تحالف العيون الخمس.. هل تتسّبب سياسات ترامب في تفكيك أقوى تحالفٍ استخباراتي؟
17 يمشي 2025
يعود تاريخ تأسيس تحالف "العيون الخمس" إلى الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة، حيث يضم خمس دول ناطقة بالإنجليزية: الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وأستراليا، ونيوزيلندا، وكندا. ومع مرور الوقت، تحول هذا التحالف الاستخباراتي إلى أقوى شبكة تعاون استخباري في العالم، خاصة في مجال جمع وتحليل وتبادل المعلومات ذات الطابع السري، لا سيما فيما يتعلق بالتنصت والمراقبة الإلكترونية. وبفضل تعمّق التعاون بين أعضائه، باتت الأجهزة الاستخباراتية التابعة للدول الخمس تتشارك المعلومات الحساسة بصورة تلقائية، بل وصل الأمر، على سبيل المثال، إلى حد تولّي ضباط أميركيين إدارة عمليات من داخل بريطانيا والعكس صحيح، وفقًا لمجلة "إيكونوميست".
لكن هذا التحالف القوي يواجه اليوم تهديدًا غير مسبوق مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لا سيما بعد تعيين تولسي غابارد على رأس جهاز الاستخبارات الوطنية الأميركية.
إذ أثار تعيين غابارد، المعروفة بمواقفها المؤيدة لروسيا، قلقًا واسعًا ليس فقط داخل وكالات الاستخبارات الأميركية، وإنما أيضًا بين أجهزة الاستخبارات الحليفة. ومع ذلك، فإن تعيين غابارد ليس السبب الوحيد للتوتر داخل شبكة التحالفات الاستخباراتية الأميركية، فقد أوقف ترامب مؤخرًا تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا لمدة أسبوع، في محاولة للضغط على كييف لتقديم تنازلات، كما لوّح بإمكانية استبعاد كندا من تحالف "العيون الخمس" وضم دول جديدة إليه.
بات تماسك تحالف العيون الخمس مهدّدًا بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وتعيينه تولسي غابارد على رأس الاستخبارات الوطنية الأميركية وكاش باتيل على مكتب التحقيقات الفيدرالي
أما غابارد، فقد فاجأت الجميع في الثاني من آذار/مارس الجاري بتصريحات اتهمت فيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالسعي إلى "إشعال حرب عالمية ثالثة، وربما حتى حرب نووية". ومع ذلك، فإن مثل هذه التصريحات ليست مفاجئة بالنظر إلى تاريخها. فوفقًا لمجلة "إيكونوميست"، تمتلك مديرة الاستخبارات الأميركية الجديدة سجلًا طويلًا من "الآراء المؤامراتية والمواقف المؤيدة لروسيا"، كما أشار بعض من عملوا معها عن قرب إلى أنها كانت تقرأ وتشارك بانتظام دعاية تبثها قناة "آر تي"، الناطقة باسم الكرملين.

إلى أين يسير تحالف العيون الخمس الاستخباري؟
يدور الحديث في الدوائر المخابراتية عن 3 احتمالات لمستقبل تحالف العيون الخمس، أولها، وهو الأخطر، أن يتّخذ ترامب قرارًا باستبعاد كندا من التحالف أو انسحاب واشنطن منه، وسيكون ذلك بمثابة إعلان تعطيل للتحالف، وثاني الاحتمالات أن يبدأ حلفاء واشنطن بتقليل اعتمادهم على التعاون مع الولايات المتحدة خوفًا من تسريب المعلومات أو تسييسها، علمًا بأن ترامب سبق وأن قام خلال ولايته الرئاسية الأولى، بتسريب أسرار إسرائيلية لوزير خارجية روسيا. لكن السيناريو الأكثر ترجيحًا هو السيناريو الثالث المتمثل في أنّ حرب ترامب على البيروقراطية الفيدرالية وتسييس مجتمع الاستخبارات، عبر تعيين أسماء مثيرة للجدل مثل كاش باتيل الذي عُيّن على مكتب التحقيقات الفيدرالي وغابارد التي عينت على الاستخبارات الوطنية، مقابل إقالة أسماء معروفة بالكفاءة، ستسبب اضطرابًا وشللًا في أجهزة الاستخبارات الأميركية، الأمر الذي سيمتد تأثيره إلى التعاون مع الحلفاء، لا سيما مع تحالف العيون الخمس.
الاحتواء والاستمرار
لا يُعدّ تحالف "العيون الخمس" مجرد إطار تحالف تقني، بل هو، وفقًا للخبراء، "شبكة متداخلة يصعب فصل أحد أطرافها دون التأثير على النظام بأكمله". وعلى مدار أكثر من سبعة عقود، تعرض التحالف لهزات عديدة، لكنه نجح في تجاوزها، كما حدث خلال أزمة قناة السويس في الخمسينيات، وأزمة موانئ نيوزيلندا في السبعينيات، واحتلال العراق عام 2003. ورغم الخلافات بين أعضائه حول تلك الأزمات، ظلّ تحالف العيون الخمس متماسكًا، مما يجعل من المستبعد أن يتفكك اليوم نتيجة التوترات الحالية بين إدارة ترامب وكندا، أو بسبب التغييرات التي أحدثها ترامب في مجتمع الاستخبارات الأميركية.
علاوة على ذلك، لكل دولة في التحالف دور حيوي يصعب تعويضه. فمثلًا، تضطلع كندا بأدوار أساسية في مراقبة منطقة القطب الشمالي، بينما تلعب أستراليا دورًا محوريًا في مراقبة الأنشطة الصينية.
حاليًا، يرى المحللون أن التحالف لم يصل بعد إلى "أزمة كبرى"، إذ لا تزال المعلومات تتدفق بسلاسة بين أعضائه. ومع ذلك، يحذّر الخبراء من أن سياسات ترامب، ولا سيما استهدافه للبيروقراطية الفدرالية وإقالته لضباط الاستخبارات، قد تؤدي إلى مزيد من الفوضى.
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير في الشؤون الأمنية، جون فيريس، في حديثه لمجلة "إيكونوميست"، أن "الشراكة الاستخباراتية بين دول تحالف العيون الخمس ظلت قوية رغم الأزمات، لأن الوكالات الأميركية كانت تدرك أهمية الحلفاء". لكنه في الوقت ذاته لا ينفي أن مجتمع الاستخبارات الأميركية يمر اليوم بوضع مختلف، تتسم أجواؤه بالخوف والقلق بشأن المستقبل، في ظل رئاسة ترامب الذي يتهم الأجهزة الاستخبارية في بلاده بنسج المؤامرات ضده وضد أنصاره، وتلفيق الأكاذيب.