خطة التسليح الأوروبية.. تحول جيو سياسي خطير بالنسبة لروسيا

خصص الاتحاد الأوروبي خلال قمته الطارئة في بروكسل مبلغ 800 مليار دولار لخطة إعادة التسليح ودعم أوكرانيا، في خطوة يبررها القادة الأوروبيون بمواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة من جانب روسيا. كما يعزو الأوروبيون هذا الإنفاق الضخم إلى رغبتهم في تعزيز استقلالهم الدفاعي، في ظل تزعزع الثقة في التزام الحليف الأميركي، خصوصًا بعد وقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للمساعدات الأميركية لكييف، وتقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

تحذير روسي من التصعيد المضاد

في المقابل، أصدرت وزارة الخارجية الروسية بيانًا، اليوم السبت، وصفت فيه القرارات الدفاعية التي خرجت بها قمة بروكسل، وعلى رأسها تخصيص 800 مليار دولار للتسلح، بأنها تمثل "تطورًا جيوسياسيًا خطيرًا". وأضاف البيان أن الاتحاد الأوروبي، الذي كان يزعم أنه اتحاد اقتصادي، يتحول بسرعة إلى "اتحاد عسكري" يسعى إلى إلحاق هزيمة إستراتيجية بروسيا.

من جهتها، انتقدت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، التوجهات الجديدة للاتحاد الأوروبي، معتبرة أن تصرفاته الجيوسياسية "الخطيرة" تعكس عدم إدراك، أو تجاهلًا متعمدًا، للعواقب الحقيقية لهذه القرارات وتداعياتها، في نبرة لا تخلو من تهديد روسي بإجراءات تصعيدية مضادة.

خصص الاتحاد الأوروبي مبلغ 800 مليار دولار لتعزيز قدراته الدفاعية ودعم أوكرانيا

في تعليقها على قرار القمة الأوروبية في بروكسل بزيادة الدعم العسكري والمالي لأوكرانيا، اعتبرت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن هذه الخطوة تعكس نية قادة أوروبا في تأجيج التوترات وتقويض مسارات السلام. وربطت زاخاروفا هذا القرار برفض الموقف الأوروبي والأوكراني للمبادرة الأميركية، التي لم تتضمن ضمانات أمنية حقيقية لكييف، وفق تعبيرها.

إعادة تسليح الجيوش الأوروبية ورفع جاهزيتها تحسّبًا للحرب الشاملة:

خلال السنوات الأربع المقبلة، تعتزم الدول الأوروبية تخصيص 800 مليار دولار لتعزيز قدراتها الدفاعية المشتركة، عبر شراء أنظمة دفاع جوي وصاروخي، ومدفعية، وطائرات مسيرة، وأنظمة مكافحة المسيّرات. كما سيتم تخصيص جزء من هذه الميزانية الكبيرة لدعم أوكرانيا عسكريًا واقتصاديًا.

وفي إجراء عاجل لدعم كييف، خصص الاتحاد الأوروبي أكثر من 30 مليار دولار للمجهود الحربي الأوكراني هذا العام، منها 18 مليار دولار مستمدة من الأصول الروسية المجمدة في البنوك الأوروبية. كما أوصى القادة المجتمعون في بروكسل بـتسريع تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، وتعزيز مسار انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك استنادًا إلى توصيات اجتماع روما 2005، التي شملت أيضًا وعودًا بضم أوكرانيا وجورجيا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو).

إلا أن هذا المسار كان أحد أبرز الخطوط الحمراء لموسكو، التي اعتبرت أوكرانيا جزءًا من عمقها الاستراتيجي. ومع تصاعد الدعم الأميركي والغربي لكييف، أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ثم شنت حربًا شاملة ضد أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. وترى موسكو اليوم أن الاتحاد الأوروبي بات يتحول تدريجيًا إلى كيان عسكري، خاصة مع تراجع الثقة في الناتو.

ألمانيا تفاجئ أوروبا:

في تطور لافت، أعلنت ألمانيا عن رصد ميزانيات ضخمة لتعزيز قدراتها العسكرية، في تحول جذري عن سياستها التقليدية في الحد من التسلح، والتي تبنتها على مدى أكثر من 80 عامًا.

وخلال القمة، دعت برلين إلى إصلاح قواعد الميزانية الأوروبية المتشددة، مما فاجأ العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين، وفقًا لوكالة فرانس برس، خاصة أن ألمانيا كانت من أشد المدافعين عن سياسة التقشف المالي.

وفي هذا السياق، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، السماح للدول الأعضاء بزيادة مستويات العجز المالي، لإفساح المجال لمزيد من الإنفاق الدفاعي. كما دعت إلى إعادة توجيه بعض الأموال المخصصة للبرامج التنموية نحو ميزانيات الدفاع.

أما بريطانيا، فقد تبنت نهجًا مشابهًا، حيث قامت حكومة كير ستارمر بتحويل جزء من مخصصات المساعدات الخارجية إلى الإنفاق العسكري.

لا إجماع أوروبي على زيادة التسلح

رغم حماسة معظم الدول الأوروبية لخطة إعادة التسليح ودعم أوكرانيا، إلا أن هذا التوجه لم يلقَ إجماعًا كاملاً، إذ أعرب رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، عن معارضته لبعض بنود القمة، محذرًا من إصدار مقررات خطية بشأن أوكرانيا.

ووفقًا لوكالة "فرانس برس"، فإن موقف أوربان قد يكشف الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي حول هذه القضية في العلن، مما قد يهدد بتباطؤ تنفيذ بعض القرارات الدفاعية المتفق عليها.