تقرير حقوقي: نظام الأسد استعمل عقوبة الإعدام لتصفية معارضيه
14 فبراير 2025
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR) تقريرًا جديدًا بعنوان "عقوبة الإعدام في القوانين السورية واستغلالها من قبل نظام الأسد للقضاء على معارضيه"، يسلط الضوء على كيفية استخدام النظام السوري السابق لهذه العقوبة كأداة قمع سياسي، بدلاً من الاقتصار على الجرائم الجنائية.
ومنذ اندلاع الحراك الشعبي عام 2011، اعتمد نظام الأسد على الإعدام وسيلة لتصفية المعارضين وترهيب المجتمع، حيث تُنفذ هذه العقوبات غالبًا دون محاكمات عادلة أو إجراءات قانونية شفافة، في انتهاك صارخ للمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
اعتمد نظام بشار الأسد على محاكم خاصة لتنفيذ أحكام الإعدام، حيث تفتقر هذه المحاكم إلى المعايير القانونية المعتمدة دوليًا
الإطار القانوني لعقوبة الإعدام في سوريا
ينصّ القانون السوري على عقوبة الإعدام في عدة تشريعات، استخدمها نظام الأسد بشكل واسع ضد المعارضين السياسيين. ويشمل ذلك قانون العقوبات العام رقم 148 لعام 1949، الذي يفرض عقوبة الإعدام على جرائم مثل القتل العمد والخيانة والتجسس.
كما ينصّ قانون العقوبات العسكري على تطبيق العقوبة في حالات الفرار من الخدمة العسكرية أو التمرد. ومع اندلاع الحراك الشعبي عام 2011، أقرّ النظام السابق قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012، الذي وسّع من نطاق استخدام عقوبة الإعدام، حيث تم توظيفه لتوجيه تهم الإرهاب إلى المعارضين السياسيين ونشطاء المجتمع المدني، مما جعل العقوبة أداة قمعية بيد السلطة للقضاء على خصومها.
ووفقًا لتقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فقد استُخدم قانون مكافحة الإرهاب بشكل واسع بعد 2011، حيث مكّن النظام السابق من محاكمة الناشطين السلميين أمام محاكم استثنائية تُصدر أحكامًا قاسية، غالبًا دون توفر أي ضمانات قانونية.
"بعد سنوات من المعاناة في سجون النظام السابق، يعود المعتقلون المحررون إلى بيوتهم ليس فقط بأجساد منهكة، بل وبذاكرة مشوشة وأمراض مزمنة. يحملون ذكريات لا تحتمل وأوجاعًا نفسية لا يمكن أن تعبر عنها الكلمات، في مشهد يعكس وحشية نظام الأسد ومدى بشاعة ما تعرضوا له داخل سجونه".
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 29, 2025
لقراءة… pic.twitter.com/OaFaWlcub7
المحاكم الاستثنائية: أدوات لتصفية المعارضين
اعتمد نظام بشار الأسد على محاكم خاصة لتنفيذ أحكام الإعدام، حيث تفتقر هذه المحاكم إلى المعايير القانونية المعتمدة دوليًا. ومن أبرزها:
- محكمة الميدان العسكرية (أُنشئت عام 1968): مسؤولة عن تنفيذ الإعدامات الفورية بحق المعارضين، دون الحق في الدفاع أو الاستئناف.
- محكمة الإرهاب (أُنشئت عام 2012): أصبحت الأداة الأساسية لتصفية الخصوم السياسيين عبر توجيه تهم الإرهاب بشكل تعسفي.
- محاكم الجنايات العسكرية والعادية: استمرت في إصدار أحكام الإعدام الجائرة بعد إلغاء محكمة الميدان العسكرية في 2023.
ووفقًا لتقرير الشبكة السورية، فإن آلاف المعتقلين حُكم عليهم بالإعدام عبر هذه المحاكم، دون أي إجراءات تضمن حقوقهم القانونية.
إعدامات دون إخطار العائلات أو تسليم الجثامين
أحد أبرز انتهاكات النظام السوري السابق المرتبطة بالإعدام هو تنفيذ الأحكام دون إخطار العائلات أو تسليم الجثامين، ما يجعلها جرائم إخفاء قسري وفق القانون الدولي. وأكد التقرير أن المعتقلين الذين نُفذت بحقهم أحكام الإعدام، غالبًا ما يُسجلون في قوائم الموت "لأسباب طبيعية"، دون ذكر حقيقة أنهم أُعدموا داخل السجون.
ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان 3700 حالة اختفاء قسري لأطفال، و190 حالة وفاة تحت التعذيب، و50 حالة إعدام لقاصرين، مما يشير إلى حجم الانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد ضد المدنيين، بمن فيهم الأطفال.
📸 جولة لألترا سوريا في فرع فلسطين (الفرع 235)، أحد أشهر مراكز الاعتقال التي كانت تديرها المخابرات السورية في عهد النظام السابق. pic.twitter.com/Tqvgubh0Ve
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 11, 2025
سجن صيدنايا: مركز الإعدامات الجماعية
يُعرف سجن صيدنايا العسكري بأنه "المسلخ البشري" للنظام السوري السابق، حيث تم تنفيذ آلاف الإعدامات الجماعية داخله. ووفقًا لشهادات ناجين، كان المعتقلون يُشنقون سرًا دون محاكمات عادلة، وغالبًا دون معرفة عائلاتهم بمصيرهم.
ووفقًا لتقرير الشبكة، فإن سجن صيدنايا يُعدّ واحدًا من أسوأ مراكز الاحتجاز التي استخدمها نظام الأسد لإبادة معارضيه، حيث تجري الإعدامات الجماعية ليلًا، ويتم دفن الجثث في مقابر جماعية مجهولة.
التحكم السياسي بالقضاء واستغلال الإعدام
كشف التقرير أن السلطة التنفيذية السابقة في سوريا، وعلى رأسها بشار الأسد، كانت تتحكم بشكل مباشر في القضاء، حيث لا يُنفذ أي حكم إعدام إلا بموافقة الرئيس. كما أن جميع مراسيم العفو التي أصدرها الأسد استثنت أحكام الإعدام الصادرة عن المحاكم العسكرية، مما يعكس استغلال العقوبة كأداة قمع سياسي.
وتعتبر محكمة الإرهاب واحدة من أخطر المحاكم التي أنشأها النظام السابق، حيث أصدرت آلاف أحكام الإعدام بحق معارضين سياسيين دون احترام معايير المحاكمة العادلة، ما يجعل هذه الإعدامات عمليات قتل تعسفي وفق القانون الدولي.
#سوريا | الشبكة السورية لحقوق الإنسان تكشف عن عدد المفقودين في سجون نظام الأسد.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 28, 2024
تقرؤون التفاصيل في التقرير: https://t.co/w4LXBLPqSL pic.twitter.com/A0fXSkFFp0
المطالبات الدولية بإلغاء الإعدام والمحاسبة
دعا تقرير الشبكة السورية لحقوق الإنسان المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات فورية لمحاسبة نظام الأسد على استخدامه التعسفي لعقوبة الإعدام.
وشدد التقرير على ضرورة إلغاء جميع المحاكم الاستثنائية، بما في ذلك محكمة الإرهاب والمحاكم الميدانية العسكرية، وفرض عقوبات دولية على القضاة والمسؤولين الأمنيين المتورطين في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام.
كما طالب بفتح تحقيقات دولية شفافة في عمليات الإعدام الجماعية والإخفاء القسري، خاصة في سجن صيدنايا والسجون الأخرى، إضافة إلى دعم العدالة الانتقالية في سوريا لضمان الكشف عن الحقيقة ومحاسبة المسؤولين عن جرائم الإعدام التعسفي.
وفي ختام التقرير، أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن عقوبة الإعدام في سوريا ليست وسيلة لتحقيق العدالة، بل أداة استخدمها النظام السابق لتصفية المعارضين السياسيين وإحكام قبضته على المجتمع.
ومع سقوط نظام الأسد، يبقى السؤال: هل سيُحاسب على هذه الجرائم؟ وشددت الشبكة على أنَّ العدالة الانتقالية ليست خيارًا، بل ضرورة، وأنَّ استمرار إفلات مسؤولي النظام السابق عن هذه الجرائم من العقاب يهدد الأمن والسلم الأهلي.