توطين الصناعات وإعادة رسم العلاقات: التحرير الحقيقي للولايات المتحدة عند ترامب

وصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مساء أمس الأربعاء، الثاني من نيسان/أبريل المقبل بأنه سيكون "يوم التحرير الحقيقي" للولايات المتحدة الأميركية، وذلك خلال إعلانه عن فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25% على جميع السيارات المصنّعة خارج البلاد.

وتستهدف هذه الخطوة بشكل رئيسي صناعة السيارات في الدول الحليفة للولايات المتحدة، لا سيما في الاتحاد الأوروبي وآسيا، إضافةً إلى كندا والمكسيك ودول أخرى في أميركا الجنوبية.

ويبدو أن "التحرير الحقيقي" في منظور ترامب يتمثل أولًا في إعادة رسم العلاقة مع الحلفاء الذين يتهمهم باستغلال بلاده لعقود من خلال تحقيق فائض تجاري كبير. كما يشمل في المرتبة الثانية إعادة توطين الصناعات الكبرى، مثل السيارات والأدوية، داخل الولايات المتحدة الأميركية.

"التحرير الحقيقي" في منظور ترامب يتمثل أولًا في إعادة رسم العلاقة مع الحلفاء الذين يتهمهم باستغلال بلاده لعقود من خلال تحقيق فائض تجاري كبير

يُشار إلى أن الولايات المتحدة استوردت في عام 2024 منتجات سيارات بقيمة 474 مليار دولار، وجاءت المكسيك واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وألمانيا في صدارة أكبر المورّدين.

أثارت خطوة ترامب الأخيرة موجة من الانتقادات، وبدأ بعض حلفاء الولايات المتحدة في آسيا وأوروبا وكندا دراسة اتخاذ إجراءات انتقامية، وفقًا لوكالة "رويترز"، وذلك وسط توقعات بأن تؤدي الرسوم الجمركية الجديدة على السيارات إلى ارتفاع الأسعار وتباطؤ الإنتاج. بالفعل، شهدت أسواق السيارات العالمية، اليوم الخميس، انخفاضاتٍ حادة، قادتها الأسواق الآسيوية، خصوصًا في كوريا الجنوبية والهند.

بصورة عامة، يمكن القول إن قرار ترامب الأخير وسّع نطاق الحرب التجارية العالمية، متجاهلًا على ما يبدو تداعياته المحتملة. فقد هدّد الاتحاد الأوروبي وكندا بفرض رسوم جمركية أكبر بكثير مما هو مخطط له حاليًا، إذا تحالفا لإلحاق ضرر اقتصادي بالولايات المتحدة، وفق تعبيره، في إشارة إلى الرد المتوقع من أوروبا وكندا على الخطوة الأميركية الأخيرة. يُشار إلى أن هذه الرسوم تأتي استكمالًا لخطوات سابقة فرضت فيها إدارة ترامب تعريفات جمركية على الصلب والألمنيوم، إلى جانب سلع مستوردة من المكسيك وكندا والصين.

ترامب يعاقب الجميع ويرفض مبدأ المعاملة بالمثل

أكد ترامب أن الهدف الأساسي من فرض الرسوم الجمركية الجديدة على السيارات المستوردة يتمثل في تحفيز الإنتاج المحلي، وتعزيز تنافسية السوق الأميركية، وزيادة الأرباح، خصوصًا أن هذه الرسوم تستثني السيارات والشاحنات المصنّعة داخل الولايات المتحدة. ووصف ترامب اليوم الذي ستدخل فيه هذه الإجراءات حيز التنفيذ، في الثاني من نيسان/أبريل المقبل، بأنه "يوم التحرير الحقيقي للولايات المتحدة"، متوعّدًا في الوقت ذاته بفرض رسوم جمركية على الأدوية المستوردة، سعيًا لتوطين صناعتها داخل البلاد.

يرى الخبراء أن ترامب يستخدم الرسوم الجمركية كأداة لزيادة الإيرادات وتعويض التخفيضات الضريبية التي وعد بها، فضلًا عن سعيه لـ"إنعاش قاعدة صناعية أميركية متراجعة منذ فترة طويلة". ولذلك، لقيت هذه الخطوة إشادةً من نقابة عمال السيارات، التي طالما انتقدت اتفاقيات التجارة الحرة بحجة أنها أضرت بسوق العمل. وفي هذا الصدد، قال رئيس نقابة عمال السيارات المتحدة، شون فاين، في بيان: "هذه الرسوم الجمركية خطوة رئيسية في الاتجاه الصحيح لعمال السيارات ومجتمعات العمال".

في أول رد أوروبي، اعتبرت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، أن هذه الرسوم بمثابة ضرائب تُضرّ بالشركات والعمال والمستهلكين على حد سواء، مشيرة إلى أن "صناعة السيارات تُمثل محركًا للابتكار والتنافسية وتوفر وظائف عالية الجودة من خلال سلاسل التوريد المتكاملة على جانبي الأطلسي". وأضافت أن الاتحاد الأوروبي "سيقيّم الإعلان الأميركي إلى جانب تدابير أخرى تعتزم واشنطن اتخاذها في الأيام المقبلة". وبينما شددت فون دير لاين على التفاوض كخيار لحل الخلافات التجارية، أكدت أيضًا على ضرورة حماية المصالح الاقتصادية الأوروبية، قائلة: "باعتبارنا اتحادًا قويًا يضم 27 دولة، سنعمل معًا لحماية عمالنا وشركاتنا ومستهلكينا في جميع أنحاء أوروبا".

استوردت الولايات المتحدة عام 2024 منتجاتِ سياراتٍ بقيمة 474 مليار دولار، وكانت المكسيك واليابان وكوريا الجنوبية وكندا وألمانيا في صدارة أكبر المورّدين

أما رئيس الوزراء الكندي، مارك كارني، فكان أكثر حدة في تعليقاته، إذ وصف الإجراء الأميركي بأنه "هجوم مباشر على العمال الكنديين"، مؤكدًا أن بلاده تدرس "اتخاذ إجراءات صارمة ردًا على الخطوة الأميركية"، ومتعهّدًا بالدفاع عن كندا وعمالها وشركاتها.

من جهته، أعلن رئيس الوزراء الياباني، شيغيرو إيشيبا، أن طوكيو ستضع جميع الخيارات على الطاولة للتعامل مع الرسوم الجمركية الجديدة. في السياق ذاته، قالت كوريا الجنوبية إنها بصدد إعداد استجابة طارئة لحماية صناعة السيارات المتضررة بشدة، ومن المتوقع الإعلان عنها بحلول نيسان/أبريل.

أما الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، فقد حذّر من أن ترامب "يخاطر بإلحاق الضرر بالاقتصاد الأميركي من خلال فرض رسوم جمركية إضافية"، معتبرًا أن "الحمائية العدوانية لا تفيد أي دولة في العالم". كما أعلن أن البرازيل ستتقدم بشكوى إلى منظمة التجارة العالمية ضد الضريبة التجارية المفروضة على الصلب البرازيلي.

في المقابل، لم يقف ترامب متفرجًا على هذه الردود المتوقعة، بل سارع صباح اليوم الخميس إلى نشر تغريدة على منصته الخاصة "تروث سوشال"، هدد فيها كندا والاتحاد الأوروبي تحديدًا بفرض مزيد من الرسوم عليهما إذا عملا على تنسيق رد مشترك على الإجراءات الأميركية الجديدة المتعلقة بالسيارات والشاحنات المستوردة.