ترامب يوزّع الخوف والانقسام داخليًا والاضطرابات والأزمات خارجيًا
21 يناير 2025
بدا حفل تنصيب ترامب للناظرين إليه من الخارج حفلًا عاديًا لانتقال السلطة بين رئيسين للولايات المتحدة الأميركية، لكنّ قراءةً متفحصة لخطاب ترامب، تُبدي حقيقةً أخرى حول مستقبلٍ قاتم للسياسة الأميركية داخليًا وخارجيًا. ففي ثنايا سطور خطاب ترامب ظهرت طموحاتٌ استبدادية، تؤكد أن عصرًا جديدًا من الاستقطابات والصراعات والانقسامات قد بدأـ بالفعل.
مرّر ترامب في خطابه صورةً طالما حرص على إقناع الأميركيين بها، وهي صورةُ أميركا الخاضعة أو الراكعة التي تحتاج إلى من يعيد إليها عظمتها من جديد، وليس ذلك الشخص القادر على جعل الولايات المتحدة تقف مستوية على قدميها سوى ترامب نفسه.
وعلى الرغم ممّا فيه هذه الصورة من تعالٍ وقفزٍ على الحقائق، فإنّ الوسائل التي يسعى من خلالها ترامب إلى تحقيق شعار "إعادة أميركا عظيمة مرة أخرى" هي مثار الإشكال الحقيقي الذي يهدد بتفجير الأوضاع، حيث أشهر ترامب أكثر من سلاح ضدّ خصومه وأعدائه السياسيين.
خاطب ترامب الأميركيين قائلًا "أنتم على أعتاب أعظم 4 سنوات في التاريخ الأميركي"
وظهر ذلك الأمر جليًّا في إعلانه حالتيْ طوارئ بشأن موضوع الهجرة وأمن الحدود وأنشطة الحفر الخاصة بالبحث عن النفط والغاز. متعهّدًا في الحالة الأولى بطرد من وصفهم بالمجرمين في إشارة منه إلى 11 مليون مهاجر أجنبي يوجدون حاليًا على الأراضي الأميركية، وفي الحالة الثانية تعهّد للأميركيين بالتنقيب عن ما وصفه بـ"الذهب السائل الموجود تحت أقدامنا" ضاربًا عرض الحائط بالقيود البيئية والمناخية. وبشأن القضايا الخارجية، فإنّ دعوته بشأن انتزاع قناة بنما تشير فعلًا إلى طموحاتٍ تتعلق بإعادة تشكيل النظام العالمي عبر استعمال القوة. تجدر الإشارة إلى أن ترامب يتّهم الصينيين بالاستحواذ على القناة.
فضلًا عن ذلك تؤكد الأوامر التنفيذية التي أصدر ترامب العشرات منها في يومه الأول في البيت الأبيض أنّ الاضطرابات والأزمات ستكون القاعدة وليست الاستثناء داخليًا وخارجيًا، حيث أصدر اليوم الثلاثاء أمرًا تنفيذيًا أعاد بموجبه كوبا إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي خطوة اعتبرها الرئيس الكوبي ميغيل دياز كانيل "ضربًا من الغطرسة والاستخفاف بالحقيقة وتؤكد عدم مصداقية القوائم الأميركية وآليات الضغط أحادية الجانب".
تؤكد الأوامر التنفيذية التي أصدر ترامب العشرات منها في يومه الأول في البيت الأبيض أنّ الاضطرابات والأزمات ستكون القاعدة وليست الاستثناء داخليًا وخارجيًا
ومن المنتظر بين اللحظة والأخرى أن يطالعنا ترامب بأولى خطوات السياسة الجمركية التي هدد بها الحلفاء والأعداء على حدٍّ سواء، مثيرًا بذلك حالة من الخوف في الدوائر الاقتصادية العالمية، حيث يخطط ترامب لشن حرب تجارية، تستهدف واردات الدول الأوروبية برسوم جمركية تتراوح بين 10 إلى 20% والواردات الصينية برسوم تناهز 60%، والهدف من ذلك إرغام الأوروبيين على شراء الطاقة الأميركية.
لقد كانت رسالة ترامب في هذا الصدد واضحة حيث قال في خطاب التنصيب بصريح العبارة: "أيها الأعداء في الداخل والخارج. احذروا"، جاعلًا من نفسه مصدر خوف بالنسبة للجميع، عكس الرئيس روزفلت الذي شكّل حسب الغارديان "مصدر إلهام للأمل" وذلك ما عجز عنه ترامب، رغم محاولته استلهام نموذج روزفلت ومغازلة شعور الأميركيين بشعارات تخفيض الأسعار وزيادة الدخل. وحتى في هذه لم يستطع ترامب التخلي عن الغرور، فعلى الرغم من حديثه عن ما أسماه ببداية "العصر الذهبي لأميركا"، إلا أنه انتهى إلى القول "أنتم على أعتاب أعظم 4 سنوات في التاريخ الأميركي".
زرع الانقسامات داخليًا:
إنّ الخطاب الشعبوي الذي يتبناه ترامب هو وصفة مكتملة لزرع الانقسامات داخل الولايات المتحدة الأميركية، إذ يقوم ترامب بإرادة منه أو بغير إرادته بإحلال سياسات قائمة على الهوية والولاء المطلق محلّ سياسات التعددية والديمقراطية والتنافس السياسي البرامجي، ولعلّ القرارات التي تحدى فيها ترامب الدستور بشأن حق المواطنة بالولادة وإصداره عفوًا رئاسيًا عن أنصاره الضالعين في اقتحام مبنى الكابيتول وسلسلة الإقالات الانتقامية التي بدأها منذ يوم الاثنين تمثل تجليًا واضحًا للوصفة الانقسامية التي يعدّها للمجتمع الأميركي.
ويرى متابعون أنّ حالة الانقسام تلك هي التي حدتْ بالرئيس المنتهية ولايته جو بايدن إلى استخدام سلطاته للعفو عن أفراد من أسرته وموظفين عموميين حاليين وسابقين، خوفًا عليهم من انتقام خلَفه دونالد ترامب.