تحقيق.. كيف تعاونت إيران وروسيا في توزيع ونقل الأسلحة عبر سوريا؟

سلّط تحقيق لـ"بي بي سي" الضوء على تجارة الأسلحة المشبوهة خلال حكم بشار الأسد المطاح به، وركز التقرير بشكلٍ خاص على الطريقة التي تعاونت بها إيران وروسيا ونظام الأسد في نقل الأسلحة عبر سوريا إلى لبنان.واعتبرت القناة البريطانية أنّ الإطاحة بنظام الأسد الذي كان يعد أحد أهم ركائز النفوذ الروسي في المنطقة يطرح أسئلة تظلّ أجوبتها معلقة عمّا قد قد يحدث للقواعد الروسية في سوريا ولوسائل طهران الأخرى في توزيع ونقل الأسلحة إلى حليفها حزب الله في لبنان وإلى مختلف أنحاء المنطقة.

بيئة غامضة عملت فيها موسكو وطهران على تعزيز علاقاتهما:

بدأت بي بي سي "تحقيقها" بالإشارة إلى مقطع فيديو ـ وصفته بغير العادي ـ قامت قناة الدعاية الروسية "آر تي" ببثه فاتح تشرين الأول/أكتوبر 2024، حيث عرض الفيديو الذي صُوّر في مطار حميميم، الذي تتخذ منه روسيا قاعدة عسكرية، وقائعَ عمليةِ تسليمِ ما قيل إنها مساعدات إنسانية من روسيا لللّاجئين والنازحين،  وكانت الشحنة عبارة عن بطانيات خضراء، تمّ تفريغها من طائرة تحمل شعار شركة الطيران الإيرانية "قشم فارس إير". عند هذه اللحظة التي أفرغت فيها الطائرة الإيرانية الشحنة المحمولة على متنها من البطانيات انتهى مقطع الفيديو المصور من طرف رجلين يرتديان زيًّا مموّهًا يحمل شعار الشرطة العسكرية الروسية.

الإطاحة بنظام الأسد الذي كان يعد أحد أهم ركائز النفوذ الروسي في المنطقة يطرح أسئلة تظلّ أجوبتها معلقة عمّا قد قد يحدث للقواعد الروسية في سوريا ولوسائل طهران الأخرى في توزيع ونقل الأسلحة

بعد بث الفيديو بيومين، تقول بي بي سي، إن وسائل إعلام دولية تناقلت أنباء عن غارة جوية إسرائيلية على مستودع بالقرب من قاعدة حميميم العسكرية الروسية، مضيفة أن القناة الروسية بثت فيديو لما أسفر عنه الحادث، الذي لم يظهر فقط الحريق الناتج عن الغارة، بل أظهر أيضا ما يعرف بالانفجارات الثانوية. ويعتقد البعض أن هناك علاقة بين الفيديو الذي بثته قناة آر تي والغارة الجوية التي جاءت في إثره.

ونقلت بي بي سي عن مصدر وصفته بالمطلع على مجريات ما يحدث في حميميم قوله: الجميع يعلمون أن البطانيات يمكن أن تنفجر أيضا. وعند سؤال هذا المصدر عما إذا كانت إيران تشحن الأسلحة باستخدام القنوات العسكرية الروسية المسؤولة عن توزيع المساعدات، قال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن هويته: ماذا تتوقعون مني أن أقول؟ لقد انفجرت تلك البطانيات بقوة لدرجة أنها كادت تقضي على حميميم بالكامل. وذلك في إشارة واضحة إلى إخفاء الأسلحة في البطانيات التي نقلت من روسيا إلى سوريا على متن طائرة من طراز بوينغ تحمل شعار شركة الطيران الإيرانية قشم فارس إير.

ومع ذلك، تنقل بي بي سي عن ليكيتا سماغين، وهو خبير في شؤون المنطقة، قوله: إن قاعدة حميميم لا تشكل مركز العبور الرئيسي لإيران إلى لبنان، فقد كانت إيران، حسب هذا الخبير، تمتلك ممرًا لوجستيًا بريًا كانت إسرائيل تهاجمه بانتظام، لكن معظم ما مر عبره وصل إلى سوريا ولبنان على أي حال، ولكن ليس عبر القواعد الروسية. إلا أن سماغين، الذي يرى أن القواعد العسكرية الروسية ظلت طرقا غير مهمة نسبيا لمثل هذه الشحنات، أضاف: لكن مع التغيير في القيادة السورية قد تصبح تلك القواعد أكثر أهمية.

وأرف سماغين: "خسرت إيران كل شيء تقريبًا في سوريا، لأن البلاد خرجت من دائرة نفوذها. ومن الناحية النظرية، لا يزال من الممكن أن تمر شحنات قليلة عبر حميميم. ولكن إذا سمحت روسيا بذلك، فقد تتراجع فرص توصّلها إلى اتفاقٍ مع السلطات السورية الجديدة إلى حدٍ كبيرٍ".

ونقل التحقيق عن ساريت زهافي المتخصصة في شؤون المخابرات الحربية والتي حملت رتبة عقيد قبل تقاعدها من جيش الاحتلال الإسرائيلي، قولها: "لاحظنا للمرة الأولى وجود طائرات إيرانية يُعرف عنها أنها تستخدم في نقل الأسلحة في جميع أنحاء المنطقة في قاعدة حميميم الجوية في أوائل 2023"، معتبرةً أنّ الضربات التي وجّهتها إسرائيل لمطارات في دمشق وحلب، ألجأت إيران فيما يبدو إلى مطار حميميم بوصفه بديلًا عن تلك المطارات التي لم تعد طائراتها تستطيع الهبوط فيها.

أسلحة روسية في جنوب لبنان:

نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي مقطعًا لما قال إنها أسلحة روسية في مخابئ بجنوب لبنان، وضمت الأسلحة بنادق كلاشينكوف ورؤوسًا حربية لنظام صواريخ كورنيت المضادة للدبابات، ويمكن أن يصل مدى تلك الرؤس إلى 5 كيلومترات في خط مستقيم، ما يعني أنها قد تستخدم في الهجوم على القرى والمدن الإسرائيلية التي لا تبعد سوى 3 كيلومترات من الحدود.

ويرجّح جندي إسرائيل تحدث لـ"بي بي سي" أنّ ترسانة الأسلحة تلك "نُقلت من سوريا إلى جنوب لبنان برًّا"، لكنّ اللافت للانتباه أكثر، حسب مصدر تحدث لـبي بي سي أنّ "الأختام التي عثر عليها مع الأسلحة، والصادرة عن وكالة تصدير الذخيرة الروسية، تعني أن صواريخ كورنيت بيعت إلى منظمة رسمية مصرح لها باستيرادها"، وأضاف مصدر القناة أنّ "أول منظمة تتبادر إلى الذهن وسط هذه الأوضاع هي الجيش السوري. وكما نعلم، كانت له علاقات وثيقة مع عناصر حزب الله في سوريا".

كما نقل التحقيق عن مصدر مخابراتي آخر قوله "إن معظم الأسلحة الروسية التي عثر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وصلت إلى هناك بمعرفة جيش  الأسد".

وأشار تحقيق بي بي سي إلى ما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال في وقت سابق من أنّ "بعض صواريخ كورنيت التي عُثر عليها في جنوب لبنان صُنعت في 2020 وكانت ضمن مخزونات السلاح الروسية في سوريا"، وكانت إسرائيل، حسب الصحيفة، تعتقد "قبل العثور على تلك الترسانة، أن حزب الله يمتلك مخزونًا قديمًا من الحقبة السوفيتية فقط".

تأسيسًا على ما سبق، ترجّح مصادر بي بي سي أن نظام الأسد ظل يزود "حزب الله بالأسلحة الروسية لحين سقوطه، وبعد ذلك ينقلها إلى لبنان"، وتعتقد ذات المصادر، أنّ روسيا، "غضّت الطرف عن ذلك".

وأشار التحقيق، في هذا الصدد، إلى أنّ العلاقات الروسية الإسرائيلية، عرفت بعض التراجع، إذ لم يعد لرأي تل أبيب أهمية كبيرة لدى موسكو منذ عام 2022، ويعود ذلك في جانبٍ كبير منه إلى طبيعة العلاقات بين الروس وجيش الأسد، وعلاقاتها التي تعزّزت مع إيران. كما أشارت مصادر التحقيق إلى أنّ حزب الله، الذي كان حليفًا لنظام الأسد، كان يتصرف في سوريا "بالتنسيق مع القوات الروسية المنتشرة والمتمركزة هناك".

ويزعم تحقيق "بي بي سي" أنّ الضربات الجوية الإسرائيلية، دمّرت ما يناهز 80 % من ترسانة الأسلحة السورية، والقليل المتبقي منها بات تحت سيطرة السلطات الجديدة في البلاد. كما لفت التحقيق النظر إلى أنّ القيادة الجديدة في سوريا تتشكل من مكونات على عداء مع إيران، وهذا ما يطرح أسئلة عديدة حول مصير الدعم الذي كان يتلقاه حزب الله في لبنان من سوريا ومصير وسائل عمل إيران وروسيا في سوريا.