الكاتب المصري محمود الورداني.. سيرة جيلٍ هزمته الأحلام
21 سبتمبر 2019
هو أحد أبناء جيل الستينات والسبعينات، ذلك الجيل الذي ما زال غارقًا في هزيمة حزيران/يونيو 1967، ولا زال يروي مرثياته إلى اليوم أشكالًا وقوالبَ أدبية مختلفة، من "مبتسرون" أروى صالح إلى "نَوبة" محمود الورداني؛ لم تنتهِ القصة أبدًا.
عاش الروائي المصري محمود الورداني طفولة صعبة، عمل خلالها في مهن شاقة، فمثلًا اشتغل عامل مطبعة وبائع ثلج
محمود الورداني روائي من مواليد حي شبرا بالقاهرة. ضمت مسيرته الروائية روايات عديدة منها "نوبة رجوع" عام 1990، و"رائحة البرتقال" في 1992، و"الروض العاطر" في 1993"، و"أوان القطاف" عام 2003، و"البحث عن دينا" لعام 2016، وغيرها. والأحدث هي رواية "باب الخيمة" الصادرة العام الماضي 2018.
وكذا مجموعات قصصية مثل "السير في الحديقة ليلًا" الصادرة عام 1984، و"النجوم العالية" عام 1985 و"في الظل والشمس" عام 1995.
اقرأ/ي أيضًا: نجيب سرور.. سيرة تمرد شاعر العقل
طفولة قاسية وأعمال أكثر قسوة
محطات عديدة مر بها الطفل محمود الورداني خلال طفولته القاسية، كان أولها موت الأب وهو في الثانية من عمره، لتدفعه الظروف الصعبة إلى هجر عوالم الطفولة الوردية والنزول إلى قواعد العمل القاسية.
عامل مطبعة وبائع ثلج، وغيرهما من الأعمال الشاقة التي امتهنها الورداني وهو لا يزال في سنوات طفولته الأولى. ضيق المعيشة الذي دفعه إلى العمل، دفع أسرته من جهة أخرى إلى التنقل بين سكن وآخر في حارات شبرا الضيقة، حتى سن العاشرة الذي كان إعلانًا بحياة جديدة أقل قسوة بعض الشيء.
لم تتزوج والدته بعد وفاة أبيه لكن ضيق ذات يدها دفع أسرة أبيه إلى المشاركة في تربية الورداني وإخوته، فانتقل إلى منزل عمته الذي كان بمثابة عالم جديد تطأه قدماه للمرة الأولى، حيث كان زوجها يمتلك مكتبة عامرة بالروايات العالمية والأشعار العربية وغيرها من الكتب التي كانت أول ما انفتح عليه وعي الورداني.
الحركة الطلابية والحرب
تمكن الورداني من خلال علاقته بشقيقه الأكبر، من التعرف على العديد من الكتاب والصحفيين الذين كانوا أصدقاء لأخيه، ما ساعده على دخول عوالم الصحافة والسياسة في سنوات شبابه الأولى.
وخلال انتفاضة الطلبة عام 1972، تم اعتقال الورداني أثناء مشاركته في إحدى اعتصامات الانتفاضة، إلا أنه خرج ليشارك في الحدث الذي سيكون فارقًا في حياته، وهو حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، التي كانت تجربة بالغة الأثر في أعمال الورداني الذي كان شاهدًا بطريقة خاصة على الحرب.
لم يُشارك الورداني في الحرب كجندي مقاتل، وإنما كان مسؤولًا عن "أعمال إدارية من نوع خاص"، تحديدًا جمع مهمات الشهداء وإرسال الخطابات لأسرهم، ومهام أخرى مثل دفن الشهداء.
توثيق اليسار في مصر
الروائي اليساري، كان على الدوام حريصًا في الدفاع عن تياره وأفكاره، عبر أعمال عديدة، منها روياته "أوان القطاف" التي انتصر فيها للحركة اليسارية في مصر، وذكر بين دفتيها من ذكر من كوادر جيل الستينات.
والورداني صاحب التوثيق الأهم للحركة اليسارية الأبرز في تاريخ مصر، حركة "حدتو"، في كتابه "حدتو.. سيرة ذاتية لمنظمة شيوعية".
عودة للتاريخ
على الرغم من اهتمامه بتوثيق وسرد أحداث زمانه، بداية من نكسة 1967 وصولًا إلى ثورة "25 يناير"، إلا أن الورداني أحد المولعين بالتاريخ.
ويتجلى ولعه هذا في استدعائه شخصيات عديدة مثل الحسين بن علي، وأحمد عرابي، في أعمال عديدة له، يأتي على رأسها رواية "الروض العاطر".
ففي "الروض العاطر"، وكما يقول المفكر والناقد الفلسطيني فيصل دراج، تطرح الرواية "سؤالًا أساسيًا، هو علاقة الروائي بالمؤرخ، فصاحبها يأخذ بالدورين معًا: إنّه الروائي الذي يستنطق التاريخ بشخصيات متخيلة، وهو المؤرخ الذي يذهب إلى كتب المؤرخين ويعيد تنظيم الكلمات".
في بلاط صاحبة الجلالة
في روايته "باب الخيمة" الصادرة عام 2018، يناقش الورداني عوالم الصحافة، مستخدمًا قلم الروائي لكن بطريقة استخدام الجرّاح لمشرطه، راويًا تجربته الطويلة بين جنبات صاحبة الجلالة.
محمود الورداني الذي لم يدرس الصحافة، كانت له تجربة طويلة مع العمل الصحفي، بعد حصوله على بكالوريوس خدمة اجتماعية عام 1972، وعمل أخصائيًا اجتماعيًا في عددٍ من المدارس لعدة سنوات، قبل أن يتحول للعمل الصحفي في مؤسسة أخبار اليوم، ويقيد أخيرًا في نقابة الصحفيين عام 1993.

كما ساهم الورداني في تأسيس صحيفة البديل المستقلة، وأشرف فيها على صفحات الرأي والثقافة، كما ساهم في تأسيس صحيفة أخبار الأدب، وتدرج في العمل بها وصولًا لنائب رئيس تحرير، قبل التقاعد عام 2012.
سيرة لم تروى بعد
صاحب "رائحة البرتقال"، دائمًا ما تلاحقه "الاتهامات" بأن رواياته تتضمن أجزاءً من سيرته الذاتية. ورغم أن الكثيريون يرون ذلك واضحًا في أغلب أعماله بما لا يدع مجالًا للشك، يُصر الورداني على عكس ذلك، وإن وصل به الحال إلى نفي الواقعية عن أعماله، رغم أنها تضج بالشهادة على عصره.
محمود الورداني هو صاحب التوثيق الأهم للحركة اليسارية الأبرز في تاريخ مصر، حركة حدتو، في كتابه "حدتو.. سيرة ذاتية لمنظمة شيوعية"
سُئل الورداني: "لماذا لم تكتب سيرتك الذاتية؟"، فأجاب: "ربما لم أشعر بعد أنها تستحق الكتابة"، فهل يعني ذلك أنه لا يزال في جعبة الروائي المصري الكثير من الحكايات ليرويها، قبل أن يروي سيرته بوضوح؟
اقرأ/ي أيضًا: