بافاريون من القدس إلى القاهرة
19 سبتمبر 2015
بلا شك نادي كرة القدم الألماني بايرن ميونيخ هو واحد من أنجح الأندية في تاريخ الكرة الأوروبية والعالمية، إذ يتجاوز عدد مشجعيه عشرات الملايين في مختلف أنحاء العالم.
وبالرغم من أن هذا العدد ما زال خجولًا بعض الشيء في العالم العربي، إلا أنه يشهد ارتفاعًا مستمرًا في الأعوام الأخيرة، بفضل التألق القاري والدولي الذي حققه النادي أخيرًا، والذي يضاف إلى تاريخه الكبير من النجاحات والألقاب.
هذه الشعبية المتزايدة في المنطقة العربية عكستها روابط التشجيع التي تنامت أعدادها حديثًا، فباتت تتسم بالرسمية بعد نيلها الاعتراف الرسمي من قبل إدارة المشجعين في النادي. من مصر إلى لبنان، مرورًا بالأردن وفلسطين والسعودية، وصولًا إلى الكويت والامارات... رابطات بافارية اجتمعت تحت شعار Mia San Mia، أي "نحن من نحن".
واحدة من أكبر الرابطات هي Mia San Mia Palestine وفيها 5000 آلاف مشجع يعيشون في فلسطين
واحدة من أكبر هذه الرابطات التشجيعية هي Mia San Mia Palestine التي تضم أكثر من 5000 آلاف مشجع يعيشون في فلسطين المحتلة. يؤكد محمد الحميدي، أحد المؤسسين، أن رابطة بايرن الفلسطينية هي أول رابطة لناد أوروبي في فلسطين تنال الاعتراف الرسمي من النادي، وذلك العام الماضي بعد انقضاء نحو عقد على تأسيسها.
وعلى بعد نحو ألفي كيلومتر عن القدس المحتلة، تنشط رابطة FC Bayern Fans UAE في الإمارات العربية المتحدة، خصوصًا في دبي وأبو ظبي. الرابطة فتية بعض الشيء، إذ تأسست عام 2013. ووفقًا لنبيل كنعان، أحد أبرز المؤسسين، ما تزال رابطة بايرن الاماراتية بانتظار الاعتراف الرسمي من إدارة النادي، وذلك بعد تقديم الأوراق والمستندات اللازمة.
تجمعات ضخمة واستقبالات
بالرغم من صغر مساحته مقارنة بالدول العربية الأخرى، يضم لبنان العدد الأكبر من الرابطات البافارية الرسمية (7) من بين كل بلدان المنطقة العربية، أشهرها دون شك تلك المعروفة باسم Lebanese Bayern club.
وتحت شعار "Where pride meets passion"، ينظم "نادي بايرن اللبناني" ذو النكهة الألمانية تجمعات ضخمة منذ عام 2013، كان أكثرها نجاحًا التجمع الذي ضم أكثر من ألف شخص في منطقة "الدكوانة" شرق العاصمة بيروت لمشاهدة نهائي دوري أبطال أوروبا في الـ25 من أيار/مايو 2013، بحضور السكرتير الأول في السفارة الألمانية في لبنان، وهو يُعد حتى اليوم أكبر تجمع بافاري في المنطقة.
هذا في لبنان. أما في دول عربية أخرى فيتخطى نشاط الرابطات البافارية حدود التجمع للمباريات، ولا سيما في الدول التي قام النادي بزيارتها، سواء لإقامة معسكرات تدريبية كما هو الحال بالنسبة لقطر، أو للعب مباريات ودية كما هو الحال بالنسبة للكويت والمملكة العربية السعودية.
ففي السعودية مثلًا تفخر رابطة Mia San Saudi بتنظيمها لاستقبال كبير للاعبي وإداريي النادي في مدينة الرياض أوائل هذا العام، ومرافقتهم سواء في المطار أو في الفندق والملعب، حيث خاضوا مباراة ودية أمام نادي الهلال السعودي بحضور أكثر من ألف من أعضاء الرابطة في ستاد الملك فهد.
نجحت رابطة FC Bayern fans Kuwait في استقدام الفريق الألماني إلى العاصمة الكويتية
أما في الكويت، وفضلًا عن تنظيمها لدورات كروية ودية لجميع الفئات العمرية، فنجحت رابطة FC Bayern fans Kuwait في استقدام الفريق الألماني إلى العاصمة الكويتية لخوض مباراة ودية في كانون الثاني/يناير من العام الماضي، وذلك بالتعاون مع أحد رجال الأعمال المعروفين، كما قامت بتسليم تيشرت موقع من أعضائها إلى نجم الفريق السابق وأحد أساطيره باستيان شفاينشتايجر.
البايرن يعترف بفلسطين
وبعيدًا عن التجمعات الحاشدة والاستقبالات الحافلة، تعمل رابطات العملاق البافاري في الدول العربية على استغلال نشاطاتها من أجل خدمة مجتمعاتها المحلية وإيصال صورة إيجابية عن النادي.
ولعل FC Bayern fans Kuwait هي الرائدة في هذا المجال. فبحسب خليفة الفضلي، تقوم الرابطة بتنظيم حملات موسمية من أجل التبرع بالدم، فضلاً عن مشاركة أعضائها في حملة مكافحة الجريمة وجمع السلاح التي أشرفت عليها وزارة الداخلية أخيرًا في الكويت.
وفي الأردن، يحرص "نادي مشجعي بايرن ميونخ في المملكة الاردنية الهاشمية"، المسجّل رسمياً باسم "Jordanian fans" على زيارة المستشفيات ودور الأيتام، حيث يقوم أعضاؤه بتقديم هدايا عينية للأطفال، هذا بالإضافة لقيامهم بتوزيع طرود غذائية على العائلات المحتاجة في شهر رمضان.
مجلة بايرن ميونيخ الرسمية خصصت صفحة كاملة في أحد أعدادها للحديث عن الرابطة الفلسطينية
وعلى مسافة ليست ببعيدة، سجلت Mia San Mia Palestine هدفًا وطنيًا ضد الاحتلال الاسرائيلي، فاستطاعت أن تنتزع اعترافًا رسميًا من قبل النادي بكونها الرابطة الرسمية الوحيدة الممثلة للبافاريين في فلسطين.
هذا وكانت مجلة بايرن ميونيخ الرسمية قد خصصت صفحة كاملة في أحد أعدادها للحديث عن الرابطة الفلسطينية، كما قام الحارس الأول للفريق مانويل نوير بشكر أعضائها على تكريمهم له، مهديًا إياهم كرة موقعة منه.
بافاريات بنكهات محلية
لم يمنع حب بايرن ميونيخ وعاداته البافارية مشجعيه العرب على اختلاف انتماءاتهم من الاحتفاظ بهوياتهم المتميزة عند تشجيع ناديهم المفضل، بل يمكن القول إن هذه الخلفيات الثقافية العربية المتعددة انعكست على جوانب كثيرة من ممارسات الأعضاء.
ولعل هذا التمسك يتجلى بصورة واضحة في التصاميم التي اعتمدتها كل من هذه الروابط كتمائم رسمية لها، والتي يُظهر كل منها جانبًا من الثقافة المحلية أو الهوية الوطنية.
وتشكل رابطة بايرن ميونيخ في مصر أكبر مثال على التمازج بين الحضارة المصرية والحاضر الألماني. فعلى صورة الفرعون الشهير "توت عنخ آمون" محاطاً بألوان شعار النادي البافاري الأزرق والأحمر، صُمّمت تميمة الرابطة لتكون بذلك أفضل معبر عن انتماء أعضائها.
ونظرًا لكون مصر رائدة في التشجيع المتعصب على مستوى الدول العربية، وربما على مستوى العالم كله، قرر البافاريون المصريون تسمية رابطتهم بـ"أولتراس بايرن في مصر"، مما يشي بحماستهم الزائدة ووفائهم الكبير.
وفي لبنان، كان لا بد من حضور الأرزة اللبنانية التي تتوسط العلم الوطني في تميمة الـLebanese Bayern Club. التميمة التي ذُيّلت بعبارة "Where pride meets passion"، أي "عندما يلتقي الفخر بالشغف" تعكس الحالة العاطفية التي تربط المشجعين اللبنانيين بناديهم الألماني المفضل، والتي انسحبت على ممارساتهم وحياتهم اليومية التي باتت مطعمة بالكثير من العادات والكلمات الألمانية أو البافارية.
في لبنان لا بد من حضور الأرزة اللبنانية التي تتوسط العلم الوطني إلى جانب شعار بايرن ميونخ
أما في الأردن فبدا واضحًا ولاء البافاريين الأردنيين لوحدة وطنهم، إذ اختاروا خريطة بلادهم لتكون إلى جانب الـ Logo البافاري في التميمة، في دلالة ربما على أن مشجعي بايرن ميونيخ موجودون على كامل أراضي المملكة الهاشمية، أو أن المملكة بأكملها بافارية!
وبعيدًا عن التمائم والشعارات، يبدو لافتًا للفضول التنوع الكبير في الجنسيات واللغات والثقافات الموجود في رابطة بايرن ميونيخ الاماراتية، أو "FC Bayern fans UAE"، والذي لا يعدو كونه ترجمة للنسيج الاجتماعي الاماراتي الذي يضم جنسيات من كل أصقاع الكرة الأرضية.
الحلم العربي ــ البافاري
يحلم حسام الدين عبد الحميد، أحد مؤسسي"Ultras Bayern in Egypt"، بتأسيس رابطة عربية ضخمة لتشجيع فريقه المفضل بايرن ميونيخ، لتضم تحت لوائها كل محبي النادي الألماني العريق في الوطن العربي.
حلم، يبدو ربما أقرب إلى التحقق من أي حلم عربي آخر بالوحدة. هو حلم لن تحطمه الحسابات السياسية، ولن تجهضه الخلافات الطائفية أو الطبقية، لأن الشعار الوحيد الذي سيجتمع عليه المنضمون سيكون فقط Mia San Mia!