جنوب لبنان تحت سطوة المطاوعة
20 يوليو 2016
أنهت السعودية رسمياً العمل بما يسمّى "هيئة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر"، أو "المطاوعة" وقلّصت من صلاحيات هذه الهيئة بما يتناسب والقرن الحادي والعشرين، وحاولت بذلك، السعودية، السير نحو الحداثة القانونية، لكن المفاجأة لم تكن في إلغاء السعودية هيئتها، بل في استحداث بلديات منتخبة في جنوب لبنان "هيئتهم الخاصّة"، متجاوزين القوانين اللبنانية.
وجّهت بلدية جبشيت تعميماً لمحلات الألعاب الإلكترونية ومقاهي الأنترنت يوصي بمنع الاختلاط بين الذكور والإناث في المحلات وهي بذلك تخالف القانون
اقرأ/ي أيضًا: جنوب لبنان.. تصاعد معركة الكحول
جبشيت، "خزّان الشّهداء"، كما يحلو لأهلها تسميتها، والتي فاز حزب الله بمجلسها البلدي ورئاسته في الانتخابات الماضية، قرّرت الاستقلال عن الجمهورية اللبنانية، وإعلانها "داخلياً" العمل بالقانون الشّرعي، أي بالشريعة. وجّهت البلدية كتاباً، أو تعميماً لمحلات الألعاب الإلكترونية ومقاهي الأنترنت، تحدّد فيه ساعات العمل وشروطه، كأي بلدية، يكفل القانون للبلديات حقّ فرض قواعد على محيطها، فهي تمثّل السّلطة التّنفيذية المصغّرة، وتنفّذ التّشريعات الصادرة عن المحافظ أو الوزارات، لكن ينتهي دور البلديات، قانونيًا، عند التّنفيذ ولا يتعداه للتشريع.
بلدية جبشيت طالبت المحلات بتفادي إزعاج الجيران وإقفال المحال عند الثانية عشر ليلاً، واحترام البيئة والنظافة العامة. تعميم البلدية هذا ملفت وقانوني، إلى أن يصل للبنود "الأخلاقية"، فالبلدية طالبت المحال بالإقفال مدة ساعةٍ عند حلول موعد الصلاة، ومن الحادية عشر ظهراً حتى انتهاء الصّلاة نهار الجمعة، للمشاركة في صلاة الجماعة، كما أوصت بمنع الاختلاط بين الذّكور والإناث في المحلات، تحت طائلة الجزاء والإقفال.
في توصياتها الأخلاقية، خالفت بلدية جبشيت القانون اللبناني، فالقانون كما الدستور، يكفل حرية التعبير والمعتقد والتنقل، أي أن المحلات غير مجبرةٍ على الإقفال في مواعيد الصلاة، وللأفراد الحق في الاختلاط دون أي رادعٍ قانوني، ولأصحاب المحلات أيضاً الحق في تحديد طبيعة قبولهم لزبائنهم والشّرائح التي يستقطبونها، وعلى الرغم من كون تجارة الأقراص المدمجة ذات المحتوى الإباحي تعتبر فعلاً غير مقبول، لكن في حال بيعها لغير القاصرين، لا جرم يعاقب عليه أصحاب المحلات ولا سلطة للبلديات أصلاً عليهم، فلا تستطيع البلدية بتّ أمر الإقفال من عدمه، ولا يمكنها لعب دور الضابطة العدلية والشرطي.
حاول بعض أعضاء بلدية "عيترون" الدفع نحو إقرار منع الرجال من السباحة عراة الصدور بمحضر النساء في أحد المسابح الموجودة بالضيعة
اقرأ/ي أيضًا: الرقيب الطائفي يقتطع من قبور هذه الأرض
قد تكون البنود الأولى من تعميم البلدية منطقية، تراعي القانون والأخلاق المجتمعية، النقاط التعجبية تكمن خاصة في البنود "الدينية"، بلدية "عيترون" أيضاً واجهت اختلافاتٍ في وجهات النظر بين أعضائها، فالبعض، حاول الدفع نحو إقرار قرارٍ يمنع بموجبه الرجال من السباحة عراة الصّدور بمحضر النّساء في أحد المسابح الموجودة بالضيعة. البلديات المعنية، تتعاطى مع الشأن البلدي قياساً على مجتمعها الضّيق، وبحكم كون هذا المجتمع من لونٍ ديني واحد تقريبًا، تصدر البلديات تعميمات لا تنسجم وقانون الدولة، وتقفز فوقه لتغليب رؤى أعضاء البلدية.
بين سكان جبشيت، التّعميم لم يلقَ اعتراضاً كبيراً، حتى أن البعض رحّب به، واعتبر أن إصداره أمرٌ واجب، مستنداً إلى خلفيةٍ دينية بحتة. لا يعي المرحبون خطورة القرار، وتشريعه للفيديرالية، فيديرالية المناطق، فغداً قد يصدر تعميمٌ من بلديةٍ مسيحية يقضي بمنع المسلمين من التّجوال، أو حجب صوت المساجد.
بعد البلبلة التي حصلت في جنوب لبنان، النّبطية وكفرّرمان، بسبب حملة منع المشروبات الرّوحية والدّعوة لإغلاق محالها، انتصر الأهالي في تلك المعركة، وجعلوا منها معركة حرّياتٍ لا معركةً للدفاع عن المشروبات الرّوحية كما حاول الطّرف الآخر إظهارها، واليوم، يواجه الأهالي معركة حرّياتٍ جديدة، وتحدٍ جديد في مناطق أعطت 35 في المئة من أصواتها لليسار، للحفاظ على هوية الجنوب المتنوّعة.
اقرأ/ي أيضًا: