ترامب يوسع هجماته على الصحافة الحرة.. حملة منسقة لتكميم الإعلام المستقل
7 يمشي 2025
حذر الصحفي الأميركي دانا ميلبنك، من الحملة غير المسبوقة التي يشنها الرئيس دونالد ترامب ضد وسائل الإعلام المستقلة، والتي يرى أنها تشكل تهديدًا مباشرًا لحرية الصحافة في الولايات المتحدة، بل وتمثل جزءًا من هجوم أوسع على الحريات المدنية للأفراد الذين يعارضون سياسات ترامب.
ووفقًا لمقال رأي نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، فإن الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب مؤخرًا تتجاوز مجرد انتقاد الصحافة، بل ترقى إلى محاولات فعلية لإعادة تشكيل المشهد الإعلامي الأميركي، من خلال استبعاد الصحفيين غير الموالين واستبدالهم بمؤسسات إعلامية منحازة، والتلويح بتشريعات تجرّم الممارسات الصحفية الأساسية، إلى جانب حملات قانونية ومالية تستهدف المؤسسات الإعلامية الكبرى.
لا تقتصر جهود ترامب على استبعاد الصحفيين غير الموالين فحسب، بل تشمل أيضًا تهديدات بتغيير القوانين لتقويض حرية الصحافة
استبعاد الصحافة المستقلة واستبدالها بإعلام موالٍ
يستشهد ميلبنك في مقاله بحادثة وقعت خلال لقاء ترامب مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، حيث منعت إدارة البيت الأبيض صحفيين من وكالتي "أسوشيتد برس" و"رويترز"، اللتين تمتلكان تاريخًا طويلًا في تغطية نشطات الإدارات الأميركية المتعاقبة. وفي المقابل، سمحت الإدارة لصحفي من وكالة الأنباء الروسية الرسمية "تاس" بالدخول لتغطية الحدث، قبل أن يتم إخراجه لاحقًا بزعم أنه لم يكن مصرحًا له بالحضور.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل شهد اللقاء حضور صحفيين من وسائل إعلام يمينية متطرفة مثل "ريال أمريكا فويس" و"وان أميركا نيوز"، حيث استغلوا الفرصة لطرح أسئلة تمجّد ترامب وتهاجم زيلينسكي. أحد الصحفيين انتقد الرئيس الأوكراني لأنه لم يكن يرتدي بذلة رسمية، فيما سأل آخر ترامب عن "الشجاعة الأخلاقية" التي دفعته لبدء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن أوكرانيا.
وتعليقًا على هذا المشهد، قال ترامب مازحًا: "أنا أحب هذا الرجل... أعتقد أن هذا سؤال رائع"، ثم أضاف عندما علم أن الصحفي من قناة "وان أميركا نيوز": "لهذا السبب أحبكم... أنتم تقومون بعمل رائع".
📌 شنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب والملياردير إيلون ماسك حملة انتقادات لاذعة ضد وكالة "رويترز" للأنباء، زاعمين أنها تلقت تمويلًا حكوميًا بشكل غير قانوني عبر عقود مع وزارة الدفاع الأميركية.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 14, 2025
📌 الشركة التابعة لمجموعة "Thomson Reuters" نفت هذه الاتهامات، مؤكدة أن الوكالة الصحفية… pic.twitter.com/CsQoEtNolw
يؤكد ميلبنك أن هذه الحادثة تسلط الضوء على الواقع الذي أصبح سائدًا في عهد ترامب، قائلًا: "عندما تحدد الحكومة من يمكنه تغطية لقاءات الرئيس، فإننا نحصل على سيرك إعلامي متملق بدلًا من صحافة حرة ومسؤولة".
ترامب يلوح بتشريعات تهدد حرية الصحافة
لا تقتصر جهود ترامب على استبعاد الصحفيين غير الموالين فحسب، بل تشمل أيضًا تهديدات بتغيير القوانين لتقويض حرية الصحافة. ففي منشور حديث على منصة "تروث سوشال" التي يملكها، اقترح ترامب تشريعًا يحظر على الصحفيين استخدام المصادر المجهولة، وهي ممارسة أساسية في الصحافة الاستقصائية، خاصة عند الكشف عن قضايا الفساد أو إساءة استخدام السلطة.
كتب ترامب في منشوره: "هذه المصادر المجهولة... إنها افتراءات تشهيرية، ويجب أن يدفعوا ثمن هذا الكذب الصارخ"، ملمحًا إلى أنه قد يسعى لسن قانون يجرّم الصحافة التي تعتمد على معلومات من مصادر غير معلنة.
يرى ميلبنك أن هذا المقترح، إذا تم تنفيذه، سيكون بمثابة "إعدام لمهنة الصحافة"، لأنه سيجعل من المستحيل على الصحفيين فضح الفساد أو إساءة استخدام السلطة، وسيمكن الحكومة من ممارسة رقابة كاملة على المعلومات التي تصل إلى الجمهور.
حملات قانونية وضغوط مالية لتكميم الإعلام
بالإضافة إلى التهديدات القانونية، يسلط مقال ميلبنك على حملة قضائية شرسة يقودها ترامب ضد وسائل الإعلام، حيث رفع الرئيس الأميركي دعاوى قضائية ضد مؤسسات إعلامية مثل "ABC News "و "CBS " و"نيويورك تايمز"، إضافة إلى مجلس إدارة جائزة "بوليتزر".
📸 نواب ديمقراطيون يرفعون لافتات صغيرة أثناء خطاب #ترامب في #الكونغرس احتجاجًا على مضمون كلمته. pic.twitter.com/tOIjZcYOSN
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 5, 2025
ورغم أن معظم هذه القضايا ليس لها أساس قانوني قوي، فإنها تُستخدم كوسيلة لترهيب المؤسسات الإعلامية وإرغامها على تقديم تسويات مالية لتجنب الانتقام السياسي. ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، دفعت شركة "ديزني"، المالكة لشبكة "ABC News "، 15 مليون دولار لتسوية دعوى رفعها ترامب، كما وافقت شركة "ميتا" في كانون الثاني/يناير على دفع 25 مليون دولار لتسوية نزاع قانوني مع الرئيس الأميركي بشأن تعليق حساباته على منصتي "فيسبوك" و"إنستغرام".
ويشير ميلبنك إلى أن هذه الضغوط المالية تستخدم كأداة خفية لخنق الصحافة المستقلة، حيث تفضل الشركات الإعلامية دفع مبالغ مالية كبيرة على الدخول في نزاع قضائي طويل مع رئيس يتمتع بنفوذ هائل.
تقويض الإعلام المستقل دوليًا
لم تقتصر حملة ترامب على الصحافة المحلية، بل امتدت أيضًا إلى الإعلام الممول من الحكومة الأميركية في الخارج. فقد قطعت الإدارة التمويل عن وسائل الإعلام المؤيدة للديمقراطية في دول مثل كوبا وإيران وأوكرانيا، كما أوقفت دعم إذاعة "صوت أميركا"، وهي مؤسسة إعلامية أميركية معروفة باستقلاليتها التحريرية.
يرى ميلبنك أن هذه الخطوات تهدف إلى "إحكام السيطرة على تدفق المعلومات، سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها"، مما يضر بجهود نشر الديمقراطية في الدول التي تعاني من أنظمة استبدادية.
الهجوم على الصحفيين والنشطاء الإعلاميين
إلى جانب استهداف المؤسسات الإعلامية، لم يتردد ترامب وحلفاؤه في مهاجمة الصحفيين بشكل شخصي. فقد طالب بفصل الصحفي يوجين روبنسون من صحيفة "واشنطن بوست" بسبب مقاله الذي انتقد فيه الحزب الجمهوري، كما أيد دعوات لسجن صحفيين من برنامج "60 دقيقة" بسبب تحريرهم لمقابلة مع نائبة الرئيس السابقة كامالا هاريس.
كما حظر البيت الأبيض وكالة "أسوشيتد برس" من تغطية الأحداث الرسمية بعد رفض بعد رفض الوكالة اعتماد تسمية "خليج أميركا" بدلًا من "خليج المكسيك"، وطلب إزالة بعض وسائل الإعلام المستقلة من غرفة المؤتمرات الصحفية لإفساح المجال لمؤسسات إعلامية موالية لترامب مثل "بريتبارت" و"وان أميركا نيوز".
📌 أصدرت وكالة أسوشيتد برس (AP) بيانًا أعربت فيه عن قلقها إزاء منع أحد مراسليها من حضور فعالية في المكتب البيضاوي، مشيرةً إلى أن البيت الأبيض اتخذ هذا الإجراء بعد رفضها الامتثال لأمر تنفيذي أصدره الرئيس دونالد ترامب يقضي بتغيير اسم "خليج المكسيك" إلى "خليج أميركا".
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 12, 2025
📌 أوضحت… pic.twitter.com/Ba8XJtRGEC
"مشروع 2025": خطة شاملة لإلغاء الصحافة الحرة
يرى ميلبنك أن هذه التحركات تتماشى مع ما يُعرف بـ"مشروع 2025"، وهي خطة أعدها مستشارو ترامب وتهدف إلى إعادة هيكلة الإعلام الأميركي بشكل جذري. وتشمل هذه الخطة إلغاء الدعم الحكومي لوسائل الإعلام العامة مثل قنوات "PBS "والإذاعة الوطنية "NPR "، والسيطرة على وكالة "صوت أميركا" لإعادة توجيهها بما يخدم أجندة ترامب.
كما تتضمن إصدار قوانين جديدة تسهل ملاحقة الصحفيين قضائيًا، من بينها تفعيل قانون التجسس لعام 1917 لمعاقبة الصحفيين الذين يرفضون الكشف عن مصادرهم، بالإضافة إلى ممارسة ضغوط قضائية ومالية على المؤسسات الإعلامية الكبرى لإجبارها على التخلي عن تغطياتها المستقلة. ويحذر ميلبنك من أن تنفيذ هذه الخطة بالكامل سيشكل ضربة قاضية للصحافة الحرة، حيث "سيصبح من المستحيل على الإعلام الأميركي أداء دوره الرقابي في محاسبة السلطة".
هل تنجو الصحافة الحرة؟
يشدد دانا ميلبنك على أن الدفاع عن الصحافة الحرة ليس مهمة الصحفيين فقط، بل مسؤولية كل من يؤمن بالديمقراطية. داعيًا المؤسسات الإعلامية إلى اللجوء إلى المحاكم لمواجهة هجمات ترامب، كما حث الجمهور الأميركي على إدراك خطورة هذه التهديدات على مستقبل حرية التعبير.
ويختم مقاله بتحذير صريح: "إذا فقدنا الصحافة الحرة، فإننا نفقد أحد الركائز الأساسية للديمقراطية. هذه معركة يجب أن نخوضها قبل فوات الأوان".