تفوح منها رائحة الدمار.. العدوان الإسرائيلي يحول صور اللبنانية إلى مدينة أشباح
23 نوفمبر 2024
أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي في 23 تشرين الأول/أكتوبر الماضي إنذارًا طالب فيه سكان مدينة صور الساحلية جنوبي لبنان بالإخلاء الفوري، تمهيدًا لشن غارات على أحياء المدينة. وما هي إلا بضعة ساعات حتى شن جيش الاحتلال سلسلة غارات استهدفت الأحياء المدنية، بالإضافة إلى مواقع أثرية مدرجة على لائحة التراث العالمي لمنظمة "اليونسكو".
"لؤلؤة لبنان" معزولة عن العالم
يقول تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن الطريق الساحلي الذي يربط العاصمة بيروت بصور "تفوح منه رائحة الدمار"، مشيرًا إلى أن غارات جيش الاحتلال العنيفة أدت إلى تناثر حطام السيارات المُدمرة على بعد كيلومترات من الطريق الساحلي.
ويضيف الموقع أن المدينة القديمة، التي توصف بـ"لؤلؤة جنوب لبنان"، والمعروفة بتراثها التاريخي وجمالها المعماري، تبدو اليوم "معزولة عن العالم". يعود تاريخ صور إلى 4000 عام، واشتهر بحارتها الفينيقيون ببنائهم مدنًا كبيرة عبر البحر المتوسط، مثل قرطاج في تونس، وقادس في إسبانيا. كما أنها تضم العديد من المواقع الأثرية، التي يقع معظمها في منطقة الميناء، مما دفع "اليونسكو" إلى إدراجها على قائمة التراث العالمي في عام 1984.
مدينة صور التاريخية التي توصف بـ"لؤلؤة جنوب لبنان"، والمعروفة بتراثها التاريخي وجمالها المعماري، أصبحت اليوم "معزولة عن العالم"
توضح عالمة الآثار ومستشارة التراث في الجمعية الأميركية للأبحاث في الخارج، علياء فارس، في حديثها لـ"ميدل إيست آي"، أن "المواقع الأثرية عادة ما تكون بعيدة عن المدن ولا يمكن الوصول إليها بسهولة من قبل السكان"، وتضيف قائلة: "مع ذلك، في صور، فهي جزء من المناظر الطبيعية والهوية الجماعية. ولهذا السبب يشعر السكان بالقلق الشديد".
وبحسب الموقع البريطاني، يقع الميناء، الذي يضم آثارًا تعود إلى العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية، داخل أسوار المدينة، حيث يقوم جيش الاحتلال بشن غارات مكثفة على المناطق القريبة منه. وعلى بعد أمتار من الميناء، يقف تمثال للسيدة مريم العذراء يراقب قوارب الصيد.
"لقد ولدنا هنا"
يعتبر السكان المحليون أن صوت أزيز الطائرات المسيّرة على ارتفاع منخفض، بالإضافة إلى غارات خرق جدار الصوت الوهمية التي تشنها مقاتلات جيش الاحتلال، تحذير استباقي لاقتراب شن غارة جوية. يقول أبو إلياس (75 عامًا) لـ"ميدل إيست آي"، وهو يبتسم دون أن تظهر على وجهه ملامح الانزعاج من أصوات القصف: "أخشى على الجيل الجديد أكثر من خوفي على نفسي"، مضيفًا: "حياتي انتهت".
يشير أبو إلياس، الذي يرفض مغادرة منزله، إلى أنه يمكنه سماع أصوات القصف ليلًا ونهارًا، موضحًا ذلك بقوله: "من هنا، يمكننا سماع جميع الضربات الإسرائيلية على القرى القريبة منا"، مضيفًا: "في بعض الأحيان، تكون مدينتنا هي التي تتعرض للقصف".
يؤكد أبو إلياس أن الهجوم الإسرائيلي على صور هو الأكثر عنفًا في تاريخ الحروب اللبنانية–الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يغادر فيها هذا العدد الكبير من السكان المدينة. ويضيف: "أنا لست بصحة جيدة. أنا من الأشخاص القلائل الذين يمتلكون منزلًا تاريخيًا في وسط المدينة"، لافتًا إلى أن ترك منزله أمر "غير وارد" بالنسبة له، نظرًا لأن "عمره لا يقل عن 200 عام"، قبل أن يقول: "هنا ولدت وربما هنا سأموت".
التعايش الطائفي في صور
يتهم أبو إلياس، في حديثه لـ"ميدل إيست آي"، الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة بث الفتنة بين الطوائف الدينية اللبنانية المختلفة التي تشكل إرثًا أساسيًا لتاريخ المدينة. ويقول حول ذلك: "لقد عاشت جميع الطوائف الدينية هنا معًا لفترة طويلة".
من جانبه، يقول علي، وهو صياد في الخمسينيات من العمر، للموقع البريطاني: "إن رغبة الإسرائيليين في بث الفتنة بين المسلمين الشيعة والطوائف الأخرى من أجل قيادة البلاد إلى حرب أهلية جديدة، هي رغبة سخيفة"، مؤكدًا أنهم "لن ينجحوا"، لافتًا إلى أن "صور هي أفضل مثال على التماسك، ونحن لا نعرف حتى ديانة جيراننا".
يبدو أن "إسرائيل" بحاجة إلى ضغط تدميري كبير وخاصةً على مدينة #صور لفرض تصورها على حـ ـزب الله.https://t.co/ntlIr27Skb
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) October 24, 2024
أما عادل العبيدي، وهو صياد من أصل فلسطيني، فإنه يعرب لـ"ميدل إيست آي" عن شعور بـ"الخوف الشديد" من أن يشاهد أحفاد الجنود الإسرائيليين الذين هجّروا والده من حيفا عام 1948 يصلون اليوم إلى مدينة صور، مضيفًا: "ترمز صور إلى أشياء كثيرة بالنسبة لي، لأنها المكان الذي ولدت فيه. وهذا ما يجعل هذه المدينة مختلفة عن غيرها. على الرغم من هويتي الفلسطينية، يعاملني الجميع كعائلة".
مدينة أشباح
كانت تقارير سابقة قد أشارت إلى أن المدينة التاريخية، التي كانت تعد لفترة طويلة من العام الجاري من المُدن الآمنة، أصبحت وجهة للنازحين من القرى الجنوبية. لكن الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفتها على مدار شهر كامل حولتها إلى "مدينة أشباح".
وقال رئيس بلدية صور، حسن دبوق، في تصريحات سابقة نقلتها وكالة "رويترز": "ربع سكان المدينة فقط بقوا فيها، والعديد منهم يخشون أن الدمار الذي لحق بقطاع غزة قد يطالهم أيضًا". وأضاف دبوق: "إنهم نفس الأشخاص، ونفس الحرب، ونفس العقلية، ونفس المسؤولين (الإسرائيليين)، مع الدعم نفسه من الأميركيين والأوروبيين. العناصر هي نفسها، فلماذا سيكون الأمر مختلفًا في لبنان؟".