئيس الرواندي بول كاغامي تهدف إلى إعادة رسم خريطة الكونغو عبر السيطرة على المناطق الغنية بالموارد، في حين لم تتجاوز ردود الفعل الغربية حد الإدانات الدبلوماسية.
يلقى الصراع الدامي في شرق #الكونغو بين القوات الحكومية وقوات "23 مارس" المتمردة، بظلاله على أوضاع ملايين النازحين في المنطقة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) July 12, 2024
التفاصيل في التقرير: https://t.co/moRejJdTnO pic.twitter.com/vB5BPQufNx
مواقف متباينة بين الإدانة والصمت
في اتصال هاتفي مع الرئيس الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، أدان وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الهجوم على غوما وأكد احترام الولايات المتحدة لسيادة الكونغو. كما أدانت فرنسا وبريطانيا وجود القوات الرواندية في شرق الكونغو، بينما دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لأول مرة إلى انسحاب القوات الرواندية من الأراضي الكونغولية.
ومع ذلك، فإن رواندا، التي طورت علاقاتها مع القوى الغربية على مدار العقد الماضي، أصبحت "حليفًا استراتيجيًا" يصعب فرض عقوبات سريعة عليه، وفقًا لصحيفة "نيويورك تايمز". فقد وقع الاتحاد الأوروبي العام الماضي اتفاقية مع رواندا للحصول على المعادن النادرة، مما دفع منظمات حقوقية إلى اتهام الغرب بـ"تأجيج الصراع" عبر دعمه غير المباشر لرواندا.
كما تُعد رواندا ثاني أكبر مساهم في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ولعبت دورًا محوريًا في التصدي للتمرد الجهادي في موزمبيق عام 2021، حيث تستثمر شركة نفط فرنسية 20 مليار دولار في مشروع ضخم هناك.
الكونغو الديمقراطية... أزمة إنسانية متفاقمة
في المقابل، تعاني الكونغو من أزمة إنسانية خانقة، حيث أجبر ملايين المدنيين على النزوح، مع تصاعد العنف الجنسي ضد النساء كأداة للحرب. وتشير تقارير حقوقية إلى تصاعد جرائم العنف الجنسي، حيث وصلت عدد حالات الاغتصاب المسجلة العام الماضي إلى أعلى معدل في تاريخ الكونغو الديمقراطية.
الأوضاع تخرج عن السيطرة في #الكونغو_الديمقراطية.. حركة "إم-23" تسيطر على مطار #غوما ومتظاهرون يهاجمون سفارات أجنبية في العاصمة
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) January 29, 2025
تقرير: شام أبو فلاح pic.twitter.com/QTr4fm6olo
تقول سيفا كيغوغو، وهي أم لخمسة أطفال، وصلت إلى غوما بعد خمسة أيام فقط من ولادتها، لـ"نيويورك تايمز"، إنها اضطرت إلى الفرار من منزلها تحت القصف. وتضيف: "لم يكن أمامنا خيار، إما الهرب أو الموت.. تركنا كل شيء وراءنا."
وفي ظل هذه الظروف، يتساءل الدكتور دينيس موكويغي، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2018 والمعروف بعلاجه لضحايا العنف الجنسي: "إلى متى سيواصل المجتمع الدولي تجاهل المأساة الكونغولية وقبول الانتهاكات المنهجية للقانون الدولي وحقوق الإنسان؟".
وسط هذه الفوضى، تشير التقديرات إلى أن 21 مليون شخص في البلاد بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة للمساعدات الإنسانية. وقد يؤدي القرار الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مؤخرًا بتجميد معظم المساعدات الخارجية لمدة 90 يومًا إلى تفاقم الوضع. ومن الجدير بالذكر أن 68.8 % من المساعدات الإنسانية في الكونغو العام الماضي جاءت من الولايات المتحدة.
كما تعد واشنطن أكبر مانح لكيغالي، حيث منحتها 188 مليون دولار في عام 2023. ومع تعليق هذه المساعدات، قد يصبح نفوذ واشنطن على كيغالي أكثر ضعفًا، ما يتيح لرواندا مزيدًا من الحرية في توسيع نفوذها العسكري في الكونغو.
نهب الموارد المعدنية في قلب النزاع
تركز توغل حركة "M23" في المناطق المكتظة بمناجم استخراج الذهب والكولتان والقصدير والتنتالوم وغيرها من المواد الهامة والمواد الأرضية النادرة. ولطالما اتهم المسؤولون الكونغوليون ومسؤولو الأمم المتحدة رواندا باستخدام متمردي "M23" للاستيلاء على المناجم وتهريب المعادن من شرق الكونغو إلى سلاسل الإمداد الخاصة بهم.
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تستغل رواندا بشكل غير قانوني المعادن الكونغولية، حيث استولت حركة "M23" العام الماضي على منطقة روبايا الغنية بمعدن الكولتان، الذي يستخدم في صناعة الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر
وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، تستغل رواندا بشكل غير قانوني المعادن الكونغولية، حيث استولت حركة "M23" العام الماضي على منطقة روبايا الغنية بمعدن الكولتان، الذي يستخدم في صناعة الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه تم تهريب 150 طنًا من الكولتان إلى رواندا، حيث يتم دمجه مع الإنتاج المحلي لإخفاء مصدره.
وفي تصعيد قانوني، قدمت الكونغو شكاوى جنائية في فرنسا وبلجيكا ضد شركات تابعة لشركة التكنولوجيا العملاقة "أبل"، متهمةً إياها باستخدام المعادن "المنهوبة" من الدولة الواقعة في وسط أفريقيا، في منتجاتها.
محاولة انقلاب فاشلة في الكونغو الديمقراطية والجيش يحيد الزعيم ويعتقل عشرات المتواطئين ومنهم أجانب@AnaAlarabytv pic.twitter.com/mEamsCRuBs
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) May 20, 2024
مظاهرات غاضبة ضد تقاعس المجتمع الدولي
مع تصاعد حدة النزاع، خرج آلاف المتظاهرين في العاصمة كينشاسا ومدن أخرى للاحتجاج ضد رواندا والتنديد بتخاذل المجتمع الدولي عن وقف تقدم المتمردين. وقام المتظاهرون بمهاجمة عدة سفارات أجنبية ومكاتب الأمم المتحدة، في تعبير عن الغضب الشعبي من عدم اتخاذ خطوات عملية لوقف تقدم حركة "M23".
وفي مدينة بوكافو، التي يخشى سكانها أن تكون الوجهة التالية للمتمردين، اندلعت احتجاجات مماثلة ضد الصمت الدولي. وتنقل "نيويورك تايمز"، عن محللين اعتقادهم بأن حركة "M23" تهدف إلى إقامة إدارة محلية تابعة لرواندا عبر فرض الضرائب وفرض الغرامات، ويرى مراقبون أن الأزمة لن تتوقف إلا بتدخل حازم من المجتمع الدولي يضع حدًا "لانتهاكات رواندا" ودعمها للمتمردين.
هل تتحرك القوى الكبرى؟
في عام 2012، أجبر ضغط الرئيس الأميركي باراك أوباما الرئيس الرواندي بول كاغامي على وقف دعم حركة "M23"، مما أدى إلى هزيمتها. أما اليوم، فإن التحركات الدولية ما زالت خجولة، حيث أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات محدودة على بعض القادة العسكريين في رواندا والكونغو، لكنها لم تصل إلى الحد الذي يجبر رواندا على وقف تدخلها في شرق الكونغو.
ومع تعليق ألمانيا للمحادثات التنموية مع رواندا يوم الثلاثاء، يبدو أن الضغوط بدأت تتزايد. لكن هل سيتخذ الغرب خطوات أكثر جرأة، أم سيبقى متفرجًا بينما تستغل رواندا الفوضى لإحكام قبضتها على ثروات الكونغو؟، تتساءل "نيويورك تايمز".