انقطاع الكهرباء في سوريا.. شلل القطاعات الحيوية في ظل أزمة مستمرة
26 يناير 2025
منذ بدء الأحداث في سوريا عام 2011 وحتى سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر عام 2024، شهد قطاع الكهرباء تدهورًا كبيرًا نتيجة القصف، وعمليات التدمير، وسرقة الأكبال والمحطات وصولًا إلى شح موارد الطاقة وضعف عمليات الصيانة بسبب الفساد والعقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، ما أدى إلى شل العجلة الاقتصادية بشكل كبير وزاد حالة الركود.
قطاع الصناعة أول المتضررين
كان قطاع الصناعة الأكثر تضررًا من أزمة الكهرباء. فمنذ اندلاع الثورة السورية، ومع شح المحروقات تدريجيًا، تحول دعم الدولة السورية لهذا القطاع إلى دعم شكلي فقط بعد أن كان مدعومًا بشدة من قِبل الجهات الحكومية، حيث وصل التقنين الكهربائي القاسي إلى المناطق الصناعية في السنوات الأخيرة، قبل سقوط نظام الأسد.
في هذا السياق، يشارك العم أبو خالد (60 عامًا)، أحد الصناعيين في حلب، قصته لـ"الترا صوت" بقوله إن التقنين الكهربائي وصل إلى المناطق الصناعية في عام 2014، حيث أصبحت تأتي الكهرباء الحكومية فقط لمدة 8 ساعات يوميًا، وأخذت تتضاءل حتى وصلت قبيل سقوط الأسد إلى حوالي ساعتين: "مما اضطرنا إلى الاشتراك في الأمبيرات باهظة الثمن لتأمين الكهرباء".
شهد قطاع الكهرباء تدهورًا كبيرًا في سوريا نتيجة القصف وعمليات التدمير، وسرقة الأكبال والمحطات وصولًا إلى شح موارد الطاقة وضعف عمليات الصيانة بسبب الفساد والعقوبات الاقتصادية
ويضيف أبو خالد: "كان مستثمرو الأمبيرات، ومعظمهم من أتباع النظام السابق، يتحكمون في الأسعار دون أي رقابة، مما جعل هذا الاستثمار مصدر دخل رئيسي للنظام وأدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل كبير"، على حد تعبيره. كما لفت إلى أن الاشتراك بالمولدات أو الأمبيرات يكلف بين 75 إلى 150 دولار أميركي لكل خط كهربائي صغير.
وأشار أبو خالد إلى أنه بعد هروب الأسد، ارتفعت ساعات التقنين لتصل ساعة كل 12 ساعة، موضحًا أن السبب يعود إلى توقف الواردات النفطية من إيران. وأضاف أن الأيام القليلة الماضية شهدت تحسنًا طفيفًا في ساعات التغذية الكهربائية، إلا أن هذا التحسن لا يزال بعيدًا عن تلبية الاحتياجات الأساسية.
ويقول العم أبو فتحي (61 عامًا)، أحد صناعيي الشيخ نجار، لموقع "الترا صوت": "أدى الاعتماد الكامل على مستثمري الأمبيرات إلى ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج، مما جعل المنتجات الوطنية غير قادرة على المنافسة".
وأكمل قائلًا إن التضييق على الصناعيين كان يصب في مصلحة النظام البائد على حد تعبيره، حيث بقيت فقط المصانع التابعة له تحظى بالدعم، مما حصر قطاع الصناعة بيده. كما قال إنه، بعد سقوط النظام السابق، توافرت المشتقات النفطية بشكل أكبر وقل الاستغلال، لكن هذا الحل لا يلغي الحاجة الأساسية للكهرباء المستدامة.
ووفقًا لمصادر محلية تحدثت لـ"الترا صوت"، فإن حوالي 70 بالمئة من المصانع في سوريا أغلقت أبوابها بين عامي 2015 و2024 نتيجة الصعوبات التي فرضتها أزمة الكهرباء.
أزمة الكهرباء تعرقل القطاع الصحي
بدوره، لم يكن القطاع الصحي بمنأى عن أزمة الكهرباء أيضًا، حيث أجبر الوضع المتردي في قطاع الكهرباء المستشفيات على الاعتماد على الأمبيرات والمولدات التي تعمل على المازوت. وكما هو الحال في قطاع الصناعة، جعل ذلك المشافي تحت رحمة التجار والمستثمرين.
لم يكن القطاع الصحي بمنأى عن أزمة الكهرباء، حيث أجبر الوضع المتردي في قطاع الكهرباء المستشفيات على الاعتماد على الأمبيرات والمولدات التي تعمل على المازوت. وجعل ذلك المشافي تحت رحمة التجار والمستثمرين
ويقول خبراء محليون لـ"الترا صوت" إن المستشفى متوسطة الحجم تحتاج إلى نحو 70 لترًا من المازوت في الساعة لتشغيل مولدات الكهرباء، ما يكلفها حوالي 80 دولارًا أميركيًا لكل ساعة تشغيل.
يقول العم أبو جاسم (66 عامًا)، من ريف دمشق، في شهادته لموقع "الترا صوت" إنه عندما أصيب بجلطة قلبية ونقل إلى المستشفى في منتصف عام 2023، دفع مليونًا وخمسمائة ألف ليرة سورية لقاء كل ليلة قضاها في غرفة العناية المركزة. وأضاف أن تكلفة المبيت في المستشفى تختلف حسب القسم ونوع الرعاية: "بعد خروجي من قسم العناية المركزة بقيت يومين في أحد غرف الرعاية العادية وقد كلفني الأمر حوالي ثلاثمائة ألف ليرة سورية عن الليلة الواحدة، أي ما يعادل 20 دولارًا أميركيًا في ذلك الوقت".
ويوضح الدكتور أحمد (48 عامًا)، رئيس قسم في إحدى المشافي الخاصة في دمشق، لـ"الترا صوت"، أن: "رفع الأجور في المشافي الخاصة ليس جشعًا بل هو ضرورة، وإلا فإن الجدوى الاقتصادية للمستشفى سوف تخسر ونضطر إلى الإغلاق". ويؤكد الدكتور أحمد أن أسعار المحروقات في عهد النظام السابق تفوق أسعارها العالمية، أما الآن فقد تحسن الأمر بشكل بسيط فقط لأن القدرة الشرائية للمواطن السوري لا تزال متدنية جدًا.
قطاع الزراعة لم يسلم أيضًا
تأثر قطاع الزراعة شأنه شأن باقي القطاعات، حيث يعتمد ضخ مياه الري وحفظ المحاصيل في الثلاجات على الكهرباء. لكن مع الانقطاع الطويل للكهرباء، اضطر المزارعون أيضًا إلى الاعتماد على المولدات، مما جعل التكلفة تزيد على المزارع.
تأثر قطاع الزراعة بأزمة الكهرباء، حيث يعتمد ضخ مياه الري وحفظ المحاصيل في الثلاجات على الكهرباء. لكن مع الانقطاع الطويل للكهرباء، اضطر المزارعون أيضًا إلى الاعتماد على المولدات، مما جعل التكلفة تزيد على المزارع
يقول العم أبو أحمد (53 عامًا) لموقع "الترا صوت" إن الاعتماد على المولدات ضاعف تكلفة إنتاج المحاصيل بنحو ضعفين، مما سبب انهيارًا جديدًا في القدرة الشرائية للمواطن. ويضيف أبو أحمد لـ"الترا صوت" "قطاع الزراعة يبقى أقل تأثرًا بالنسبة لبعض المواد الأساسية التي لا يستطيع المواطن التخلي عنها بشكل نهائي مثل البندورة والخيار والخس وغيرها من الخضروات"، لكن يشير إلى أن الطلب على الفواكه تراجع بشكل كبير بعد أن كانت من المنتجات الزراعية الأكثر مبيعًا.
ويقول الأستاذ جعفر (36 عامًا)، حاصل على ماجستير في الهندسة الزراعية، إن وضع قطاع الزراعة تدهور خلال سنوات الحرب، حيث تقلصت المساحات المزروعة بنحو 40 بالمئة. ويضيف لـ"الترا صوت" أن: "هناك مساحات زراعية واسعة في سوريا لم يتم استصلاحها في أرياف اللاذقية وحمص وحماة أبدًا طوال سنوات حكم عائلة الأسد، والآن يمكن استثمارها للنهوض بالقطاع الزراعي".
بين الحلول والتحديات
أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، في 24 أيار/مايو عام 2024، أن إنتاج الكهرباء في سوريا تراجع بنسبة 80 في المئة بعد أكثر من عقد من الحرب، مما أدى إلى خلق أزمات متتالية وشل الخدمات الأساسية الأخرى مثل المياه والصحة وإنتاج الغذاء.
كان مستثمرو الأمبيرات، ومعظمهم من أتباع النظام السابق، يتحكمون في الأسعار دون أي رقابة، مما جعل هذا الاستثمار مصدر دخل رئيسي للنظام
وأشار إلى أن أسعار المواد الغذائية قد زاد بنحو 83 بالمئة مقارنةً بعام 2023، لكن بعد سقوط نظام الأسد بدا أن هناك بوادر أمل لتحسين الكهرباء، فرفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا أصبح على طاولة المفاوضات، علمًا أن رفعها يسهل عملية إعادة الإعمار بشكل كبير، لكن لا تزال التركة ثقيلة على الحكومة الحالية أو أي حكومة قادمة.
وقد صرح مدير مؤسسة توزيع الكهرباء، خالد أبودي، أن المحطات لا تعمل بالكفاءة المطلوبة نتيجة غياب الصيانة لوقت طويل، وهي بحاجة إلى إعادة تأهيل. وأوضح أن 40 بالمئة من شبكات الكهرباء بحاجة إلى صيانة أو حتى استبدال. وعن الحلول، قال أبودي إنه تم التواصل مع تركيا والأردن وقطر بخصوص إرسال بواخر لتوليد الكهرباء، وهو ما وصفه بـ"الحل الإسعافي".
وقال وزير الكهرباء السوري عمر شقروق، في تصريح له، إن الأمر يحتاج إلى شهرين على الأقل لكي تعود الكهرباء حوالي سبع ساعات في كل أنحاء سوريا. وأضاف أن التكلفة اللازمة لإعادة القطاع الكهربائي إلى ما قبل 2011 تقدر بحوالي 40 مليار دولار أميركي. وأوضح أنه من المفترض إنجاز هذا الهدف خلال ثلاث سنوات. وبشكل عام، نوه أغلب المسؤولين في حكومة البشير إلى أن رفع العقوبات وضخ الأموال لإعادة الإعمار هما السبيل الوحيد لتحقيق فرق واضح في قطاع الكهرباء.