جمعوا أدق التفاصيل.. هكذا تجسس مخبرون في النظام السابق على السوريين
30 ديسمبر 2024
أسست عائلة الأسد نظام حكمها في سوريا منذ انقلاب عام 1970 الذي نفذه، حافظ الأسد، قبل أن يرث الحكم عنه ابنه المخلوع، بشار الأسد، على مبدأ الدولة البوليسية، حيث قامت بتجنيد أفراد الأسرة الواحدة للتجسس على بعضهم البعض، مشددة من قبضتها الأمنية القائمة على اعتقال الأشخاص المشكك بولائهم في شبكة من السجون السرية، والتي عملت إدارة العمليات السياسية على تبييضها بعد هروب الأسد الابن إلى موسكو، فيما تواصل فرق الخوذ البيضاء الكشف عن المقابر الجماعية التي دفن فيها آلاف المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه التقارير التي توثق لارتكاب النظام السابق جرائم ترقى إلى مستوى "جرائم الحرب"، كشفت وثائق استخباراتية سرية وصلت إليها صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أن أجهزة الأمن التي كانت تتبع للنظام السابق كانت تشك في ولاء المخبرين الذين كانوا يتعاونون معها، لدرجة أنها كانت تنظر إليهم على أنهم "عملاء مزدوجين"، إضافة إلى استجوابها الأطفال المتهمين بعدم الولاء للنظام السابق، فضلًا عن تدوين الملاحظات الدقيقة حول العلاقات العاطفية للمشتبه بولائهم لنظام الأسد المخلوع.
كشفت وثائق استخباراتية سرية أن أجهزة الأمن التي كانت تتبع للنظام السابق كانت تشك في ولاء المخبرين الذين كانوا يتعاونون معها، لدرجة أنها كانت تعتبرهم "عملاء مزدوجين"
تقول الصحيفة البريطانية إنها استطاعت الدخول إلى أربعة أفرع استخباراتية في مدينة حمص، بعد حصولها على موافقة "هيئة تحرير الشام"، التي تقود المرحلة الانتقالية في سوريا. وأظهرت الوثائق السرية التي قامت بتحليلها سجلات المعتقلين في السجون، بالإضافة إلى مكان إخفاء الاتصالات الداخلية المرتبطة بالتحقيق مع المخبرين المشكك بولائهم. التقرير يلفت أيضًا إلى أن عناصر النظام السابق حاولوا إحراق الوثائق قبل انسحابهم من فرعين استخباراتيين، ومع ذلك وجد فريق الصحيفة آلاف الوثائق السليمة التي لم تتمكن النيران من الوصول إليها.
كيف كانت تعمل الأجهزة الاستخباراتية للنظام السابق؟
تشبه "صنداي تايمز" أجهزة استخبارات النظام السابق بجهاز الأمن في ألمانيا الشرقية، مشيرة إلى أن النظام احتفظ بأدق تفاصيل الحياة اليومية للأشخاص المشتبه بولائهم، بما في ذلك المتعاونين معه، وقام بحفظها في وثائق مختومة ومفهرسة على الأرف. ووفقًا للصحيفة البريطانية فإن عناصر النظام السابق قاموا بالتجسس على الهواتف، واختراق أجهزة الكومبيوتر، بالإضافة إلى مراقبة المشتبه بولائهم شخصيًا، واصفة المعلومات التي جمعتها العناصر بأنها "شاملة بشكل لا يصدق، ومملة للغاية في الكثير من الأحيان"، لكنها كانت بالنسبة للنظام السابق اكتشاف "نقاط ضعف" الأشخاص الذين يراقبهم.
من بين الانتهاكات التي يوردها تقرير "صنداي تايمز"، قصة طفل من مدينة حمص يبلغ من العمر 12 عامًا، تم اعتقاله واستجوابه بتهمة تمزيق صورة الأسد المخلوع، ويضيف التقرير أن المحققين على الرغم من تأكدهم أن عائلته لم تشارك في أي نشاط معارض ضد النظام السابق، وأن الطفل قال للمحققين إنه: "لم تكن لديه نوايا سيئة ولم يكن ينوي الإساءة إلى أي شخص"، إلا أنه في النهاية تم إرساله بعد أربعة أيام من التحقيق إلى المحاكمة. كما تم إجبار شاب معتقل على الاعتراف بـ70 اسمًا، بعد استخدام سياسة "الترغيب والترهيب"، كما يرد على لسان أحد المحققين في الوثائق.
ينوه تقرير الصحيفة البريطانية إلى أن الوثائق لا تظهر العدد الفعلي للمخبرين الذين كانوا يتجسسون لصالح أجهزة الأمن، لكن "النطاق الهائل لعمليات التجسس" يظهر أن عددهم كان كبيرًا، وأنهم كانوا متجذرين في المجتمع المحلي، لدرجة أنهم كانوا يتجسسون على بعضهم البعض بشكل دائم. وبحسب الوثائق التي حصلت عليها، فإن الكثير منها تشير إلى أسماء أشخاص تم اعتقالهم للاستجواب، سرعان ما أطلق سراحهم بعد اكتشاف أنهم مخبرون سريون.
#سوريا | الشبكة السورية لحقوق الإنسان تكشف عن عدد المفقودين في سجون نظام الأسد.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) December 28, 2024
تقرؤون التفاصيل في التقرير: https://t.co/w4LXBLPqSL pic.twitter.com/A0fXSkFFp0
وكان تقرير صادر عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أشار إلى أن عمليات الإفراج عن المعتقلين التي تزامنت مع استعادة إدارة العمليات العسكرية لـ"ردع العدوان" السيطرة على المدن الكبرى، مما أدى إلى فتح السجون والفروع الأمنية، وصدور قرارات بالإفراج عن المعتقلين، مضيفًا أن العدد الإجمالي للمعتقلين والمخفيين قسرًا بلغ 136,614 شخصًا حتى آب/أغسطس 2024.
وقال قائد إدارة العمليات العسكرية، أحمد الشرع، في تصريحات سابقة إنهم سيقدمون "مكافآت إلى من يدلي بمعلومات عن كبار ضباط الجيش والأمن المتورطين في جرائم حرب"، مؤكدًا "لن نتوانى عن محاسبة المجرمين والقتلة وضباط الأمن والجيش المتورطين في تعذيب الشعب السوري. سوف نلاحق مجرمي الحرب ونطلبهم من الدول التي فروا إليها حتى ينالوا جزاءهم العادل".
ولفت الشرع في تصريحاته التي جاءت بعد سقوط نظام الأسد بيوم واحد إلى أنه سيتم الإعلان "عن قائمة رقم 1 تتضمن أسماء كبار المتورطين في تعذيب الشعب السوري"، مضيفًا "لقد أكدنا التزامنا التسامح مع من لم تتلطخ أيديهم بدماء الشعب السوري، ومنحنا العفو لمن كان ضمن الخدمة الإلزامية"، مشددًا في نهاية البيان على "أن دماء الشهداء الأبرياء وحقوق المعتقلين أمانة لن نسمح أن تهدر أو تنسى".