الضغوط والعقوبات.. منعرج جديد تأخذه العلاقات الأميركية العراقية مع ترامب
9 يمشي 2025
في خطوة لم تكن مفاجئة، قررت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنهاء الإعفاءات الممنوحة للعراق في مجال شراء الكهرباء من إيران.
وعلى الرغم من ربط الكثيرين ـ وهم مصيبون في ذلك ـ للخطوة بسياسة الضغوط القصوى التي تنتهجها إدارة ترامب ضدّ إيران، فإنّ البعض يربطها أيضًا بضغوط طالما مارستها وتمارسها واشنطن على بغداد في مجال تصدير النفط وسياسات الطاقة عمومًا من جهة، ومجالات أخرى أمنية وثيقة الصلة بمطالب أميركية قديمة متجددة بشأن تقليم النفوذ الإيراني في العراق.
والجديد في المقاربة الأميركية في هذا الصدد، حسب حديث الباحث والأكاديمي العراقي عقيل عباس لـ"الترا صوت" هو أنّ إدارة ترامب تخلّت عن نهْج دفع الحكومة العراقية "للخروج عن النطاق الإيراني، عبر التفاوض وتقوية موقفها"، لصالح نهجٍ وسلوك جديد يقوم على "الضغط على العراق كطرف تابع لإيران"، متوقعًا أن تتصاعد وتيرة الضغوط الأميركية على بغداد بشكل أكبر، لحين التوصل إلى "اتفاق أميركي ـ إيراني" حول القضايا العالقة بينهما، وعلى رأسها برنامج إيران النووي، والنفوذ الإيراني في المنطقة، ولا سيما في العراق.
غيّر ترامب النهج الأميركي تجاه العراق من نهج تفاوضي إلى نهج يعتمد على الضغوط وإشهار سيف العقوبات لتحقيق الرؤية الأميركية للمنطقة
وعلى ضوء التوقعات المتزايدة بفشل ترامب في عقد صفقة مع إيران، لا سيما بعد رفض علي خامنئي والدبلوماسية الإيرانية التفاوض تحت الضغط وسيف العقوبات، فإنّه من المرجح أن نَشْهدَ مزيدًا من العقوبات والضغوط الأميركية على العراق في الفترة المقبلة.
الإعفاءات الأميركية
نقلت وكالة رويترز عن مصادر خاصة بأنّ واشنطن سبق وأنّ "استغلّت مراجعة الإعفاءات، الممنوحة للعراق جزئيًا، في الضغط على بغداد، من أجل السماح بتصدير النفط الخام من إقليم كردستان العراق عبر تركيا، بهدف تعزيز الإمدادات في السوق العالمية، والحفاظ على استقرار الأسعار، مما يمنح الولايات المتحدة مجالًا أوسع لمواصلة جهودها في تقييد صادرات النفط الإيرانية".
وبإنهاء ترامب للإعفاءات التي منحتها الإدارة السابقة للعراق لمدة 4 أشهر بشكلٍ كامل، وأخذًا بعين الاعتبار أنّ واشنطن اتخذت من تلك الإعفاءات وسيلة للضغط على العراق في السابق، فإنّ السؤال المطروح الآن هو ما الذي تريده إدارة ترامب من العراق مقابل عدم تشديد الضغوط؟
ألمحت الخارجية الأميركية إلى جانب من المطالب الأميركية بقولها إن "تحول العراق في مجال الطاقة يوفر فرصًا للشركات الأميركية التي تعد من رواد العالم في تعزيز كفاءة محطات الطاقة، وتحسين شبكات الكهرباء وتطوير الربط الكهربائي مع شركاء موثوق بهم"، ولطالما حثّت إدارة ترامب وقبلها إدارة بايدن الحكومة العراقية "على تقليل اعتمادها على الكهرباء الإيرانية"، وأعادت الخارجية الأميركية، أمس السبت، نفس المطلب بقولها صراحة "نحث الحكومة العراقية على إنهاء اعتمادها على مصادر الطاقة الإيرانية في أسرع وقت ممكن. فإيران مورد طاقة لا يمكن الاعتماد عليه".
لكنّ جانبًا آخر من المطالب الأميركية يتعلق بالنفوذ الإيراني في العراق، والمقصود هنا أساسًا: "حل قوات الحشد الشعبي وسحب سلاح الفصائل، ومستقبل التحالف الدولي في العراق".
وفي ظلّ إصرار الحكومة العراقية على أن "الحشد الشعبي مؤسسة رسمية وطنية"، وأنّ المطلوب ليس سحب سلاح الفصائل وإنما "ضبطه"، وتأكيدها أنها مستعدة للتعامل مع "السيناريو الأسوأ في مجال الإعفاءات"، فإنّ التوقعات تشير إلى مستقبل قاتم بشأن النهج الأميركي إزاء بغداد.
وفي هذا الصدد، قال الباحث والأكاديمي العراقي عقيل عباس، لـ"ألترا صوت"، إنّ هناك معلومات تشير إلى وجود ما يقرب من "200 اسم في العراق، بين شخصيات عامة ومؤسسات مشمولة بالعقوبات، على نحو تصاعدي وتدريجي"، مؤكّدًا أنّ "الحشد الشعبي ستصيبه تلك العقوبات الأميركية"، مرجّحًا أن يظل الضغط الأميركي عند "مستوى الجهد المالي والاقتصادي"، مع عدم استبعاد انزلاق الأمور نحو مربع عسكري، في حال "ّذهبت الفصائل نحو استهداف القوات الأميركية في العراق، فحينها ستصعّد واشنطن عسكريًا".
ويرى عقيل عبّاس أنّ العلاقة بين العراق وإيران هي علاقة "يحددها الإطار التنسيقي، فهو يستطيع أن يجعل هذه العلاقة متوازنة، إذا اتفقت كلّ أطرافه، وقدّمت المصلحة العامة، على مصالح أحزابها، لكن الإطار التنسيقي، ليس لديه مثل هذا النزوع، وعليه أتصور أن البلد ذاهب نحو فترة قاتمة اقتصاديًا وماليًا، إذا نُفّذت هذه العقوبات الأميركية"، وفق تعبيره.

يشار إلى أنّ المتحدث باسم الخارجية الأميركية، أكّد في معرض حديثه، عن إنهاء الإعفاءات الممنوحة للعراق لشراء الكهرباء من إيران، أّنّ القرار "يضمن عدم السماح لإيران بأي شكل من أشكال الإغاثة الاقتصادية أو المالية"، مضيفًا أنّ هدف ترامب من تفعيل سياسة الضغوط القصوى ضدّ إيران، يتمثل في "إنهاء تهديدها النووي، وتقليص برنامجها للصواريخ الباليستية، ومنعها من دعم الجماعات الإرهابية" على حدّ قوله.
وكان ترامب قد وقّع في شباط/فبراير الماضي أمرًا تنفيذيًا باستئناف سياسة الضغوط القصوى ضدّ إيران، وأكّد بعد ذلك وزير الخزانة الأميركية سكوت بيسنت أنّ الهدف هو "جعل إيران مفلسةً مرة أخرى".
يشار إلى أنّ ترامب قرر في ولايته الأولى الانسحاب من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة باراك أوباما وعدة أطراف أخرى 2015 مع إيران، وكان الاتفاق يرمي إلى "منع إيران من تطوير أسلحة نووية، مقابل رفع العقوبات الغربية عن طهران" وفقًا لوكالة رويترز للأنباء.