حافظ بشار الأسد على "إكس".. إعادة تدوير لأكاذيب النظام السابق

خرج حافظ بشار الأسد، نجل رئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، في سلسلة من التدوينات التي نشرها على منصة "إكس" للتواصل الاجتماعي خلال اليومين الماضيين، كان أحدثها تدوينة نُشرت، اليوم الجمعة، وصفها بأنها "الرسالة التي من الممكن أن تكون الأخيرة"، محاولًا التنصل من الحقائق التي انكشفت تباعًا منذ الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، وأظهرت كيف أن النظام السابق بعقليته الاستبدادية والبوليسية تسبب بمقتل مئات الآلاف من السوريين، بينهم من لا يزال مصيرهم مجهولًا حتى اليوم.

إعادة تدوير لأكاذيب النظام السابق

يحاول الأسد الابن في منشوره إلقاء اللوم على رئيس فرع الأمن السياسي في محافظة درعا، العميد عاطف نجيب، ابن خالة الرئيس المخلوع، الذي ألقى جهاز الأمن الداخلي في حكومة تصريف الأعمال القبض عليه نهاية الشهر الماضي. حيثُ كان لنجيب الدور الأكبر بالتسبب في اندلاع الاحتجاجات في عموم سوريا في 15 آذار/مارس 2011، عندما أمر بتعذيب أطفال درعا بشكل وحشي لأنهم خطوا عبارات معارضة للنظام على جدران المحافظة، متجهًا إلى نهج أمني متشدد مدعومًا من ابن خالته، وفقًا لخطابات الرئيس المخلوع في تلك الفترة. 

في تدوينته التي يصفها الأسد الابن بـ"الأخيرة" يتساءل "ماذا لو اتبع عاطف نجيب سياسة لائقة بأهالي درعا عندما طالبوا بإخراج أبنائهم الاطفال بسبب عبارات جدارية؟ ألم كان ليجنب البلد هذا الدمار؟". محملًا لجوء النظام السابق إلى حملة القمع الممنهجة، التي تخللها استهداف المناطق الخارجة عن سيطرته بالأسلحة الكيميائية والبراميل المتفجرة لـ"قادة الجيش وفرق منها قائد الفرقة الرابعة وهو المسؤول الأول والعقل المدبر لفكرة القمع الممنهجة!".

وهو في هذه الإشارة يُحمل قائد الفرقة الرابعة وشقيق والده، ماهر الأسد، المسؤولية المباشر عن المجازر التي ارتكبتها قوات النظام السابق بحق السوريين على مدار 14 عامًا. مرة أخرى، يحاول النظام السابق ممثلًا بالأسد الابن إعادة إنتاج الأكاذيب ذاتها التي لجأ إليها سابقًا، لكن بصورة مختلفة، متجاهلًا أن نظام والده حوّل سوريا إلى دولة مافيا تحكمها شبكات التهريب وتجار الكبتاغون، كانت تديرها الفرقة الرابعة.

الرسالة التي من الممكن أن تكون الاخيرة…

هل مجرد رفع علم او نشره وطرح رأي شخصي بعد اكتشاف الحقائق التي طالما أخفيت صحتها وتفاصيلها عنك تصبح جريمة يعاقب عليها !!
تصل الى حد التهديد بالقتل او الحرمان من حريتك الشخصية !!
لمجرد قولك الحقيقة !!
وهل الوقوف مع ابناء شعبك تعتبر أرهاب…

— Hafez AL-Assad (@HafezALAsssad) February 14, 2025

كما أنه يتجاهل حقيقة أن والده متهم بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن سوريا تحولت إلى دولة فاشلة بسبب سياساته، رغم أن جميع محاولات التجميل الإعلامية التي يحاول الأسد الابن سوقها لن تغير واقع أن نظام والده هو المسؤول المباشر عن عملية القمع المننهجة، وأنه كان السبب الرئيسي في تحويل سوريا إلى ساحة حرب بالوكالة، وهو بذلك يؤكد نهج النظام السابق الذي كرر تقديم روايات مضللة، محاولًا التنصل من حرب الإبادة وعمليات التهجير القسري التي شهدتها البلاد لأكثر من عقد من الزمن.

مسرحية دعائية جديدة

وفي تدوينة أخرى على المنصة ذاتها، يُعيد الأسد الابن تقديم الروايات المضللة ذاتها، يُحمل مسؤولية الفساد وجرائم التعذيب التي ارتكبت داخل أقبية سجون النظام السابق للضباط الفاسدين، متجاهلًا أنها كانت جزء من سياسة ممنهجة كان متبعة منذ نظام الرئيس السابق، حافظ الأسد، الذي حكم البلاد بعقلية بوليسية منذ انقلاب 1970، محاولًا الالتفاف على حقيقة أن جميع القرارات، بدءًا من القمع وحملات الاعتقال، وليس نهاية باستخدام السلاح الكيميائي وتصفية المعتقلين، كانت تتم بأوامر مباشرة من والده وأجهزته الأمنية.

أخر صورة لي في دمشق الياسمين .
قبل مغادرتي لها بيوم واحد وكان صوت الرصاص يعلو من كل مكان الغريب بان صوت الرصاص الذي اعتدنا عليه طيلة ١٤ سنة منذ بدء الحراك الشعبي ..
الذين طالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية اختلف عن يوم سقوط دمشق وكأن شيء ما تغير وهل نسميه سقوط ام كما… pic.twitter.com/mjh4NQRQrU

— Hafez AL-Assad (@HafezALAsssad) February 13, 2025

هناك الكثير من الأسئلة التي تثيرها تدوينات الأسد الابن الأخيرة، من بينها أن والده عندما هرب من سوريا لم يأخذ منها إلا "بعض من رواتب والدي ومستحقاته من أعمال كونه مواطنًا سوريًا، وبعض من أعمالنا الشخصية من مشاريع". ولعل الأهم من ذلك التنصل من الجرائم بحق المعتقلين والمعتقلات في سجن صيدنايا، الذي وصفته منظمة العفو الدولية بـ"المسلخ البشري"، ورد والده في مقابلة قديمة على صور قيصر التي تم تسريبها من داخل سجون بأنها "أخبار كاذبة"، واصفًا إياها بـ"فوتوشوب".

تظهر تدوينات الأسد الابن الأخيرة كما لو أنها مسرحية دعائية جديدة، يحاول من خلالها النظام السابق إعادة تدوير نفسه بعد أن أصبح مكشوفًا أمام الجميع. إذ إن محاولة تصوير بشار الأسد كـ"ضحية للتضليل" كذبة لن يصدقها أحد، خاصة في ظل توثيق عشرات المنظمات الحقوقية لجرائم والده، وكبار الضباط، بما فيهم ماهر الأسد، وعلي مملوك، المتهمين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في سوريا.

كُثرت الاشاعات عن الاموال التي اخذناها
قيل انها مئات المليارات من الدولارات
وقيل ٢٠٠ طن من الذهب
فكل ماقيل عار عن الصحة فلم ناخذ معنا شي كما رأيتم حتى في منزلنا هناك مقتنيات خاصة لم يسعنا الوقت لأخذها معنا فكيف ب ٢٠٠ طن من الذهب ومئات المليارات من الدولارات التي هي من حق الشعب…

— Hafez AL-Assad (@HafezALAsssad) February 13, 2025

وكان تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأميركية في عام 2022 قد رجّح حجم ثروة عائلة الأسد ما بين مليار إلى ملياري دولار أميركي، مضيفًا ، أن عائلة الأسد جمعت ثروتها من خلال إدارتها لـ"نظام رعاية معقد يشمل شركات وهمية وواجهات شركات تعمل كأداة للنظام للوصول إلى الموارد المالية، عبر هياكل مؤسسية وكيانات غير ربحية تبدو مشروعة، وغسل الأموال المكتسبة من أنشطة اقتصادية غير مشروعة".

تدوينات الأسد الابن "أمر ليس مصادفة"

تدوينات الأسد الابن على منصة "إكس" أثارت ردود فعل غاضبة، خاصة المقطع المصوّر الذي ظهر فيه مؤكدًا ملكيته للحسابين المنتشرين على منصتي "إكس" و"إنستغرام"، وهو ما دفع بالإعلاميين إلى تتبع موقع تصوير المقطع.

بحسب ما كتب الإعلامي، بهاء دبوس، عبر صفحته على منصة "فيسبوك"، فإن "الشارع الذي ظهر فيه حافظ الأسد (جونيور) اسمه Ulitsa Bol'shaya Ordynka ويقع في قلب موسكو"، مضيفًا أنه "يبعد مسافة 7 كيلو متر (نحو ربع ساعة بالسيارة وسطيًا) عن منطقة موسكو سيتي، التي رجحت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية إقامة عائلة الأسد فيها بعد هروبها من سوريا، نظرًا لامتلاكها أكثر من 20 شقة سكنية فاخرة في مجمع سيتي أوف كابيتالز الموجود فيها".

وكانت تقارير سابقة، من بينها تقرير لموقع "ديلي ميل" البريطاني، قد رجح أن تستعين عائلة الأسد بعلاقاتها الشخصية، وأصولها المالية واسعة النطاق للحفاظ على حياتهم الباذخة في موسكو، مشيرة إلى أن الأسد اشترى نحو 20 شقة في موسكو، حيثُ بلغ سعر الشقة الواحدة منها ملايين الدولارات، مما يؤكد أن العائلة كانت تخطط لأن تكون موسكو ملاذًا أمنًا لها في المنفى.

من جانبه، علّق الكاتب أحمد العسيلي على تدوينة الأسد الابن بالقول: "عودة حافظ ابن بشار الأسد للميديا أعتقد أنه موضوع خطير و لا يجب أبدًا التهاون فيه"، معيدًا التذكير بالضباط الذين لا يزالون يدينون بالولاء لنظام والده، وشقيقه ماهر، مضيفًا "أبدًا مالي متفائل بهيك ظهور وما عم أقدر أخده بسخرية للأسف، بتمنى كون غلطان جد بس بعرف أنها عائلة مجرمة مستحيل تتنازل بسهولة، وبعرف عقليات أتباعهم".

كما أشار عمر قصير في منشوره إلى أن الناشطة الأميركية الكندية، إيفا بارليت، التي كانت "من أبرز المدافعين عن بشار الأسد والناشرين لبروبغندا النظام حول ما يحدث في سوريا"، قد نشرت تغريدة تقول فيها: "عاجل.. هذا المنشور هو لنجل بشار الأسد، حافظ الأسد، وأستطيع أن أؤكد أن هذا الحساب حقيقي (أي أنه لحافظ) وليس لأحد ينتحل شخصيته، فقد تواصلت معه مؤخرًا، وكنت أعلم أنه سينشئ قناة على تلغرام وحسابًا في موقع إكس، أنا أؤكد أن الحساب له".

في حين ربط الصحفي قتيبة ياسين في منشوره بين مقطع الأسد الابن المصور من جانب، واتصال الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، برئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، من جانب آخر، معتبرًا أن "الأمر ليس مصادفة"، داعيًا موسكو إلى "تسليم حافظ ووالده بشار وأمه أسماء مع الأموال التي سرقوها على نفس الطائرة التي سرقوها"، مؤكدًا على أنه "يجب أن تكون هذه أول خطوة لإثبات حسن النية قبل فتح أي ملف تعويضات".

أما أروى مشوح، فقد قالت في منشور لها على منصة "إكس": "أعتقد أن ظهور حافظ بشار الاسد، يتسكع في شوارع موسكو، ليس خروجًا غير مدروس، بل ظهر يتمايل في مشيته، وملامحه، ملامح شخص "أمن العقاب"، له ولعائلته!".

أعتقد أن ظهور حافظ بشار الاسد، يتسكع في شوارع موسكو، ليس خروجًا غير مدروس، بل ظهر يتمايل في مشيته، وملامحه، ملامح شخص "أمن العقاب"، له ولعائلته.!

— أروى مشوح Arwa Mushaweh (@Arwa_Mushaweh) February 13, 2025

الجدير بالذكر أن المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، كان قد أكد بعد أيام من هروب بشار الأسد إلى موسكو، أن الرئيس الروسي قرر منح الأسد وعائلته حق اللجوء في روسيا، وهو قرار أثار موجة من التساؤلات حول خلفياته السياسية، حيث تزامنت هذه الخطوة مع التحديات القانونية التي يواجهها الأسد جراء تورطه في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.