حصيلة مدمرة.. تأثيرات النزاعات والحروب على الأطفال
29 ديسمبر 2024
اعتبرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونسيف" أن عام 2024 يعدّ أحد أسوأ الأعوام للأطفال في النزاعات، حيث وصل تأثير النزاعات المسلحة على الأطفال في هذا العام ـ في جميع أنحاء العالم ـ إلى مستويات مدمرة، يرجّح أنها مستويات قياسية، وذلك فقًا لاستعراض أجرته اليونيسف لأحدث البيانات المتوفرة وللتوجهات العالمية السائدة.
فالتقديرات تشير، حسب اليونسيف، أنَّ عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق نزاعات أو هجّروا قسرًا بسبب النزاعات والعنف يفوق أيّ وقت مضى. كما أن ثمة، وفقًا لليونسيف، "عددًا قياسيًا من الأطفال المتأثرين بالنزاعات يعانون من انتهاك حقوقهم، بما في ذلك القتل أو الإصابة، وعدم الالتحاق بالمدارس، وخسارة اللقاحات المنقذة للأرواح، والتعرّض لسوء التغذية الخطير".
وتتوقع يونسيف "أن يتزايد هذا العدد. وتتسبب النزاعات بحوالي 80 بالمئة من جميع الاحتياجات الإنسانية في جميع أنحاء العالم، وفي تعطيل إمكانية الحصول على الاحتياجات الأساسية، بما في ذلك المياه المأمونة والغذاء والرعاية الصحية".
عام 2024 يعد أحد أسوأ الأعوام المسجّلة في تاريخ اليونيسف للأطفال الذين يعيشون في أوضاع نزاعات
وكشف تقرير يونسيف الصادر أمس السبت أنّ "أكثر من 473 مليون طفل حالياً — أي أكثر من طفل واحد من كل ستة أطفال في العالم — يعيشون في مناطق متأثرة بالنزاعات، في الوقت الذي يشهد فيه العالم أعلى عدد من النزاعات منذ الحرب العالمية الثانية"، كما زدادت أيضًا "نسبة أطفال العالم الذين يعيشون في مناطق نزاعات بمقدار الضعفين، من حوالي 10 بالمئة في عقد التسعينيات من القرن الماضي إلى حوالي 19 بالمئة حاليا" حسب يونسيف.
وأشار تقرير المنظمة العالمية للطفولة إلى أنه "بحلول نهاية عام 2023، بلغ عدد الأطفال المهجّرين بسبب النزاعات والعنف 47.2 مليونًا، وتشير التوجهات للعام 2024 إلى حدوث المزيد من التهجير بسبب تصاعد النزاعات، بما في ذلك في هايتي، ولبنان، وميانمار، ودولة فلسطين، والسودان".
وعلى الرغم من أن نسبة الأطفال "تمثل فقط 30 بالمئة من سكان العالم، إلّا أنهم يشكلون في المعدل حوالي 40 بالمئة من السكان اللاجئين، و 49 بالمئة من المهجّرين داخليًا".
وتقول المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل، "لقد كان عام 2024، وحسب جميع المقاييس تقريبًا، أحد أسوأ الأعوام المسجّلة في تاريخ اليونيسف للأطفال الذين يعيشون في أوضاع نزاعات، من حيث عدد الأطفال المتأثرين ومستوى التأثير على حياتهم على حدٍ سواء. فالأرجحية أكبر بكثير أن يكون الطفل الذي ينشأ في منطقة نزاع غير ملتحق بالمدرسة، ويعاني من سوء التغذية، أو مهجّراً من منزله (وغالباً عدة مرات) بالمقارنة مع طفل يعيش في مكان يعمّه السلام. يجب ألا يصبح ذلك هو الأمر المعتاد الجديد. ولا يمكننا السماح بأن يصبح جيل من الأطفال ضررًا جانبيًا في عالم تدور فيه الحروب دون رادع" وفق تعبيرها.
واستنادًا إلى آخر المعلومات المتوفرة في عام 2023، تحققت الأمم المتحدة "من حدوث عدد قياسي من الانتهاكات الجسيمة بلغ 32,990 انتهاكًا ضد 22,557 طفلًا، وهو أعلى عدد يسجّل منذ بدء الرصد الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".
في غزة مثلًا تقول يونسيف "قُتل آلاف الأطفال أو أصيبوا بجراح"، وبحسب المعلومات التي تحققت الأمم المتحدة منها، فإن "عدد الخسائر في الأرواح بين الأطفال أثناء الأشهر الـ 9 الأولى من عام 2024 يفوق العدد المسجل طوال عام 2023 ومن المرجح أن يشهد هذا العام زيادة أخرى".
أما فيما يخص "وضع النساء والبنات"، فهو حسب يونسيف، "مثير للانشغال بصفة خاصة، فثمة تقارير واسعة النطاق عن حدوث حالات اغتصاب وعنف جنسي في أوضاع النزاعات. ففي هايتي، حدثت زيادة بنسبة 1,000 بالمئة لغاية الآن من هذا العام في حالات العنف الجنسي ضد الأطفال المبلغ عنها، وفي أوضاع النزاعات المسلحة، ثمة نزعة بأن يتعرّض الأطفال ذوو الإعاقات أكثر من غيرهم للعنف وانتهاك الحقوق".
على صعيد التعليم لاحظ تقرير يونسيف أنه شهد "تعطيلات شديدة في مناطق النزاعات، ويُقدّر أنَّ ثمة 52 مليون طفل في بلدان متأثرة بالنزاعات غير ملتحقين بالمدارس. وقد خسر الأطفال في غزة، وقسم كبير من الأطفال في السودان، أكثر من سنة كاملة من الدراسة، فيما تعرضت المدارس في بلدان من قبيل أوكرانيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسوريا لأضرار أو الدمار أو استخدامها لغايات أخرى، مما ترك ملايين الأطفال دون إمكانية الحصول على التعليم. وقد أدى تدمير الهياكل الأساسية التعليمية وانعدام الأمن قرب المدارس إلى مفاقمة وضع صعب أصلاً لتعليم الأطفال في تلك المناطق".
وفيما يخص سوء التغذية بين الأطفال في مناطق النزاعات، أكدت يونسيف أنه "بلغ مستويات مثيرة للقلق" مشددة على أنّ "النزاعات والعنف المسلح تستمر في كونها المحركات الرئيسية للجوع في العديد من البؤر الساخنة، إذ تؤدي إلى تعطيل الأنظمة الغذائية، وتهجير السكان، وإعاقة إمكانية الوصول الإنساني. وعلى سبيل المثال، تم تحديد حدوث أوضاع مجاعة في شمال دارفور بالسودان، وهو أول تحديد لحدوث مجاعة منذ عام 2017. وفي عام 2024، يُقدّر أنَّ أكثر من نصف مليون شخص في خمسة بلدان متأثرة بنزاعات يعيشون في أوضاع المرحلة 5 من ’التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي‘، وهذه المرحلة هي الوضع الأشد لانعدام الأمن الغذائي".
آلاف الأطفال في غزة حصدت أرواحهم آلة القتل الإسرائيلية
ولفتت يونسيف أيضا إلى أن النزاعات أدّت أيضًا إلى "تأثير مدمر على إمكانية الأطفال في الوصول إلى الرعاية الصحية الحاسمة الأهمية. ويعيش حوالي أربعين بالمئة من الأطفال غير الحاصلين على أي جرعة لقاح أو المنقوصي التحصين في بلدان متأثرة جزئيًا أو كليًا بنزاعات. وغالبًا ما يكون هؤلاء الأطفال هم الأكثر عرضة للتأثر بحالات تفشي الأمراض من قبيل الحصبة وشلل الأطفال، وذلك بسبب تعطيل خدمات الأمن والتغذية والصحة أو نقص إمكانية الوصول إليها".
كما أشار تقرير يونسيف إلن "أنَّ التأثير على الصحة العقلية للأطفال كبير جدًّا بسبب النزاعات، ومن الممكن أن يتجلّى التعرّض للعنف والدمار وخسارة الأحباء بين الأطفال عبر ردود أفعال من قبيل الاكتئاب والكوابيس وصعوبة النوم، والسلوك العدائي أو المنعزل، والحزن والخوف، وأشكال أخرى"، وتمّ رصد بعض هذه الاضطرابات لدى الأطفال في غزة جرّاء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على القطاع المحاصر.
وترى المديرة التنفيذية ليونسيف كاثرين راسل أنّ "الأطفال في مناطق النزاعات يواجهون كفاحًا يوميًا من أجل البقاء يحرمهم من طفولتهم. فمدارسهم تُقصف، ومنازلهم تُدمر، وأسرهم تتشتت. وهم لا يخسرون فقط أمانهم وإمكانيتهم في الحصول على الضروريات التي تحافظ على حياتهم، بل يخسرون أيضا فرصهم باللعب والتعلّم وأن يكونوا أطفالا ببساطة. والعالم يخذل هؤلاء الأطفال. وإذ نتطلع إلى عام 2025، يجب أن نفعل المزيد لتغيير هذا الوضع وإنقاذ حياة الأطفال وتحسينها".
وختمت المنظمة العالمية تقريرها بالقول إن "اليونيسف تدعو جميع أطراف النزاعات، والجهات التي تملك تأثيرا عليها، أن تقوم بعمل حاسم لإنهاء معاناة الأطفال، وضمان إعمال حقوقهم، والوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني".