السويداء.. زعامات دينية وفصائل عسكرية وما بينهما قوى مدنية
8 يناير 2025
يُقال اليوم حول الوضع السوري "ذهب الصعب، لكنّ القادم أصعب". إذ يرى السوريون أنفسهم الآن أمام حالةٍ لم يختبروها منذ أكثر من ستة عقود، وأمامهم مسؤوليات عليهم النهوض بها إذا ما أرادوا بناء الوطن الذي طالما حلموا به.
ويمثّل الوضع في محافظة السويداء، جنوبي سوريا، واحدًا من أكثر المشاهد تعقيدًا ضمن الإطار السوري، وقد تسارعت الأحداث خلال الأيام الأخيرة، الأمر الذي أطلق الكثير من التساؤلات حول توجّه القوى الدينية والعسكرية والسياسية في السويداء خلال المرحلة القادمة.
الشيخ حكمت الهجري: الهدف بناء الدولة السورية
في منتصف الليلة الأخيرة من نهاية عام 2024 وصل إلى السويداء رتل عسكري من إدارة العمليات العسكرية في دمشق، رفضت الفصائل المحلية دخوله إلى المحافظة، وتمّت إعادته دون إشكال، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات والتكهنات حول موقف السويداء من الإدارة الجديدة للبلاد، ما دفع إلى خروج رئيس مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، الشيخ حكمت الهجري، في مقابلات متلفزة مع جهات إعلامية مختلفة لإيضاح بعض النقاط.
أكد الشيخ حكمت الهجري على أن الهدف هو بناء الدولة، الذي يأتي بعد عدّة مراحل، أولها المؤتمر الوطني الذي يجب أن يضم مختّصين من جميع المكونات السورية
أكّد حكمت الهجري خلال هذه المقابلات على أنّه حتّى الساعة لم تتم مناقشة مسألة الفيدرالية، رافضًا فكرة تقسيم سوريا، ومشددًا في الوقت ذاته على ضرورة وحدة سوريا، وأن القوى في السويداء تتعاون مع الإدارة الجديدة من أجل سوريا. وأوضح الهجري أن السويداء ستُدار خلال المرحلة الحالية بكوادر داخلية، لكن ذلك لا يعني الانفصال.
ولفت الهجري إلى أنه تمّ التوافق مع إدارة الشرع على تسيير أمور المحافظة خلال الفترة الحالية عن طريق أبناء السويداء الذين يملكون القدرة على إدارة الأمور الأمنية والخدمية. ويرى الهجري أن كوادر السويداء الحالية قادرة على إدارة المؤسسات وغيرها بنسبة 70 بالمئة، وهي تعمل على تنظيم "البيت الداخلي" ريثما يصبح هناك قانون سوري، وجيش وطني.
أما فيما يتعلق بإعادة الرتل العسكري القادم من دمشق، فقد أعاد رئيس مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز في السويداء ذلك إلى عدم وجود تنسيق بين الإدارة في دمشق والفصائل المحلية قبل إرسال الرتل.
وأكد الهجري على أن الهدف هو بناء الدولة، الذي يأتي بعد عدّة مراحل، أولها المؤتمر الوطني الذي يجب أن يضم مختّصين من جميع المكونات السورية، مشيرًا إلى أنه بعد وضع دستور ضامن لكل السوريين، وعندما تتشكّل دولة، ويتشكّل جيش وطني، ستكون السويداء من أوائل الملتزمين بالانصهار في هذا الجيش الوطني.
وأضاف: "نحن تعاملنا بنوايا وطنية صافية مع الإدارة الجديدة، ونحب أن نُبادل بذات الأمر، ونحن مشتركون بإدارة المرحلة الحالية مع الجميع في هذه البلاد، ريثما ينعقد المؤتمر الوطني"، مضيفًا أن الأمر الآن منوط بقيام دولة سورية لكل السوريين، والسوريون لا يُحكمون إلا بالدولة المدنية، وهي دولة المواطنة والقانون، الدولة التشاركية التي تعتمد الحوار بين جميع أطيافها.
وعند سؤاله عن تصريحاته حول وجود مراقبة دولية لمراحل تشكل الدولة في سوريا، قال الهجري إن القصد هو الاستفادة من خبرات الدول الأخرى المستقرّة والتي تملك دساتير ضامنة لشعوبها، مع تأكيده أن تكون جميع الكوادر سورية – سورية، ولا بدّ للسوريين من فتح قلوبهم وعقولهم للاستفادة من تجارب الآخرين.
واعتبر الهجري أن قضية تسليم السلاح أمر مبدئي، وبهذا السلاح تمت المحافظة على "الأرض والعرض"، ولم يكن يومًا للاعتداء، موضحًا أن المطلوب من الإدارة التوافق على بعض الأمور ليس فقط مع الدروز، بل مع باقي السوريين بشكل عام، لإيجاد قاعدة رئيسية تحمل جميع الأفكار السورية للنهوض نحو الأمام، كما حذر من المماطلة كي لا يحصل أي خطأ.
آراء متباينة حول تصريحات الهجري
تباينت آراء الشارع في السويداء حول موقف الفصائل المسلحة، وكذلك تصريحات رئيس مشيخة العقل لطائفة الموحدين الدروز في السويداء.
يرى الشاب كنان الصباغ، وهو تاجر من مدينة شهبا، في حديثه لموقع "الترا صوت" أن "كلمة الشيخ الهجري كانت ضعيفة لأبعد الحدود، فالشيخ شخص غير سياسي أبدًا"، موضحًا أنه كان من المفروض أن يكون هناك مكتب إعلامي للشيخ الهجري بوصفه رئيس روحي للطائفة، وأن يتحدث باسمه "مدير أعمال سياسي"، لافتًا إلى أن "الدين والسياسة لم يكونا يومًا أصحاب"، بحسب تعبيره.
أما بالنسبة للفصائل المحلية، فيرى الصباغ أن "الأمور معقّدة، وهناك الانتهاكات والتجاوزات التي نراها في بعض المحافظات، بالإضافة إلى تصريحات قيادة العمليات العسكرية في دمشق، والتي تقول إن من يقوم بتلك الانتهاكات ليس نحن بل جماعات مسلحة، فأين الحماية التي يجب أن يأمنوها للمواطنين؟"، وفق تعبيره.
كنان الصباغ (تاجر من مدينة شهبا) لـ"الترا صوت": "نحن في السويداء عانينا الكثير من النظام البائد وأتباعه لذلك ثقتنا معدومة بمصادر السلطة لكنني ضد السلاح المنتشر بشكل فوضوي، ومع التجمع تحت راية وطنية تابعة لسوريا الأم"
ويضيف الصباغ في حديثه "نحن في محافظة السويداء عانينا الكثير من النظام البائد وأتباعه لذلك ثقتنا معدومة بمصادر السلطة"، مؤكدًا "أنا ضد السلاح المنتشر بشكل فوضوي، ومع التجمع تحت راية وطنية تابعة لسوريا الأم، جميعنا سوريّون، واليوم إحساسنا بسوريتنا وأرضنا مختلف، وبعض الأمور بحاجة لترتيب أسرع، والناس متعبة جدًا وتتوقع الأفضل".
في حين تتفق الموظفة في مؤسسة الاتصالات، رنا الصفدي، مع تصريحات الشيخ الهجري، وتقول في حديثها لـ"الترا صوت": "لا نزال بمرحلة انتقالية، وهذه الحكومة هي فقط لتسيير الأعمال، ولا يحق لها تجاوز مهامها، ومن ناحية ثانية ليست هنالك خطة واضحة على الصعيد الداخلي في محافظة السويداء، بالإضافة لوجود تفرّد بالرأي والقرار".
أما بالنسبة لحالة الفصائل في السويداء، تؤكد الصفدي التي شاركت في حراك ساحة الكرامة أنها ليست "مع بقاء السلاح بيد الفصائل بشكلها المستقل هذا، إذ إنها غير متفقة فيما بينها، كما أنها لا تتبع لمرجعية موحدة، ومنها ما هو قائم أصلًا على أساس العقيدة، ونحن ننادي بحرية الفكر والعقائد والأديان".
رنا الصفدي (موظفة من السويداء) لـ"الترا صوت": لست مع بقاء السلاح بيد الفصائل بشكلها المستقل هذا، فهي غير متفقة فيما بينها ومنها ما هو قائم أصلًا على أساس العقيدة"
وحول البيان الأخير الذي صدر عن كل من لواء الجبل وحركة رجال الكرامة، تقول الصفدي: "البيان جيد، لكننا نريد أفعالًا وليس مجرد أقوال، والوضع في السويداء غير مطمئن، ففوضى السلاح خطيرة وليس هناك أي بوادر لتنظيم انتشاره، للأسف أحيانًا نشاهد السلاح بأيدي أطفال تحت السن القانوني، ما ينبئ بنشوء جيل يستند إلى عنجهية السلاح العقائدية والدينية".
وتختم الصفدي حديثها بالقول: "أنا سعيدة بتحرّر بلدي، وأريد أن أكون مواطنة سورية فقط لا غير، وليس مواطنة سورية درزية أو سنية أو مسيحية، مواطنة سورية ونقطة انتهى، ولا أريد أن أسير خلف الشيخ لأنه شيخ ديني، أريد السير خلف الرأي الذي فيه صلاح لجميع السوريين".
وكان قد صدر بيان مشترك عن كل من لواء الجبل وحركة رجال الكرامة، وهما أكبر فصيلين مسلحين ضمن السويداء، أعلنا من خلاله عن استعداد الفصيلين للاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني جديد، ورفض أي جيش فئوي أو طائفي، كما أشار البيان إلى أن حمل السلاح كان للدفاع عن أهالي السويداء بكافة أطيافهم وليس حبًا به، بحسب تعبيرهم.
لواء الجبل وحركة رجال الكرامة، وهما أكبر فصيلين مسلحين في السويداء، أعلنا عن استعدادهما للاندماج ضمن جسم عسكري يكون نواة لجيش وطني جديد، ورفض أي جيش فئوي أو طائفي
آمال وأمنيات وتكهنات
من جانبه، يرى التاجر والعضو في لجان تنظيم حراك ساحة الكرامة، مشهور نصر، في حديثه لـ"الترا صوت" أن "حالة تزعم الشيخ بشكل عام في الجبل هي مثل جميع أنحاء سوريا، أي في كل سوريا يتصدر المشهد رجال دين ومشايخ بعد تصحر سياسي طويل، الأمر الذي أفرز حالة سياسية من رجال الدين بإمكانها الأخذ بزمام الأمور وتمثيل المجتمع، ووجد الشيخ نفسه أمام وضعٍ جديد".
ويضيف نصر أنه "بالنسبة للمحافظة فهو يمثل وجهة نظر أغلب الناس بطرحه لدولة القانون التي تجمع كل المكونات السورية، وهو صادق بطرحه هذا، كون الدروز تاريخيًا وعقائديًا لا يحكمون، كما أن العقيدة الدرزية لا تنطوي على مفهوم التبشير الديني فلا مبرر لخوف الآخرين من الدروز".
مشهور نصر (عضو في لجان تنظيم حراك ساحة الكرامة) لـ"الترا صوت": "حالة تزعم الشيخ بشكل عام في الجبل موجودة في جميع أنحاء سوريا، أي أن يتصدر المشهد رجال دين ومشايخ وذلك بعد تصحر سياسي طويل"
وأمّا فيما يتعلق بموضوع الفصائل المسلحة، فيرى نصر أن "ذلك يدخل ضمن حسابات داخلية في المحافظة، فكلها كانت مرتهنة للأمن، والآن يريدون مخرجًا مشرفًا، ويشعرون أن الوقت ملائم لإعلانٍ وطنيٍ (في الظاهر) أمّا الأساس فهي المصالح"، وفق تقديره.
ويؤكد نصر أن هناك بعض الفصائل التي تحظى بـ"دعم من جربوع"، في إشارة إلى الشيخ يوسف جربوع، وهو أحد شيوخ عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء، والذي كان معروفًا بتبعيته لنظام الأسد، وموقفه المتحفظ من الثورة السورية. ويوضح نصر من وراء هذا الدعم يتمثل بـ"تقزيم الهجري نوعًا ما، مع العلم أن الهجري يُعتبر بمثابة الزعيم للمحافظة مهما حاول الآخرون أن يكبروا"، مضيفًا أنه "لا خوف من اقتتالٍ داخلي في المحافظة، وأنا متفائل بشكلٍ عام، وكل ما يحدث طبيعي بعد كل سنين الجفاء، والموضوع بحاجة إلى الصبر".
وكان قد انعقد اجتماع في مقر قيادة الشرطة في السويداء، الثلاثاء 7 يناير/كانون الثاني 2025، دعت إليه قوى وطنية، والتي بادرت إلى إصدار بيان توافق فيه رواد ساحة الكرامة على عدة نقاط، أبرزها التأكيد على وحدة سوريا أرضًا وشعبًا، ورفض جميع الأصوات التي تنادي بمشاريع انفصالية، وبأن أبناء السويداء سيشاركون مثلهم مثل جميع السوريين في الجيش الوطني، ولا سلاح خارج سلاح الدولة في أي بقعة كانت من الأرض السورية.
كما دعا البيان بقية الفصائل إلى الانضمام إلى فصيلي لواء الجبل وحركة رجال الكرامة، والانضواء تحت مظلة واحدة هي مظلة الدولة، واعتبار الفصائل التي لا تلتزم بذلك خارجة عن القانون والقرار الجمعي المحلي والسوري.
كذلك أكد المجتمعون وجوب عدم الاكتفاء بدور رجال الدين في الوقت الذي تزخر محافظة السويداء بمجموعة من القوى السياسية والمدنية تضم الأكاديميين وأصحاب الاختصاص من مختلف الشهادات والخبرات التي لم تغب يومًا عن النضال من أجل وطن حر. وأشار البيان في ختامه إلى أنه سيتم الإعلان لاحقًا عن اجتماع موسع لمناقشة باقي التفاصيل.
وضاح عزام (صحفي وناشط في السويداء) لـ"الترا صوت": "سلاح الفصائل لم يكن ولن يكون إلّا سلاحًا واعيًا موجهًا لعدو واضح هو العدو الإسرائيلي والعدو الإرهابي التكفيري الداعشي"
واعتبر الصحفي والكاتب المسرحي والناشط ضمن حراك ساحة الكرامة، وضاح عزام، في حديثه لـ"الترا صوت" أنه "قامت الثلاثاء أهم عملية تصب في صالح سوريا دولة وشعبًا يمكن أن تكون في سياق بناء رؤية حقيقية لدولة مواطنة، قيمة المواطن فيها عالية"، موضحًا أن "هذه العملية هي الاتفاق بين أضخم تشكيلين عسكريين في السويداء".
وأضاف عزام أنه "جاء هذا الاتفاق على خلفيات شتى، منها متابعة الفصائل الدقيقة للتجاذبات السياسية التي تجري على ساحة المحافظة، والتصريحات التي تقوم على الهجوم على سماحة الشيخ الهجري، وأيضًا على خلفية تصريحات الشيخ الهجري والشيخ الحناوي أن السلاح لا يمكن أن يسلم إلا لدولة وطنية حقيقية. وأن هذا السلاح لم يكن ولن يكون إلّا سلاحًا واعيًا موجهًا لعدو واضح هو العدو الإسرائيلي والعدو الإرهابي التكفيري الداعشي".
وفي النهاية، هذا هو حال الشعب السوري عمومًا، وأهالي السويداء بشكلٍ خاص، فما بين تحليلاتٍ وتكهناتٍ من جهة، وآمالٍ وأمنياتٍ من جهة ثانية، يراقب السوريون بتوجسٍ تارة، وبارتياحٍ تارة أخرى، تصريحات هذا الطرف وذاك، وكلهم رجاء أن لا يسرق أحدًا الوطن الحلم منهم مرةً أخرى.