بوتين وترامب: فرصة لإعادة رسم التوازنات العالمية
28 يمشي 2025
منذ أن أصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة عام 2016، أدركت موسكو أن لديها فرصة فريدة لإعادة رسم التوازنات العالمية لصالحها. رغم كل الاتهامات حول التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية السابقة، فإن الكرملين تعامل مع ترامب باعتباره فرصة استراتيجية لكسر الهيمنة الأميركية التقليدية على السياسة الدولية. واليوم، تتابع موسكو المشهد السياسي في واشنطن بترقب وتحضير، محاولةً توظيف الظروف الراهنة لصالح أجندتها الجيوسياسية، وفقًا لتحليل نشرته مجلة "فورين أفيرز".
التواصل المبكر مع ترامب
حاول الكرملين التواصل مع ترامب فور فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2024، وذلك عبر القنوات الاستخبارية الرسمية بين البلدين، كما أعاد تفعيل روابط العلاقات مع شخصيات داخل دائرة ترامب. كان من أبرزها العلاقة بين الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، كيريل ديميتريف، وصهر ترامب، جاريد كوشنر، وأفراد آخرين من عائلة الرئيس وصولًا إلى مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، الذي يشرف الآن أيضًا على ملف العلاقة مع موسكو.
لم يقتصر تخطيط بوتين على استغلال نزعات ترامب الشخصية، بل سعى الكرملين أيضًا إلى كسب ودّ البيت الأبيض من خلال تقديم نفسه كقوة مستعدة لدعم أجندة ترامب العالمية
أدت هذه العلاقات إلى الوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى، وعقد اجتماع رفيع المستوى في الرياض في شباط/فبراير الماضي، حضره ديميتريف وويتكوف إلى جانب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز، ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ومساعد السياسة الخارجية في الكرملين يوري أوشاكوف. واتفق الجميع على العمل لإنهاء الحرب في أوكرانيا وتحسين العلاقات الثنائية.
أدت هذه الجهود أيضًا إلى مكالمتين مباشرتين بين ترامب وبوتين، واللتين كان لهما تأثير كبير على مواقف الرئيس الأميركي. لم يكن ترامب معجبًا أبدًا بزيلينسكي، لكنه بعد مكالمة 12 شباط/فبراير بدأ في ترديد المزاعم الروسية، واصفًا زيلينسكي بـ"الديكتاتور" وقلقًا بشأن الفساد في أوكرانيا. في المقابل، ردد بوتين مزاعم حملة ترامب بأن "سرقة" الانتخابات الأميركية عام 2020 كانت السبب في اندلاع الحرب مع أوكرانيا.
إنهاء الحرب الأوكرانية.. مراوغات #ترامب و #بوتين قد تكلف #كييف ثمنًا قاسيًا.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 17, 2024
اقرأ أكثر في التقرير: https://t.co/Wrnd3yMU7q pic.twitter.com/IK6ZfAeUVi
اللعب على وتر ترامب
لم يقتصر تخطيط بوتين على استغلال نزعات ترامب الشخصية، بل سعى الكرملين أيضًا إلى كسب ودّ البيت الأبيض من خلال تقديم نفسه كقوة مستعدة لدعم أجندة ترامب العالمية. فقد أبدت روسيا استعدادها لمساعدة الولايات المتحدة في التوصل إلى صفقة مع إيران، ووافقت على فكرة ترامب بتخفيض الميزانيات العسكرية إلى النصف، كما لمحت إلى إمكانية إقناع الصين بالانضمام إلى هذا النقاش.
أقنع الكرملين أيضًا إدارة ترامب بأن الحرب في أوكرانيا ليست سوى عقبة أمام شراكة أميركية-روسية. ولعب بوتين على هذا الوتر عبر تصوير زيلينسكي كعائق أمام تحقيق اتفاق سلام، حيث سعى إلى إقناع ترامب بأن إصرار كييف على الحصول على ضمانات أمنية قوية يعقد المفاوضات ويجعل التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة.
تداعيات الحرب في أوكرانيا على العلاقات الأميركية-الروسية
ترى "فورين أفيرز"، أن الحرب في أوكرانيا مثلت نقطة تحول في العلاقات بين موسكو وواشنطن، حيث وصلت العلاقات بين البلدين إلى أدنى مستوياتها منذ الحرب الباردة.
إدارة بايدن فرضت عقوبات قاسية على روسيا، وقدمت دعمًا عسكريًا وماليًا هائلًا لأوكرانيا. لكن موسكو، رغم الضغوط، نجحت في استغلال هذه المواجهة الطويلة لإعادة توجيه استراتيجياتها الاقتصادية والدبلوماسية، مستفيدةً من التحولات العالمية ومن موقف الصين المتنامي كحليف اقتصادي وسياسي. ومع تصاعد التوترات داخل الولايات المتحدة بشأن استمرار دعم أوكرانيا، رأى الكرملين أن عودة ترامب للبيت الأبيض من جديد قد تغير قواعد اللعبة جذريًا.
بوتين أبدى استعداده لإجراء مفاوضات مع كييف على أساس المحادثات التي عُقدت في ربيع العام 2022 في حال أرادت أوكرانيا ذلك.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) September 5, 2024
اقرأ أكثر: https://t.co/GoYSL20ikT pic.twitter.com/3Fn0wEVCkL
ترامب ومواقفه تجاه روسيا وأوكرانيا
في المقابل، تلفت المجلة، إلى أن القيادة الروسية تدرك أن دفء ترامب تجاهها قد لا يدوم إلى الأبد. فالرئيس متقلّب. وخلال تجربة ولايته الأولى، تبددت آمال الكرملين في تحسين العلاقات بعد أن فرض الكونغرس عقوبات جديدة على روسيا وقدّم البيت الأبيض أسلحة فتاكة إلى أوكرانيا. لذا من غير المرجح أن تقبل إدارته جميع مطالب الكرملين القصوى دون نقاش.
لكن موسكو تستعد لاستغلال ترامب لأقصى حد ولأطول فترة ممكنة. يأمل الكرملين في عقد اجتماع ثنائي مباشر بين بوتين وترامب يتم خلاله إبرام صفقة وقف الحرب في أوكرانيا، وهو بالضبط ما يريده ترامب، مقابل تقديم ضمانات تجعل أوكرانيا ضعيفة بشكل دائم.
يفضل بوتين اتفاقًا يفرض قيودًا متعددة على كييف ويمنح موسكو صوتًا دائمًا في السياسة الأوكرانية، لكنه قد يرضى باتفاق يحد من الدعم العسكري الغربي لأوكرانيا. يعتقد الكرملين أن ذلك سيكون كافيًا لضمان انتصار موسكو في النهاية. حتى لو رفض الأوكرانيون وحلفاؤهم الأوروبيون الاتفاق، فإن ترامب سيكون لديه سبب لإنهاء الدعم الأميركي لكييف بشكل دائم.
في هذا السياق، تعتمد روسيا على حملة تضليل إعلامي مكثفة داخل الولايات المتحدة، مدعومة بوسائل الإعلام الموالية لها وشبكات التواصل الاجتماعي، لمحاولة التأثير على الرأي العام الأميركي وتقوية الاتجاهات المعادية للدعم العسكري لكييف.
التأثيرات الاقتصادية
من الناحية الاقتصادية، يواجه الاقتصاد الروسي تحديات كبيرة إذا استمرت الحرب وبقيت البلاد خاضعة للعقوبات. لكن، وفقًا لتحليل "فورين أفيرز"، فإن البنك المركزي الروسي ووزارة المالية يُديرهما خبراء تكنوقراط أكفاء، مما يمنح موسكو قدرة على تجنب وقوع كارثة اقتصادية.
📌 تبادلت كييف وموسكو الاتهامات بشأن ضربات جوية استهدفت البنية التحتية ما تسبب في اندلاع حرائق وأضرار واسعة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 19, 2025
📌 في ظل هذا التصعيد، دعت الولايات المتحدة إلى جولة جديدة من المفاوضات مع روسيا يوم الأحد المقبل في مدينة جدة السعودية.
اقرأ أكثر: https://t.co/DgxLyB3GfQ pic.twitter.com/Rg6vRdgSGE
ففي الشهرين الأولين من عام 2025، بلغ الإنفاق الحكومي الروسي مستوى قياسيًا قدره 96 مليار دولار، وذلك بفضل المدفوعات الموجهة للإنتاج العسكري. وقد ساهم ذلك في تجنب حدوث ركود اقتصادي، كما أن أسعار الفائدة المرتفعة التي بلغت 21 %التي فرضها البنك المركزي حالت دون حدوث تضخم مفرط. ويتوقع البنك المركزي أنه في حال عدم وجود ضغط سياسي لتوجيه المزيد من الموارد إلى الحرب، فإن الاقتصاد سيشهد تباطؤًا سلسًا. سيتراجع النمو، ولكن تدريجيًا، وسيؤدي هذا التباطؤ إلى الحد من التضخم. وستتمكن موسكو من تجنب أي أزمات مالية كبيرة أو اضطرابات اقتصادية.
بالإضافة لذلك، عززت روسيا علاقاتها التجارية مع الصين، الهند، وإيران، ووسعت نطاق التعاملات بالعملات المحلية للحد من تأثير العقوبات الغربية. كما استفادت من التصدير المستمر للنفط والغاز إلى الأسواق البديلة، مما مكنها من الحفاظ على استقرار اقتصادي نسبي رغم العقوبات.
وترى موسكو أن عودة ترامب قد تؤدي إلى تغيير في السياسة الأميركية تجاه العقوبات، لا سيما أن نهجه الاقتصادي يميل إلى تقليل التدخلات الخارجية والضغط على الحلفاء الأوروبيين لتحمل المزيد من الأعباء المالية.
التأثيرات العسكرية والجيوسياسية
أما على الصعيد العسكري، فإن موسكو تدرك أن استمرار الحرب في أوكرانيا ينهك الغرب، ويضغط على موارد حلف "الناتو"، ويؤدي إلى حالة من الاستنزاف السياسي داخل الولايات المتحدة وأوروبا. وفي حال تم تخفيض الدعم الأميركي لكييف ستضع أوكرانيا أمام خيارين: إما التفاوض بشروط روسية، أو مواجهة تراجع استراتيجي كبير. هذا السيناريو يمثل ربحًا سياسيًا وجيوسياسيًا هائلًا لبوتين.
التحديات التي تواجه الاستراتيجية الروسية
مع ذلك، لا تخلو الاستراتيجية الروسية من تحديات. فترامب، رغم مواقفه المتساهلة نسبيًا مع موسكو، لا يمكن التنبؤ بسياسته الخارجية، وهو معروف بنزعته الانعزالية التي قد تؤثر حتى على علاقاته مع الكرملين. كما أن المؤسسات الأميركية، مثل البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية، قد تلعب دورًا في فرملة أي توجهات قد تصب في صالح موسكو. علاوة على ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي تأثر بشكل مباشر بالحرب في أوكرانيا، قد يزيد من دعمه لكييف لتعويض أي تراجع أميركي محتمل.
الاتحاد الأوروبي يخصص 800 مليار دولار لدعم #أوكرانيا وإعادة التسليح خلال قمته الطارئة في بروكسل.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 9, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/Gv9izW12T7 pic.twitter.com/qyShINNQ7E
هل تراهن موسكو بالكامل على ترامب؟
تستمر روسيا في استراتيجيتها القائمة على استنزاف الغرب، وتوسيع نفوذها الدولي، وخلق نظام عالمي متعدد الأقطاب. لكن تجد موسكو نفسها متغيرات قد تعرقل خططها. فالاقتصاد الروسي، رغم قدرته على الصمود حتى الآن، لا يزال معرضًا لضغوط العقوبات والتكاليف المرتفعة للحرب. كما أن استمرار تدفق الأسلحة الغربية، حتى لو تباطأ، قد يطيل أمد الصراع ويمنع روسيا من تحقيق نصر حاسم. والأهم من ذلك، فإن قدرة أوكرانيا على تنظيم دفاعها وتعبئة قواتها ستظل العامل الحاسم في أي تسوية مستقبلية.
في نهاية المطاف، ترى "فورين أفيرز" أن الحسابات الروسية تعتمد على موقف الغرب: هل سيتمكن الاتحاد الأوروبي من تعويض غياب الولايات المتحدة؟ وهل ستتمكن أوكرانيا من الصمود دون دعم واشنطن؟ هذه الأسئلة ستحدد مستقبل الحرب، وما إذا كانت موسكو قادرة على تحقيق ما تعتبره "نصرًا استراتيجيًا".