بواش ودي ماتيو والحظ ثالثهما!
20 أغسطس 2015
في تاريخ كرة القدم أسماء كثيرة اشتهرت بالنحس الكروي. نجوم ومدربون عاندتهم الأقدار وخانتهم الأقدام، فدخلوا التاريخ من بابه الواسع، ليس عن فئة أكثر المتوّجين، بل عن فئة.. أكبر المنحوسين!
بالاك، بيكرمان، إيسكوبار، دايسلر.. أسماء كثيرة لازمها نحس المستديرة، فخسرت الألقاب، كالألماني مايكل بالاك، أو خسرت حياتها، كالكولومبي أندريس إيسكوبار. وفي مقابل هؤلاء، هنالك من بنى مجده الكروي على حظ مؤقت، أو صنع سُمعةً زائفة، بلحظة توفيق إعجازي، قبل أن يهوي عن قمة لم يعرف كيف وصل إليها. وإذا فتحنا كتاب "محظوظي الساحرة المستديرة"، لا بد أن نقرأ في الصفحة الأولى اسم أندريه فيلاش بواش، وروبرتو دي ماتيو.
لم تشتهر المدرسة الدفاعية الإيطالية تاريخيًا بكونها رفيقة الحظ
كان موسم 2011-2012 هو الموسم الذي اجتمع فيه المحظوظان في تشيلسي بواش مدربًا ودي ماتيو مساعدًا. ولكن قبل هذا التعاون، كان كل منهما قد دخل عالم التدريب من باب مختلف. ففي حين كان دي ماتيو لاعبًا متألقًا في خط وسط النادي اللندني في التسعينيات، قبل أن يعتزل اللعبة إثر إصابة قوية في 2002، ويتحول لاحقًا إلى التدريب، لم يسبق للبرتغالي أن لعب كرة القدم على المستوى الاحترافي إطلاقًا.
بواش الفتى كان محظوظًا منذ البداية، بالسكن في الحي نفسه الذي كان يعيش فيه المدرب الإنجليزي الراحل بوبي روبسون في مدينة بورتو. علاقة متينة جمعت التلميذ بأستاذه، فأدت إلى نيله شهادة التدريب قبل بلوغه العشرين، ليبدأ مسيرته التدريبية باكرًا جدًا. وبعد عدة سنوات في الظل، عاشها مساعدًا لأستاذه الآخر، جوزيه مورينيو، في بورتو، فتشلسي، ثم إنتر ميلان، حصل بواش ولأول مرة على فرصة لتدريب ناد كبير في البرتغال، إذ انتقل عام 2010 من أكاديميكا إلى بورتو، لخلافة المدرب الحالي لنادي الزمالك المصري، جيزوالدو فيريرا.
وخلال عام واحد، تمكن بواش من تحقيق رباعية، جعلت بورتو مجددًا محط أنظار أوروبا، بسبب اللعب الممتع والجذاب الذي قدمه الفريق على طريق الفوز بكل من الدوري الأوروبي، الدوري البرتغالي، الكأس البرتغالية وكأس السوبر.
كثير من الدفاع.. كثير من الحظ
على الرغم من أن المدرسة الدفاعية الإيطالية، وأبرز ملامحها "الكاتيناتشيو"، لم تشتهر تاريخيًا بكونها رفيقة الحظ، إلا أنّ دي ماتيو تمكن بواسطتها من هزيمة الفريق الأفضل في تلك المباراة، عديم التوفيق على أرضه، في ليلة أليانز أرينا الشهيرة في أيار/مايو 2012. الأرض خانت أصحابها، وحظ الإيطالي تلك الليلة أدهش بلا شك كل متابعي نهائي ميونيخ، حتى مشجعي البلوز أنفسهم، الذين لم يصدّقوا الطريقة التي حطم بها النادي اللندني أحلام البافاريين.
في تلك الليلة، لعب دي ماتيو بـ10 مدافعين، وكان قد فعل الأمر نفسه في المباراة السابقة مع برشلونة، أو بما يُعرف اليوم على سبيل الدعابة بين محبي الكرة بأسلوب "ركن الحافلة"، ممنّيًا النفس ببعض المساعدة من إله الحظ، الذي لبّى النداء ليغدق عليه توفيقًا لم يسبق أن عرفه أي نهائي للمسابقة الأوروبية الأعرق على الإطلاق. وبينما نال الإيطالي المجد الأوروبي عبر الدفاع، كان بواش قد حقق رباعيته تلك بمساعدة مجموعة من اللاعبين الذين أصبحوا لاحقًا أهدافًا لأكبر أندية القارة العجوز. فمن ينسى الكولومبي راداميل فالكاو في موسمه المذهل الذي حطم فيه رقم الألماني يورجن كلينسمان كأفضل هداف في موسم واحد من الدوري الأوروبي، أو كأس الاتحاد الأوروبي سابقاً، مسجلًا 17 هدفًا؟ كانت انطلاقة مرعبة حقًا. وبعيدًا عن فالكاو، امتلك بواش مجموعة من اللاعبين الرائعين، الذين كانوا في أوج عطائهم، كالجناح البرازيلي هالك، المدافع الأرجنتيني نيكولاس أوتامندي، الكولومبي فريدي جوارين، والحارس البرازيلي هيلتون.. مما وضع بين يديه فريقًا ناضجًا جاهزًا للفوز بالألقاب، وذلك بعد سنوات من البناء مع سلفه فيريرا.
بواش تسلّق سلم النجاح الذي بناه فيريرا قبل أن يستقيل. فيريرا الذي شبّهه مورينيو عام 2005 بـ"حمار قد يعمل لـ30 عامًا من دون أن يصير حصاناً!"، في واحدة من تصريحات مورينيو الشهيرة. فيريرا زرع وبواش حصد، إذ تمكّن من أن يصبح أول مدرب برتغالي يحقق لقب الدوري المحلي لثلاثة مواسم على التوالي، بالرغم من خسارته للعديد من النجوم التي يشتهر بورتو بتصديرها إلى أندية القارة الأوروبية سنويًا.
بداية السقوط
لا شك أن النجاحات المفاجئة التي حققها كل من دي ماتيو وبواش رفعت من مستوى التوقعات والطموحات، التي لم يكونا على قدرها لاحقًا، إذ سرعان ما بدأ مسلسل السقوط الكبير. الإيطالي الذي خرج من الباب الصغير للأزرق الإنجليزي بعد طرده، رغم كونه المدرب الذي حقق حلم رومان أبراموفيتش بالفوز بدوري الأبطال، عاد من باب الأزرق الألماني ليخوض أول تحدٍ له كمدرب بعقد غير مؤقت بعد تدريبه لويست بروميتش ألبيون موسم 2010-2011. ورغم الكثير من الآمال التي عُلّقت على مجيئه، ورغم الوعود بتحويل شالكه إلى منافس جدي على البوندسليجا، قام دي ماتيو في أواخر أيار/مايو من الموسم المنقضي بإعلان استقالته من منصبه، بعد فشله في حجز أحد المراكز المؤهلة إلى دوري الأبطال، ليصبح عاطلًا من العمل حتى الساعة.
في هذه الأثناء، كان زينيت سانت بيترسبورج الروسي قد أنقذ بواش من البطالة، بعدما منحه فرصة جديدة في عالم التدريب، يمحو بها إخفاقاته مع كل من تشيلسي وتوتنهام، وينقذ بها ما تبقى من سمعة بناها على مجهود الآخرين. وفي زينيت يمضي البرتغالي الفترة الأطول له كمدرب حتى الآن، إذ لم يسبق له الاستمرار مع أي من أنديته السابقة لأكثر من عام ونصف العام. وعلى ما يبدو، شكلت أجواء روسيا الباردة بيئة مناسبة لبواش، استطاع فيها إعادة النادي الروسي إلى منصات التتويج، بعد موسمين من السيطرة لنادي العاصمة موسكو "سسكا".
في ليلتي برشلونة وآليانز آرينا لم يكن دي ماتيو هجوميًا إطلاقًا
قيل قديمًا إن عجلة الحظ لا يدفعها إلا العمل الجاد، وأن الحظ لا يساند إلا الشجعان. ولحسن حظ القائل، فإنه لم يعش في زماننا هذا كي يشاهد بأم العين كيف أثبتت كرة القدم في القرن الحادي والعشرين أن جرعة كبيرة من الحظ قد يكون كل ما تحتاجه عندما تخونك الشجاعة. فمن كان شاهدًا على ليلة القبض على ذات الأذنين في أليانز أرينا، وقبلها في برشلونة، لا بد له أن يشهد أن روبيرتو دي ماتيو لم يكن شجاعًا بأي حال من الأحوال، ومن تابع موسم أندريه فيلاش بواش الوحيد مع بورتو لا بد له أن يعترف بأن البرتغالي "قطفها عن الشجرة".
وحتى يتمكن الرجلان من تحقيق إنجازات كروية أخرى مع أندية من الصف الأول، تحاكي إنجازيهما السابقين، سيظل هذان الاسمان، بالنسبة لكثيرين، عنوانًا لمعنى الحظ في عالم كرة القدم.