اللاجؤون السودانيون في مخيم أدري.. مأساة شعب تخلى عنه العالم
17 نوفمبر 2024
في قلب الصحراء التشادية، قرب بلدة أدري، تتكشف واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية قسوة في عصرنا الحديث. مئات الآلاف من السودانيين اضطروا إلى الفرار من بلادهم هربًا من جحيم الحرب الأهلية التي تمزق السودان، تاركين خلفهم منازلهم وأحباءهم ومستقبلهم، ليجدوا أنفسهم في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
سلطت صحيفة "تايمز" البريطانية الضوء على معاناة اللاجئين السودانيين، واستعرضت بعضًا من قصصهم المأساوية، ومن بين هؤلاء اللاجئين، تبرز حكاية "كلثومة"، وهي امرأة خمسينية فرت من دارفور في رحلة استمرت عامًا كاملًا بحثًا عن ابنها المفقود محمد، حيث تعيش "كلثومة" كابوسًا يوميًا، تخشى أن يكون محمد قد أجبر على حفر قبره بيديه قبل أن يُقتل على يد الميليشيات المسلحة التي اجتاحت دارفور، حاله حال الآلاف من الرجال الآخرين.
تظهر قصص اللاجئين السودانيين في مخيم أدري بتشاد أبعادًا مأساوية للأزمة الإنسانية المتفاقمة في السودان، مع استمرار التجاهل الدولي لجرائم الميليشيات المسلحة
وفي قصة أخرى تعكس حجم الألم، وصلت فاطمة إلى مخيم أدري تحمل طفلتها الرضيعة "سعيدة"، بعد أن أجبرتها المجاعة والعنف على مغادرة دارفور مع أطفالها الخمسة. تقول فاطمة بنبرة يائسة: "لقد أطلقوا النار وقتلوا الناس دون سبب"، تركت فاطمة وراءها زوجها وشقيقها دون أن تعرف مصيرهما.
أيضًا هناك حكاية الطالبة الجامعية "جيسما"، والتي درست التكنولوجيا في جامعة غرب دارفور، والتي تعرضت لاغتصاب جماعي على يد مقاتلي قوات الدعم السريع، تروي لمراسلة "تايمز" أنها كانت تفضل الموت على ما تعرضت له من عنف.
وروت الصحيفة معاناة اللاجئين السودانيين في مخيم أدري، والذي يُعد الأسرع توسعًا في العالم من بين مخيمات اللاجئين، تجمع فيه أكثر من 230 ألف لاجئ سوداني في ظروف مأساوية، والتمويل الدولي لا يلبي الاحتياجات المتزايدة، ما يجعل الوضع كارثيًا. وبيّنت الصحيفة أن من أسباب نقص التمويل هو أن الحرب في أوكرانيا والعدوان الإسرائيلي على غزة طغيا على أزمة السودان، ما أدى إلى تراجع الاهتمام الدولي.
وأضافت مراسلة الصحيفة: "القادة العالميون والمشاهير الذين تحدثوا عن الإبادة الجماعية في دارفور عام 2003، التزموا الصمت أمام المأساة الراهنة".
لا يقتصر تأثير الحرب على السودان فحسب، بل يهدد استقرار المنطقة بأكملها. وترى الصحيفة أن العنف قد يمتد إلى تشاد، ويرتبط بانعدام الأمن في منطقة الساحل، الحزام القاحل الممتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي.
ويحدث ذلك في وقت تتواصل المجازر بحق المدنيين في شتى مناطق السودان، ما يسفر عن نزوح مئات الآلاف بشكل مستمر، حيث قالت المنظمة الدولية للهجرة، إن أكثر من (343) ألف شخص نزحوا من ولاية الجزيرة في أقل من شهر، وذلك في أعقاب تصاعد الاشتباكات في المنطقة، وانعدام الأمن المستمر.
وتشهد ولاية الجزيرة هجمات غير مسبوقة من قبل قوات الدعم السريع، منذ 20 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم، وذلك وفق ما أفاد به موقع "ألترا سودان"، يأتي على خلفية انشقاق قائد هذه القوات، أبوعاقلة كيكل، في الولاية وانضمامه إلى الجيش السوداني، الأمر الذي دفعها لتنفيذ حملات وصفت بـ"الانتقامية"، من قبل المنصات المحلية المعنية برصد الانتهاكات في المنطقة.
وأسفرت الهجمات عن موجات نزوح واسعة، وفر معظم النازحين إلى ولايتي القضارف المجاورة وكسلا، وأجرى مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الأسبوع الماضي، تقييمات في الولايتين. وأبلغ النازحون المنظمة أنهم ساروا لأيام على أقدامهم فرارًا من العنف، ووصلوا بدون أي شيء من متعلقاتهم سوى الملابس التي كانوا يرتدونها. ويقيم الكثيرون منهم الآن في العراء، بمن فيهم الأطفال والنساء وكبار السن والمرضى.
كما أكد المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، أن النازحين من القتال في الجزيرة، يحتاجون بشكل عاجل إلى الخيام والأغطية البلاستيكية والمراتب والأدوية والطعام والحليب للأطفال الصغار. وأشار مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، إلى وجود زيادة في حالات الإصابة بالكوليرا في مركز علاج الكوليرا في ولاية القضارف شرقي البلاد، وذلك في أعقاب موجة النزوح الأخيرة.
وعقد مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء الماضي، جلسة لمناقشة الأزمة السودانية المتفاقمة، حيث أكدت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية، روزماري دي كارلو، أن السودان يعاني من أوضاع كارثية مع تصاعد العنف بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
وبيّنت دي كارلو في إفادتها أمام مجلس الأمن أن الوضع في السودان يشبه "الكابوس"، حيث تتعرض ولاية الجزيرة، على وجه الخصوص، لهجمات عنيفة من قوات الدعم السريع، مما أدى إلى مقتل وتشريد عدد كبير من المدنيين، إلى جانب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، شملت حالات عديدة من العنف الجنسي ضد النساء والفتيات. ولفتت دي كارلو إلى مسؤولية الطرفين في إحداث هذه الكارثة الإنسانية، حيث استخدم الجيش السوداني الغارات الجوية في مناطق مكتظة بالسكان، ما أسفر عن تدمير واسع للبنية التحتية.