تركة الأسد الثقيلة.. ما خيارات الإدارة السورية الجديدة لسداد ديون إيران؟
21 ديسمبر 2024
أثارت إيران مؤخرًا مسألة الديون المتراكمة على نظام الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، بعد فراره إلى موسكو قبل أسبوعين، وإدارة شؤون البلاد من قبل الحكومة الانتقالية السورية التي قبلت تكليف القيادة العامة لإدارة العمليات السياسية، وهو ما دفع برئيس الحكومة الانتقالية، محمد البشير، إلى وصف هذه الديون بأنها "تركة ثقيلة" على مختلف الأصعدة، خاصة أن هذه الديون كان النظام السابق استخدمها لإطالة أمد الحرب التي بدأها ضد الشعب السوري منذ عام 2011.
أكثر من 100 اتفاقية موقعة مع إيران
لا توجد إحصائية أو تقارير واضحة تشير إلى حجم الديون التي خلفها الأسد على سوريا بعد هروبه إلى روسيا، إذ إنها وفقًا لعدة تقارير تتراوح من 20 حتى 50 مليار دولار لإيران، فيما تبلغ مجموع الديون الروسية المتراكمة على سوريا نحو 50 مليار دولار، لكنها تبقى مجرد أرقام يرى بعض الخبراء أنها مبالغ فيها، مع الإجماع على أن الجزء الأكبر منها استخدم لقمع السوريين.
بحسب مركز جسور للدراسات، فإن النظام السوري السابق وقّع مع طهران منذ عام 2011 حتى 2024 نحو 126 اتفاقية في مختلف القطاعات، بما فيها الطاقة والتجارة والصحة والتعليم والزراعة والصناعة والاتصالات والتمويل وما إلى ذلك، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقيات تم تنفيذها كاملًا، ومنها ما هو قيد التنفيذ، فيما يوجد اتفاقيات لا يزال مصيرها مجهول.
لا توجد إحصائية أو تقارير واضحة تشير إلى حجم الديون التي خلفها الأسد على سوريا، إذ إنها وفقًا لعدة تقارير تتراوح من 20 حتى 50 مليار دولار لإيران
ووفقًا لمركز جسور، بلغت نسبة الاتفاقيات المهمة 38 بالمئة، بما يعادل 48 اتفاقية، فيما يوجد 62 بالمئة من الاتفاقيات مصنفة على أنها "أقل أهمية"، ما يعادل 78 اتفاقية من مجموع الاتفاقيات الكلي. ويضيف المركز أن عدد الاتفاقيات المنفذة بلغ 48 اتفاقية، بينما يوجد 47 اتفاقية قيد التنفيذ، أما بالنسبة عدد الاتفاقيات مجهولة المصير فقد بلغ 7 اتفاقيات.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، إسماعيل بقائي، قد تطرق قبل أيام إلى الديوان التى خلفها النظام السابق، مشيرًا إلى أن "الديون الإيرانية التي كانت مترتبة على نظام الأسد سيتحملها النظام السياسي الجديد في سوريا وفقًا لاتفاقيات ومعاهدات تستند إلى مبدأ خلافة الدول، وهو مبدأ معتمد في القانون الدولي"، لافتًا إلى أن "الحديث عن وجود ديون لإيران على سوريا بحوالي 50 مليار دولار هي أرقام مبالغ فيها حقًا".
ما خيارات الحكومة الجديدة لسداد ديون طهران؟
يتفق الخبراء على صعوبة إلغاء الديون التي راكمها نظام الأسد المخلوع على سوريا خلال العقد الماضي، وهو ما يحذر منه الاقتصادي السوري، محمد حاج بكري، في حديثه لموقع "العربي الجديد"، مشيرًا إلى محاولة الدول الدائنة ممارسة الضغوط على "الحكومة الانتقالية لاسترداد الديون التي مول بشار الأسد عبرها الحرب على السوريين"، معتبراً أن إيران وروسيا هما "أكبر الدائنين للنظام المخلوع".
ويرى حاج بكري أنه إن على حكومة، محمد البشير، استباق الأحداث بـ"الطعن بتلك الديون عبر القضاء الدولي على أنها ديون كريهة"، أي أنه "تمت استدانتها لاستخدام بعضها بقمع الشعب والبعض الآخر لأغراض شخصية لها علاقة بثراء الأسد وأسرته، كما رأينا خلال سرقته الأموال وهروبه إلى موسكو"، منوهًا إلى تلميحات موسكو الأخيرة بشأن "بقائها في ميناء طرطوس وشرعية اتفاقاتها النفطية مع النظام المخلوع"، كذلك الحال مع طهران التي انعكست في تصريحات بقائي.
ويتفق الاقتصادي والمفتش المالي السابق، إبراهيم محمد، مع رأي حاج بكري القائل إن "معظم ديون نظام الأسد المخلوع، ديون كريهة"، لكنه يشير إلى أنه "يمكن لبعض الدائنين تقديم وثائق عن استخدام بعض تلك الديون لأغراض خدمية واقتصادية وإنسانية"، متوقعًا استخدام بعض هذ الديون لـ"بيع النفط وبعض المواد الاستهلاكية وفق خطوط الائتمان، كذريعة بالمطالبة والتأكيد أمام المحاكم الدولية أن الديون لم تكن لأغراض خاصة أو لإيذاء الشعب"، لافتًا إلى أن التقارير الإيرانية تشير إلى أن طهران "كانت تصدر ما حجمه 60 ألف برميل نفط بسعر تشجيعي نحو 50 دولارا للبرميل".
وبحسب ما ينقل "العربي الجديد" عن المفتش المالي السابق، فإنه "لا توجد، حتى اليوم، أرقام أو إحصاءات دقيقة عن ديون النظام السابق الخارجية، لكن على الأرجح أن الدائنين سيبدؤون بكشف أنفسهم ويطالبون باسترجاع الديون"، غير مستبعد وجود "ديون من دول عربية"، لكنه يشير أيضًا إلى أن "تلك الدول، مثل الإمارات أو روسيا أو بيلاروسيا أو حتى الجزائر، لديها أموال وعقارات ومشاريع لنظام الأسد أو رجالاته"، كما الحال مع "الإمارات التي استقطبت معظم استثمارات الأسد، وكذلك روسيا".
من جانبه، شكك أستاذ المالية، فراس شعبو، بصحة حجم الديون التي يتم تداولها عبر وسائل الإعلام، مضيفًا أنه إذا "أخذنا بالاعتبار موارد سوريا خلال الثورة والاحتياطي الأجنبي الذي تم تبديده وجمعنا معها ما يقال عن 100 مليار دولار، فهذا الرقم مرعب"، لذا يجد أن "السؤال هل فعلًا تم صرف كل تلك الأموال حتى على القتل والتهديم والتسليح؟"، لافتًا إلى أن "المنطق الاقتصادي وربما القانوني" يقول إن "الديون تقع على عاتق الدول وليس الأشخاص، وبسقوط الأنظمة لا تسقط أو تشطب الديون، إن لم يتم إثبات كراهية تلك الديون أو أنها منحت للأسد بهدف المقايضة على ثروات سوريا".
بعد قطيعة دبلوماسية لأكثر من 10 أعوام، وصل إلى دمشق وفد دبلوماسي أميركي التقى بالإدارة السورية الجديدة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 21, 2024
اقرأ أكثر: https://t.co/ZyV58zT4rK pic.twitter.com/qM1rrf8pQ9
من جانبه، يشير الخبير في القانون الدولي، المعتصم كيلاني، في لموقع ـ"المدن" الإلكتروني إلى التحديات التي قد تواجه الحكومة الجديدة، محذرًا من رفض إيراني – روسي مشترك لأي "محاولة لإلغاء أو تعديل العقود"، لافتًا إلى أنهما "قد تلجآن إلى التحكيم الدولي، وقد تستخدمان الضغط السياسي والتهديد العسكري، بسبب نفوذهما السياسي والعسكري في سوريا".
ويرى الكيلاني أن "الحكومة الجديدة بحاجة إلى حلفاء دوليين لدعم موقفها، مثل الأمم المتحدة أو الدول الداعمة لسوريا الجديدة، والذي قد يساعد في ممارسة ضغوط لإعادة التفاوض على العقود"، مضيفًا أن الحكومة الجديدة "لديها خيار التفاوض على الديون الإيرانية مستقبلًا، لتقليل قيمتها أو جدولتها بشروط ميسرة، أو قد تلجأ للحصول على دعم دولي من الدول المانحة مثل الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، أو على دعم إقليمي من دول الخليج"،
وحول الخيارات التي من الممكن أن تلجأ إليها الحكومة الجديدة لسداد الديون التي خلفها النظام السابق، يوضح الكيلاني أن من بين الخيارات المتوفرة يوجد "خيار استغلال المواد الطبيعية"، بالإضافة إلى إمكانية "إعادة هيكلة العقود لاستثمار هذه الموارد بطرق تعود بالفائدة على الشعب السوري، بدلًا من الاستغلال الأجنبي"، لافتًا أيضًا إلى "خيار مكافحة الفساد، واستعادة الأموال المنهوبة داخليًا وخارجيًا".