خوفًا من مصير أوكرانيا.. تايوان تعيد تقييم العلاقات مع واشنطن بما يناسب تطلّعات ترامب
4 يمشي 2025
التقطت تايوان بسرعة الإشارات والرسائل القادمة من البيت الأبيض، على خلفية المشادة الكلامية بين ترامب وزيلينسكي، وما أعقبها من إعلان الإدارة الأميركية، اليوم الثلاثاء، وقف المساعدات العسكرية لكييف مؤقتًا.
بادرت تايبيه، لمهددة بضمّها من الصين بالقوة، لى إعادة التفكير في كيفية التعامل مع الحليف الأميركي، الذي يضع مصالحه الاقتصادية والتجارية فوق كل اعتبار. ويبدو أن عملية إعادة التقييم الاستراتيجي دفعت تايبيه إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، واتخاذ إجراءات لمعالجة العجز التجاري مع الولايات المتحدة الأميركية. ليس ذلك فحسب، بل تتجه تايوان نحو توطين جزء من صناعاتها في مجال الرقائق وأشباه الموصلات المتطورة داخل الولايات المتحدة، وهو ما يطالب به ترامب من حلفائه مقابل استمرار العلاقات الإستراتيجية.
أعلنت تايوان أنها بصدد رفع مستوى الإنفاق العسكري من ناتجها المحلي الإجمالي، كما كشفت عن استثمارات بعشرات المليارات في سوق التصنيع الأميركي
حفظ السلام في وضع دولي سريع التغيّر:
أدلى وزير الدفاع التايواني، ويلينجتون كو، بعدة تصريحات، اليوم الثلاثاء، عبّر فيها عن مخاوف بلاده من جهة، واستجابتها للنهج الأميركي الجديد من جهة أخرى.
واستهل كو تصريحاته بالإشارة إلى التهديدات الصينية بضم بلاده، وعلاقتها مع الولايات المتحدة في ظل رئاسة ترامب، قائلًا: "في مواجهة الوضع الدولي المتغير بسرعة والتهديدات المتصاعدة من العدو، لا يمكننا الاعتماد على حسن نية الآخرين للحفاظ على السلام."
وأوضح كو في حديثه لوكالة "بلومبيرغ" مدى الضغط الذي يواجهه مسؤولو الأمن في تايوان، وكذلك في اليابان، وكوريا الجنوبية، والفلبين، لوضع تكتيكات واستراتيجيات جديدة لكسب ودّ ترامب، وبالتالي ضمان عدم تخلي الولايات المتحدة عنها. وأشار إلى أن المسؤولين في هذه الدول شاهدوا، كما شاهد العالم، الطريقة التي انفجر بها ترامب، خلال لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، وما أعقب ذلك من قرار وقف المساعدات الأميركية لكييف.
التغيرات في الموقف الدولي تجاه تايوان
في أعقاب الهجوم الروسي واسع النطاق على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، ناشدت تايوان الديمقراطيات في جميع أنحاء العالم لمساعدتها في مواجهة الصين، التي تسعى، إذا لزم الأمر بالقوة، إلى إخضاع الجزيرة الديمقراطية الوحيدة قبالة سواحلها، والتي يبلغ عدد سكانها 23 مليون نسمة فقط.
وبغض النظر عما إذا كانت تايوان ستواصل هذه الحملة، التي لم تعد تلقى آذانًا صاغية على الأقل في البيت الأبيض، فإن تصريحات وزير الدفاع التايواني، حسب "بلومبيرغ"، تشير إلى أن تايبيه "ستبحث أيضًا عن طرق أكثر واقعية لضمان حصولها على دعم الإدارة الأميركية".
وقد أعلنت تايوان بالفعل عن زيادة إنفاقها العسكري، استجابةً للتغيرات السريعة في الوضع الدولي والتصاعد المستمر للتهديدات الصينية. وأوضح ويلينجتون كو أن ذلك سيشمل زيادة نسبة ميزانية الدفاع مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، حيث تشير الأرقام الحالية إلى أن تايوان تنفق حوالي 2.45 % من ناتجها المحلي الإجمالي على قواتها المسلحة، ومن المتوقع أن تصل هذه النسبة إلى 3.5 %، تماشيًا مع إجراءات مماثلة اتخذها حلفاء الولايات المتحدة، لا سيما في أوروبا.
لا يقتصر الأمر على زيادة الإنفاق الدفاعي فحسب، إذ تخطط تايبيه لشراء المزيد من الطاقة، والمنتجات الزراعية، والأسلحة الأميركية، بهدف تقليص العجز التجاري المستفحل مع الولايات المتحدة. ومن المعروف أن هذه النقطة تمثل أحد المرتكزات الأساسية في سياسات ترامب، الذي يخيّر الحلفاء بين زيادة مشترياتهم من المنتجات الأميركية أو مواجهة رسوم جمركية مرتفعة على صادراتهم إلى الأسواق الأميركية.
يُذكر أن ترامب لطالما انتقد ما أسماه "هيمنة تايوان على صناعة أشباه الموصلات المتطورة"، وهو ما يثير مخاوف في تايبيه من أن يتخلى ترامب عن التزامه بأمنها بسبب ذلك الانتقاد، بالإضافة إلى موقفه الحالي من أوكرانيا.
وفي هذا السياق، أعلنت شركة Taiwan Semiconductor Manufacturing، أكبر شركة في تايوان، أمس الإثنين، عن خطط لدعم هدف ترامب بزيادة التصنيع المحلي، حيث قالت إنها "ستستثمر 100 مليار دولار إضافية في مصانع أميركية"، مؤكدة أن هذا الاستثمار "سيسهم في تعزيز إنتاج الرقائق الإلكترونية على الأراضي الأميركية".

تزايد التهديدات الصينية:
منذ تولي الرئيس التايواني وليام لاي تشينغ تي منصبه في أيار/مايو 2024، كثّفت الصين من نهجها التصعيدي ضد تايوان، وفقًا لتقارير عدة. وشمل التصعيد إجراء مناورات عسكرية واسعة النطاق في المياه القريبة من الجزيرة، كان آخرها التدريبات التي أجريت الأسبوع الماضي.
ويرى وزير الدفاع التايواني ويلينجتون كو أن هذه المناورات العسكرية الصينية المستفزة تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن "الجيش الصيني هو العامل الرئيسي المزعزع للاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ".
وأكد كو أن الدفاع عن هذه المنطقة هو "مصلحة وطنية حيوية للولايات المتحدة، سواء من الناحية الاقتصادية أو الجيوسياسية أو الأمنية والعسكرية"، مشيرًا إلى أنه واثق من أن واشنطن لن تتخلى عن المنطقة.
وأضاف أن "تايوان، على وجه الخصوص، لها أهمية بالغة في استراتيجية واشنطن لضمان أمن حلفائها في المحيط الهادئ، لا سيما اليابان والفلبين"، متسائلًا: "إذا سقطت تايوان واستولى عليها الحزب الشيوعي الصيني، فما هو الوضع الذي ستكون عليه اليابان؟ وما هو الوضع الذي ستكون عليه الفلبين؟".