السابع من أكتوبر.. كيف قادت العجرفة الاستخباراتية الإسرائيلية إلى فشل أمني؟
28 فبراير 2025
في الساعات الأولى من صباح 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، اخترقت عناصر من كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، حدود قطاع غزة، متجهة نحو غلاف غزة في هجوم واسع النطاق شمل قصفًا مكثفًا بالصواريخ، واقتحام المستوطنات، والسيطرة على قواعد عسكرية في محيط القطاع.
كانت إسرائيل، التي لطالما تغنت بتفوقها الاستخباراتي، أمام صدمة بحجم زلزال عسكري وأمني غير مسبوق، كشف عن هشاشة نظامها الأمني، وعن فشل استخباراتي يعدّ من الأكبر في تاريخها.
أشار بن كاسبيت إلى أن ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان نتيجة مباشرة "للغرور الاستخباراتي، والاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وعدم وجود فضول بحثي حقيقي داخل أجهزة الاستخبارات"
في أعقاب الهجوم، بدأت التحقيقات داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأظهرت تقارير متتالية أن ما حدث لم يكن مجرد خطأ استخباراتي عابر، بل سلسلة من الإخفاقات المتراكمة، التي بدأت منذ سنوات طويلة، حين تجاهلت إسرائيل التحذيرات المتكررة بشأن استعدادات حماس.
في مقال نشره الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت في صحيفة "معاريف" العبرية، تم تسليط الضوء على تفاصيل هذا الفشل، حيث كشف كيف أن الثقافة الاستخباراتية المتعجرفة، وإسكات الأصوات التحذيرية، والاعتقاد المفرط في التفوق التكنولوجي، أدى إلى كارثة أمنية مدوية.
قالت المستوطنة أن مقاتلي كتائب القـسـ!م "لم يريدوا قتلنا، بل تعاملوا معنا بأخلاق، وقاموا بتهدئة حالة الرعب التي كنا نعيشها".
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 15, 2023
تفاصيل أكثر عبر قناتنا في تيليغرام: https://t.co/x0aLSpw8Q7#طوفان_الأقصى pic.twitter.com/1x36wlXole
تعود جذور هذا الفشل إلى عام 2018، عندما كشفت وحدة (8200)، وهي الوحدة الاستخباراتية المسؤولة عن جمع وتحليل البيانات الإلكترونية، عن المخطط الأولي لحماس لتنفيذ هجوم واسع تحت اسم "سور أريحا" الذي عرف لاحقًا باسم "طوفان الأقصى".
التقرير الاستخباراتي الأولي وصف سيناريو يُشبه إلى حد كبير ما حدث فعليًا في 7 تشرين الأول/أكتوبر، حيث تضمن الحديث عن اختراق آلاف المقاتلين للحدود، والاستيلاء على قواعد عسكرية، وتنفيذ عمليات قتل وأسر داخل الأراضي الإسرائيلية. رغم ذلك، تعاملت شعبة البحث في الاستخبارات العسكرية "أمان" مع هذه المعلومات بتحفظ شديد، وخلصت إلى أن حماس لا تفكر في حرب مفتوحة مع إسرائيل، وهو تقدير استراتيجي اتضح فيما بعد أنه كان خاطئًا تمامًا.
ومع مرور السنوات، تكررت التحذيرات، ولكنها لم تلق آذانًا صاغية. في عام 2019، تم تقليص أهمية التقارير حول خطط حماس، وتحولت المعلومات التي جمعتها الاستخبارات إلى مجرد ملاحظة هامشية، وهذا ما ورد في الصفحة 63 من التقرير الرسمي، حول "التحقيق في الفشل الذي حدث في السابع من أكتوبر 2023 "، وهو ما يعني عمليًا إغلاق الملف والتعامل مع التهديد وكأنه غير موجود.
“عملية #طوفان_الأقصى تجري على الأرض كما هو مخطط لها في كل المحاور”.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 7, 2023
المـ.قاgمة الفلسطينية نجحت في اختراق الخط الدفاعي الإسرائيلي بالكامل، وقياداتها تصرّح: “أبناء الجزائر والمغرب والأردن ومصر وباقي الدول العربية، تحرّكوا ولبّوا النداء، انتهى زمن المراهنات ويجب كنس الاحتلال". pic.twitter.com/rjlk75VVM1
أشار بن كاسبيت في مقاله إلى أن خطة "سور أريحا" لم تصل حتى إلى مكتب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، لأنها صُنفت على أنها "رؤية مستقبلية غير قابلة للتنفيذ في الوقت الراهن".
بين عامي 2021 و2023، تراكمت المؤشرات على أن حماس لم تعد مجرد فصيل مسلح يسعى للحفاظ على سلطته في غزة، بل كانت تستعد لمعركة كبيرة. في عام 2021، خلال عملية "حارس الأسوار"، وهي التسمية الإسرائيلية لعملية "سيف القدس"، خرجت إسرائيل بإعلان نصر بعد استهداف مكثف لمواقع حماس، لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا؛ إذ أن الحركة خرجت من المعركة أكثر استعدادًا، واستفادت من المواجهة لاختبار قدراتها القتالية.
لاحقًا، رصدت الاستخبارات الإسرائيلية تدريبات مكثفة لمقاتلي النخبة داخل الأنفاق، وزيادة في وتيرة تسليح كتائب القسام، فضلًا عن لقاءات متكررة بين قادة حماس ومسؤولين من إيران وحزب الله، لكن هذه الإشارات تم تفسيرها وفق القناعة الراسخة داخل الأجهزة الأمنية بأن حماس ليست مستعدة لخوض حرب شاملة، وأن كل تحركاتها تندرج ضمن إطار "الحفاظ على التوازن القائم".
بحلول عام 2023، كانت إسرائيل قد غرقت تمامًا في ثقتها العمياء بقدرتها الاستخباراتية. ومع ذلك، فإن المعلومات التي كانت بحوزتها تشير بوضوح إلى أن حماس لا تكتفي بتعزيز قوتها الدفاعية، بل تعدّ العدة لشيء أكبر بكثير. كانت هناك تحذيرات واضحة من مجندات المراقبة في القواعد الحدودية، حيث لاحظن تحركات غير طبيعية لعناصر مسلحة قرب السياج الفاصل قبل أيام من الهجوم، لكن التحذيرات لم تؤخذ على محمل الجد، وتم التعامل معها على أنها "نشاطات روتينية".
وفي صباح 7 تشرين الأول/أكتوبر، انهار كل شيء. شنت حماس هجومها الكاسح، ونجحت في تنفيذ خطة كانت الاستخبارات الإسرائيلية تعرف بوجودها منذ سنوات، لكنها قررت تجاهلها.
دخل أكثر من 3 آلاف مقاتل إلى المستوطنات الإسرائيلية، بينما أُطلقت آلاف الصواريخ لتشتيت الجيش الإسرائيلي. كشفت التحقيقات اللاحقة أن الجيش لم يكن مستعدًا لمثل هذا السيناريو، حيث لم تكن هناك خطة طوارئ واضحة للتعامل مع اختراق بهذا الحجم.
أسلحة فاجأت الاحتلال الإسرائيلي.. تعرّف على ترسانة كتائب القــ.ـسام 👇
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 15, 2023
⬇️ تابعنا عبر قنواتنا لتصلك الأخبار أولاً بأوّل، انضم الآن:
🚨تيليغرام: https://t.co/x0aLSpvB0z
🚨واتساب: https://t.co/TsHIHXYWv4#طوفان_الأقصى #Gaza pic.twitter.com/UXFCrwgOps
في مقاله، أشار بن كاسبيت إلى أن ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان نتيجة مباشرة "للغرور الاستخباراتي، والاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وعدم وجود فضول بحثي حقيقي داخل أجهزة الاستخبارات. فقد كانت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية تتعامل مع تقديراتها وكأنها حقائق مطلقة، بدلًا من أن تبقى مفتوحة على جميع السيناريوهات المحتملة".
وأضاف:"إسرائيل لم تفشل لأنها لم تمتلك المعلومات، بل لأنها لم تكن تريد تصديق ما لديها من معلومات. كانت تعيش داخل فقاعة من الثقة الكاذبة بقدراتها الاستخباراتية، ولم تدرك أن أعداءها كانوا يتطورون بصمت حتى أصبحوا قادرين على توجيه الضربة الكبرى".
على المستوى السياسي، حاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو التنصل من المسؤولية، ورفض الدعوات لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة، حيث يدرك أن أي تحقيق جاد سيكشف أن القرارات السياسية التي اتخذتها حكومته خلال العقد الماضي، قد ساهمت في تمكين حركة حماس من تعزيز قدراتها العسكرية.
وفقًا لتقارير صحفية، فإن رئيس هيئة الأركان المستقيل، هرتسي هاليفي، حاول تشكيل لجنة تحقيق مستقلة بقيادة الجنرال المتقاعد شاؤول موفاز، لكن الحكومة الإسرائيلية أفشلت هذه المحاولة، وفضلت بدلًا من ذلك إجراء تحقيقات داخلية يمكن التحكم في نتائجها.
بحسب بن كاسبيت، لم يكن ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر مجرد فشل استخباراتي، بل كان انعكاسًا لعقلية استخباراتية مشبعة بالثقة الزائدة، وقيادة سياسية تسعى للهروب من المساءلة بأي ثمن. وتساءل: "بينما تحاول إسرائيل إصلاح صورتها بعد الكارثة، هل ستتعلم من أخطائها، أم أنها ستواصل السير نحو مفاجآت غير سارة في المستقبل؟"
ختم بن كاسبيت مقاله، بالقول: "هذه لم تكن مجرد مفاجأة استخباراتية، بل كانت انهيارًا كاملًا لمنظومة أمنية كانت تعتقد أنها تعرف كل شيء. في النهاية، العدو كان أكثر يقظة منّا، وأكثر استعدادًا للمعركة".