بين الواقعية والمكابرة.. لماذا يرفض نتنياهو وقف الحرب في غزة؟
1 ديسمبر 2024
وصلت وفودٌ من حركة "حماس"، و"الجهاد الإسلامي"، وحركة "فتح" إلى العاصمة المصرية القاهرة، لمناقشة مبادرة أفكار قدمها الوسطاء مؤخرًا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، إضافةً إلى إدارة القطاع.
يشار إلى أن رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، أبدى في مقابلته الأخيرة مع القناة الـ14 الإسرائيلية استعداده للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة دون أن يعني ذلك عنده إنهاء الحرب. كما تحدث، لأول مرة، عن النقص في الذخيرة كعامل من العوامل التي دفعت لاتفاق وقف إطلاق النار مع "حزب الله في" لبنان.
هذه النقطة بالذات دفعت صحيفة "واشنطن بوست" لطرح السؤال التالي: لماذا يضع نتنياهو فيتو على الاتفاق مع "حماس"، في الوقت الذي لم تستغرق موافقته على اتفاق في لبنان وقتًا طويلًا؟
ما حدث في لبنان يؤكد أن نتنياهو غير قادر على تحقيق نصر مطلق في غزة رغم إصراره على مواصلة الحرب
اجتماعات القاهرة: إدارة قطاع غزة على رأس جدول الأعمال
وصل وفد حركة "حماس" إلى العاصمة المصرية، بقيادة القائم بأعمال الحركة خليل الحية وعضوية زاهر جبارين وموسى أبو مرزوق وباسم نعيم ومحمود المرداوي. فيما يقود وفد حركة "فتح" روحي فتوح، برفقة عزام الأحمد ومحمود العالول، ويشارك وفد الجهاد الإسلامي بقيادة نائب الأمين العام محمد الهندي.
وقدِمت الوفود الفلسطينية إلى القاهرة بدعوة مصرية، حيث ستلتقي رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد والمسؤولين المعنيين بملف الوساطة مع الاحتلال الإسرائيلي، وذلك في محاولة مصرية "لحسم النقاط الخلافية بشأن لجنة إدارة قطاع غزة"، على اعتبار أن هذا الملف يمثل إحدى النقاط المفصلية في التوصل إلى قرار بإنهاء الحرب مع الاحتلال الإسرائيلي.
وبحسب ما نقلته صحيفة "العربي الجديد" عن مصادر مصرية، فإن "الأجواء إيجابية ومواتية للتوصل إلى تفاهمات توقف الحرب على غزة في ظل الأفكار الجديدة لتحريك الملف والتعزيز الأميركي لتلك الجهود".
يشار إلى أنه بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان، استأنفت الولايات المتحدة الأميركية وعدة أطراف إقليمية مساعي التوصل لاتفاق مشابه في غزة، وتتحدث مصادر عن إمكانية قبول "حماس" والطرف الإسرائيلي باتفاق مرحلي، على أمل أن يصعّب ذلك مستقبلًا على إسرائيل معاودة الحرب، خاصةً أن لدى جيش الاحتلال رغبة في إنهاء الحرب لترميم قدراته العسكرية، كما تمثل المشاكل الاقتصادية التي ولدتها الحرب عامل ضغط على صانع القرار الإسرائيلي. وفضلًا عن ذلك، تبدو إدارة بايدن وإدارة ترامب التي ستخلفها بعد أقل من شهرين على قناعة بحتمية توقف الحرب.
لماذا يعاند نتنياهو في موضوع الاتفاق مع حماس؟
يزعم مناصرو نتنياهو أن اتفاق وقف إطلاق النار مع "حزب الله" دليل على أن إسرائيل قادرة على استخدام قوتها العسكرية لإجبار أعدائها على تلبية مطالبها، دون اللجوء إلى أنواع التنازلات التي تنادي بها إدارة بايدن الضعيفة.
لكن صحيفة "واشنطن بوست"، تعتقد أن الاتفاق يُظهِر عكس ذلك تمامًا. ففي حين تستطيع إسرائيل بكل تأكيد إلحاق خسائر فادحة بأعدائها، فإنها لا تستطيع ببساطة هزيمتهم، بل ستضطر بدلًا من ذلك إلى التعايش مع خصومها على حدودها على أمل أن تتمكن من ردعهم عن المزيد من الأعمال العدائية في المستقبل القريب.
وترى واشنطن بوست أن "من حسن حظ" نتنياهو أنه أدرك حدود القوة العسكرية الإسرائيلية في لبنان. والسؤال الآن: هل سيعترف يومًا ما بحدود القوة العسكرية في قطاع غزة؟
وجهت إسرائيل، حسب "واشنطن بوست"، ضربات قوية لـ"حزب الله"، وخاصة منذ منتصف أيلول/سبتمبر، عندما فجرت أجهزة النداء واللاسلكي التي يستخدمها قادة الحزب. وقد لخص نتنياهو إنجازات إسرائيل في إعلانه عن وقف إطلاق النار الثلاثاء الماضي بالقول: "لقد قضينا على كبار قادة الحزب، ودمرنا معظم صواريخهم وقذائفهم، وقتلنا الآلاف من عناصره، ودمرنا البنية التحتية للإرهاب تحت الأرض المتاخمة لحدودنا، وهي البنية التحتية التي كانوا يبنونها لسنوات" على حد زعمه.
لكن من الواضح أن "حزب الله"، على الرغم من تدهوره بشكل كبير كقوة عسكرية، بعيدٌ كل البعد عن الهزيمة، ناهيك عن تدميره وفقًا لـ"واشنطن بوست".
فقبل يومين فقط من إعلان وقف إطلاق النار، أطلق "حزب الله" حوالي 250 صاروخًا وقذيفة أخرى على أهداف في وسط وشمال إسرائيل، في هجوم من أعنف الهجمات التي يشنها منذ شهور.
يضاف إلى ذلك أن الحكومة الإسرائيلية لم تُصدر أي تقديرات للخسائر في صفوف الحزب، على عكس "حماس"، وهو ما يشير إلى أن الأرقام ليست مثيرة للإعجاب بما يكفي للإعلان عنها.
وتشير تقارير معهد إسرائيل لدراسات الأمن القومي إلى أن "حزب الله" فقد ما مجموعه 2450 مقاتلًا من أصل ما يقدر بنحو 40 ألفًا إلى 50 ألف مقاتل. وعليه، فلا شك أن "حزب الله" ما زال يملك عشرات الآلاف من الصواريخ والمقاتلين الذين يمكنهم أن يعيدوا بناء قدراته العسكرية.
ومن المرجح، حسب الصحيفة الأميركية، أن يعود الحزب اللبناني إلى جنوب لبنان بجوار الحدود الإسرائيلية ـ بغض النظر عما تنص عليه اتفاقية وقف إطلاق النار. والواقع أن أحدث اتفاق لوقف إطلاق النار يدعو في الأساس إلى إحياء قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، الذي أنهى في عام 2006 آخر حرب بين إسرائيل و"حزب الله".
وكان القرار يدعو قوات حزب الله إلى الانسحاب شمال نهر الليطاني (على بعد نحو عشرين ميلًا من الحدود الإسرائيلية)، مع تحرك القوات المسلحة اللبنانية لتأمين جنوب لبنان. وكان من المفترض أن تتولى قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة مراقبة الامتثال للقرار.
يسعى نتنياهو إلى مواصلة الحرب في غزة للحفاظ على مستقبله السياسي والبقاء على رأس السلطة
لكن الضعف الذي يعاني منه الجيش اللبناني حال دون قيامه بتلك المهمة، ولا تختلف حالة الجيش اليوم عن حالته أمس بكثير حسب "واشنطن بوست". كما لا تملك قوات حفظ السلام الأممية الإمكانيات التي تمكنها من تنفيذ الاتفاق على الواقع.
كما لم يمنع وقف إطلاق النار في عام 2006 "حزب الله" من تعزيز قواته على الحدود الشمالية لإسرائيل، لن يمنعه وقف إطلاق النار الذي تم الاتفاق عليه هذا الأسبوع ذلك. وتضيف الصحيفة الأميركية أنه "بمجرد عودة اللاجئين اللبنانيين إلى جنوب لبنان، فسوف يكون مقاتلو حزب الله بين ظهرانيهم".
إن محاولة منع "حزب الله" من إعادة بناء نفسه في المنطقة تتطلب من الجنود الإسرائيليين، حسب "واشنطن بوست"، احتلال "جنوب لبنان بأنفسهم، ولكن بعد أن فعلوا ذلك من عام 1982 إلى عام 2000، فإنهم لا يرغبون في تحمل هذه المهمة الشاقة مرة أخرى. وهذه المرة، حرص نتنياهو على إبقاء الهجوم البري على بعد أميال قليلة من الحدود الإسرائيلية لتجنب المستنقع المكلف".
ورغم أن نتنياهو لن يعترف بذلك علنًا، فإنه يبدو أنه أجرى حسابًا خاصا مفاده أن إسرائيل تستطيع أن تتعايش مع مقاتلي "حزب الله" على حدودها طالما أنهم يُردعون عن مهاجمة إسرائيل فعليًا.
لقد اشترى اتفاق وقف إطلاق النار في عام 2006 نحو 17 عامًا من السلام، وإذا نجح الاتفاق الحالي في تحقيق الشيء نفسه، فسوف يكون ذلك إنجازًا مهمًا، إنجاز من شأنه أن يسمح، حسب واشنطن بوست، لأكثر من ستين ألف لاجئ إسرائيلي بالعودة إلى ديارهم وإعادة بناء مجتمعاتهم في شمال إسرائيل.
والسؤال الآن: لماذا، إذا كان نتنياهو على استعداد لإبرام اتفاق تسوية مع حزب الله، لا يكون على استعداد للقيام بنفس الشيء مع حماس؟
يبدو نتنياهو من هذا المنطلق مكابرًا، ففي الخطاب نفسه الذي أعلن فيه وقف إطلاق النار في لبنان، تعهد بأن "يكمل مهمة القضاء على حماس"، وهي المهمة التي يقول القادة العسكريون في إسرائيل إنهم لا يستطيعون تحقيقها.
إن القضية إذن قضية سياسية، إنها قضية المستقبل السياسي لنتنياهو، الذي لا يجد ما يمنعه من تشييده على أشلاء الجنود الإسرائيليين والخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي.