1. ثقافة
  2. أدب

الخيّر شوّار.. يبدع "خارج مجال التغطية"

30 أغسطس 2016
الخير شوار
عبد الرزاق بوكبةعبد الرزاق بوكبة

ينتمي القاص والروائي الخيّر شوّار (1969) إلى نخبة من الساردين الجزائريين، لا يغريها أن تكون حاضرة سنويًا في "الصالون الدولي للكتاب" بإصدار جديد، وإن كان هذا خيارًا محترمًا في سياقه، فبين عام 2000 حيث أصدر مجموعته القصصية الأولى "زمن المُكاء" عن "رابطة كتاب الاختلاف"، إلى منتصف العام الجاري، حيث أصدر مجموعته القصصية الثالثة "مغلق أو خارج مجال التغطية" عن "دار الكلمة" لصاحبها القاص عبد الكريم ينّينة، لم يصدرْ إلا روايتين وبعض الكتب في الإعلام الثقافي، الذي يُعدّ من رموزه في المشهد الجزائري.

يؤكد الخيّر شوّار خياره السرديَّ المنحاز إلى جمالية البساطة، ورصد جملة التحولات الحاصلة في الحياة الجزائرية

يأتي جديد صاحب مجموعة "مات العشق بعده" (2006) ليساهم في سدّ فراغ في مجال القصّة القصيرة في الجزائر، أشرنا إليه سابقًا في تناولنا لمجموعة عبد الوهاب عيساوي "مجاز السرو"، ويؤكد خياره السرديَّ المنحاز إلى جمالية البساطة، ورصد جملة التحولات الحاصلة في الحياة الجزائرية، بعيدًا عن منطق الصحفي وأدواته، وإن كانت ظلال تجربته الإعلامية، التي بدأها قبل ثمانية عشر عامًا، تشكّل إحدى الخلفيات في بعض النصوص، بما جعلها ثمرة لعناق القصة والعمود الصحفي.

اقرأ/ أيضًا: "مونتي".. القصة الكاملة لـ"سمسار" حسني مبارك

ثلاث عشرة قصّة رصدت بلغةٍ سخية شظف اللحظة، في يوميات جزائرية/ إنسانية ينطبق عليها سؤال طرحه مراد سلماني بطل القصة الأولى "حافة الجبل" على زميله في المدرسة: "ألا تعلم أن ذلك الجبل الأزرق البعيد يسكنه الغول؟". وهو غول نجده في لحظاتنا جميعها، وينغص العيش والوقت والعمر والأنفاس والذكريات والعواطف والأحلام والنوم والصحو والخلوة والجلوة، ويجعل الحياة معركة من أجل البقاء لا من أجل المتعة.

من هنا، يطرح هذا السؤال نفسَه، علمًا أن السؤال، في مجال الأدب، لا يطرح نفسه إلا عند غياب النقد الكافي: هل هي نصوص واقعية، بغض النظر عن نوع واقعيتها؟ خاصة أن الأحداث والأفعال فيها تنسب إلى شخوص يحملون أسماء وألقابًا وصفاتٍ وذاكراتٍ وهواجسَ وأحلامًا، في أماكنَ تحمل المعطياتِ نفسَها؟ إلى درجة الإيهام بأنك تقرأ حياتك أو حياة تشبهك أو سبق لك أن قرأت/سمعت عنها.

يؤكد شوّار في هذه التجربة، شغفه بالذاكرة والخرافة والمخيال الشعبي وملامح المكان المحلي، حتى أنه استعاد في بعض المفاصل قرية "عين المعقال"، التي شكّلت الفضاءَ المكانيَّ لروايته الأولى "حروف الضباب" عام 2002، وانضمّت إلى قائمة الأماكن الجزائرية، التي رسّخها الأدب، بغضّ النظر عمّا إذا كانت موجودة فعلًا أم متخيّلة. في تقاطع جمالي شفيف بين قاموس وعوالم القرية الجزائرية وقاموس وعوالم "ألف ليلة وليلة".

من هنا، تحيلنا هذه الحساسية الجمالية بالضرورة على متون خورخي لويس بورخيس، خاصة كتابه "المرايا والمتاهات"، ليس من باب التقليد، بل من باب الاستدعاء الجمالي، والدليل أن الكاتب نفسه خصّص نصًّا لبورخيس أو "الأعمى الأرجنتيني" كما سمّاه، حمل عنوان "ملكان وثلاث متاهات"، وفيه عاد بنا إلى مقارنة بورخيس بين متاهتين، الأولى اصطناعية وضع فيها ملك جزر بابيلونيا ملكًا عربيًا، لكنه خرج منها بفضل "الحيّ الذي لا يموت"، والثانية طبيعية وضع فيها الملك العربي ملك بابيلونيا، فهلك جوعًا وعطشًا.

في "مغلق أو خارج مجال التغطية" يؤكد الخيّر شوّار شغفه بالذاكرة والخرافة والمخيال الشعبي وملامح المكان المحلي

تنحاز اللغة المستعملة في المجموعة إلى الوصف ورصد الأشياء في تحولاتها المختلفة، لكن ما أن تظهر أنثى ما في المشهد، حتى تستعير سلاسة الشعر وتحلّق في الخيال، محدثة أفقًا لغويًا مختلفًا تمامًا، مثلما حصل في قصّة "حضن لجميلة"، فكأنّ تحليقها مشروط بالتأنيث. "الوقت مطفأة للنسيان، يحمل ألوان الطيف ويمضي للمنتهى، هي تتسربل بذكريات ممزقة في كلّ موضع، مسكونة بطفولة أبدية، تقول نفسَها بكثير من الترقب العنيف والحذر الشديد".

اقرأ/ أيضًا: تاريخ اسم عُمر وأصل العُمرة

تُخرج جميلة دميتها ذاتَ الفستان الأحمر، الذي لم يتغيّر منذ سنوات، وتنفجر في وجهها: أيتها الحمقاء، لماذا هذا الصمت؟ في الحقيقة كانت تسأل نفسها في لحظة تماهٍ مع الدمية، وغياب أذن تسمعها خارج منطق المحاكمات المختلفة لأنوثتها. هذه الأذن الغائبة وجدتها شهرزاد في الملك شهريار، الذي تقول قصة "انتقام شهرزاد" إنه أراد أن يأخذ مكانها في الحكي، فلم يستطع أن يخرج عن إطار ما سمعه منها.

رصد اللحظات الحميمة والهاربة والعصية على الشهود، في حياة الأفراد والأمكنة، بما يجعل حضور الراوي العليم شرطًا من شروط تحقق الحكاية ونجاتها من العدم، هو ما يعطي لعنوان المجموعة معناه "مغلق أو خارج مجال التغطية"، وهي العبارة، التي نسمعها في مكالماتنا الهاتفية، في محاولة من الكاتب أن يجد مقامًا وسطًا لإبداع نصه، بين العالمين الخرافي والتكنولوجي المُشتركين، رغم كونهما يبدوان نقضين، في توفرهما على "هاتف" بغض النظر عن كونه عفريتًا أو آلة.

اقرأ/ أيضًا:

نكبة المكتبات الفلسطينية

جان دوست.. نسّاج الحكايا وموثّق الألم

كلمات مفتاحية

محمد الماغوط في ذكراه الـ19: خائف لا يهدأ

لقد أدخل الماغوط أسلوبًا جديدًا في الكتابة، متنقلاً بين الإيقاع الداخلي للكلمات والصور الشعرية، ليعكس بهما حالة الفوضى والتمرد على الواقع

أكثر من هوية وأبعد من أزمة.. صراعٌ لا يُحسم في "دار خولة"



تسلط رواية "دار خولة" الضوء على أزمة المثقف العربي، وتحديدًا المرأة المثقفة، في سياق سياسي واجتماعي مفكك ومتسارع

قصة الرواية: من عرش الأدب إلى هامش الشاشة

من المحتمل أن تصبح قراءة الروايات هواية نخبوية، أقرب إلى حضور حفلة موسيقى كلاسيكية أو عرض باليه

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة