1. قول

دمشق في يومٍ مغـَبّر

22 يناير 2025
غبار يغطي سماء العاصمة دمشق (كونا)
فدوى العبودفدوى العبود

 

تستيقظين متعبة، فحيويتك بدّدها كابوس ليلي، هاوية تحاولين الخروج منها، وفجأة تجدين نفسك عالقة فيها، تنقلب الهاوية إلى حي عشوائي، تبحثين عن بيتك فيه، في الكابوس أخبرتك صديقتك التي أهدتك عصارات ألوان خلابة أنك فنانة تشكيلية تبحث عن مرسم، تطمرين ألوانك في حفرة ترابية خوفًا من اللصوص، لكن أحدهم داسها فانبثقت كالحمم من باطن الأرض، وامتزجت فمنحت الأرض لون اليباس.

أمامك أشياء كثيرة يتوجب عليك القيام بها، وككل السوريين: ملاحقة الحياة بدل عيشها.

تعترفين أنك تقدمت خطوة صغيرة على أسلافك الذين كانوا يسيرون حفاة فوق الأرض القاسية، وبخلافهم ها أنتِ، ترتدين حذاءً وتقفين لساعات طويلة في صف دراسي.

أمامك أشياء كثيرة يتوجب عليك القيام بها، وككل السوريين: ملاحقة الحياة بدل عيشها

كانوا يبيعون منتوجاتهم وأنتِ تبيعين أفكار غيرك بثمن زهيد. الحرية عند جان بول سارتر، قوانين العقل عند ديكارت، العقد الاجتماعي عند هوبز.

تلاميذك الذين أفقدتهم الحرب الثقة بكل قيمة يصرخون مع سوزان ميلوش: "نحن لا نشعر بضرورة أية أخلاقيات أو مبادئ، لا عقيدة ولا دين. ليس لدينا أي استعداد للبحث في الأخلاقيات"، فبماذا تفيدهم الحرية عند جان بول سارتر في واقع استبدادي! وما نفع قوانين العقل عند ديكارت، في واقع بلا عقل، كأن ترى مدرسًا بحذاء مهترئ. وآخر لم يكمل تعليمه بسيارة شبح سوداء. وكيف يقنعهم هوبز بعقده الاجتماعي في واقع تسيطر عليه القبلية.

ثمة تحذيرات من الخروج في العاصفة، لكن الراحة لا تناسب أمثالك. لا خبز لإعداد السندويتشات، ابنتك تقف للنافذة وتنصحك، "ماما، لا تذهبي للدوام إنه يوم أغبر".

كتلة غبار تحطّ فوق دمشق، سحابة حمراء، غبار كثيف قاهر ومقهور يحجب الحياة عنها ويفسد هواءها، غبار يؤذي مرضاها ويمرّض أصحّاءها. تتنهدين قائلةً: "أغبرٌ جدًّا".

على بعد أمتار من المخابز الخاصة، حيث الخبز الاكسترا والدونات، والخبز المحلى على الطريقة الفرنسية والكيك الذي أشعل ثورة الجياع تقع كوة مصفرّة حيث الرغيف الذي تفوح منه حموضة الخميرة الزائفة: "إنه خبزك".

تتسلين في طريق العودة بالتشابهات، القط الذي كان نمرًا، ها هو يعتلي الحاوية برأس متسخة وشفتين مشققتين، تسألينه: لو بقيت في الغابة أما كان أشرف لك أيها القط /النمر

ودون سابق إنذار يجيبك: ليتني مت.

تجدين شجرة فتقفين في ظلها، الشمس تزداد ضراوة، الخبز ينثُّ حموضة، صباح بدون خبز طازج هو فاشل ولا شك.

العاصفة الغبارية التي أخذت تنمو في السماء كشجرة. تفكرين لو استطعت أن أحظى بعطلة ليوم واحد فقط. تنظرين لأعلى لرؤية هذه القبة ولا شيء سوى الغبار.

بماذا تفيد تلاميذك الحرية عند جان بول سارتر في واقع استبدادي! وما نفع قوانين العقل عند ديكارت، في واقع بلا عقل، كأن ترى مدرسًا بحذاء مهترئ وآخر لم يكمل تعليمه بسيارة شبح سوداء. وكيف يقنعهم هوبز بعقده الاجتماعي في واقع تسيطر عليه القبلية

أول بوادر فشل يومك بدأت باحتجاج أحد التلاميذ طالباً طي وحدة الحرية: "ما بدنا حرية".

يثير الضحك والترقب في الفصل، مجرد تخيل هذه النظرات يوقعك في القلق، تتحدثين بهدوء: "سنتناول الحرية كمفهوم فلسفي".

يتغير الوضع ويتململ التلميذ، ترفعين حاجبك بزهو معلنةً انتصارك.

تفكرين أن الحرية كلمة جوفاء بحد ذاتها، وما يهم التمسك بأدنى حدود إنسانيتك، يمكنك الوقوف في طابور ولكن أن تقف كإنسان.

 

 

ينتهي اليوم المدرسي، يتزاحم الطلبة على الباب ويدوسون أقدام أساتذتهم، النقود معك لا تكفي لركوب الحافلة، يمكن قطع المسافة مشيًا حتى مدرسة ابنتك، القبة الحرارية لا تخيفك.

كنت في صغرك تخافين قبابًا أخرى صنعها الجهل.

أثبتت الأيام: أن من جد لم يجد، والعلم ليس نورًا بل فقرًا مدقعًا، والشر له جولات وجولته أخيرة ونهائية.

في 2010 وجِّه لكِ سؤال عن الحب؟ لم تعرف أن السؤال سيكون فخًا يدفع ثمنه من راتبك وكبريائك: ما هو الحب؟

كان درسًا عن العاطفة. والتلميذة كانت تقصد الحب الأيروتيكي، طلبتِ إليها الوقوف:

ـ الحب تجربة قد تنجح وقد تفشل.

- إذًا هي دعوة لتجرب بناتنا الحب: "هذا ما صرح به أحد الآباء بحضور مفتش تربوي".

قدموا معروضًا بك وكأنك قطعت عنهم الماء أو الكهرباء والغذاء.

بعد ذلك قرّبت المديرة عيني الضفدع من وجهك، وقالت بأنفاس كريهة: تجنبي المواضيع الإشكالية.

لم تخبر يومها عيني الضفدع تلك، أن الفتاة التي تسببت لك بالأذى تتجول برفقة أحدهم في الشارع الخلفي للمدرسة.

ذات يوم اقتربت من التلميذة وسألتها: من أين لك هذه القدرة على الازدواجية؟

أثبتت الأيام: أن من جد لم يجد، والعلم ليس نورًا بل فقرًا مدقعًا، والشر له جولات وجولته أخيرة ونهائية

الحرارة ترتفع ودماغك يكاد يذوب. لا بأس، على الأقل سيتبدّد النصف الذي يتعبك.

يبدو أن الحرارة أذابت ركبتيك وها هي تنهي ما تبقى من قلبك، تصلين مدرسة ابنتك:

قفي بثبات كما يفترض بالأمهات القويات.

في الطريق، تقبض عجوز تشبه ساحرات ديكنز بيدها على ذراع ابنتك الغضة وتقول بصوت مرتعش: "استري جسدك يا بنتي فالله سيحرقك بالنار".

تمضي وهي تترنح من ألم مفاصلها وتدمدم بكلمات غير مفهومة وفي الباص يدير السائق إبرة المذياع: راياتك بالعالي يا سوريا.

يديرها مرات ويثبتها على حديث محلل سياسي يكرر كل دقيقتين: "نحن السوريون".

أحصيتِ له مالا يقل عن خمسين كلمة "سوريون". باقي كلامه لم يكن مفهومًا؛ ما زال عليك أن تعبري الهوّة التي تركها كابوس الأمس، تشدين على يد ابنتك وتمسحين برفق مكان أصابع العجوز.

يجب أن تعودي كاملة من هذا السفر الطويل، ينفتح قميصك قليلاً فتغلقينه لأن الركاب ينظرون نحوك بعيني العجوز.

تفكرين من جديد: في الحاوية التي تندلق منها القمامة، في طفل بقدمين حافيتين ومعدة جائعة، ولا يلفتهم إلا زرٌّ منسي!

الصيدلانية تخبرك بارتفاع أدوية الغدة والفيتامينات، فتتخلين عن الدواء. تصلين باب البيت، فتجدين جارتك التي تلد كل تسعة أشهر تتكوم في ظل شجيرة عنب مع ستة صغار، شاحبة ومتعبة تستفسرين عن حالها تجيب بابتسامة مهزومة: تردف معزية نفسها: يأتي وتأتي رزقته معه.

مئة سيوران وثلاثة ألاف صموئيل بيكيت لن يستطيعوا إقناع هذه الشعوب أن أكبر خطيئة في الحياة هي الولادة.

مالك المنزل يخبرك أن الإيجار ارتفع ضعفين، ينظر نحوك مواربة وأمام صمته المريب تصمتين بدورك.

تتأكدين من إغلاق الباب الذي تواصلين إغلاقه في الأحلام والكوابيس خوفًا من الحرب والرصاص والموتى الأحياء الذين يتجولون ببنادق مذخّره، بأحكام جاهزة.

تقترب العاصفة الغبارية من النوافذ بينما تعلن الأرصاد الجوية: الجو مغبرّ قليلًا وسماء دمشق صافية نتمنى لكم ليلة هانئة. تضع ابنتك حقيبتها وتغسل وجهها ويديها وهي تقول: ياله من يوم أغبر! وتقصد مغبرّ.

تتبادر لذهنك عبارة لسيوران " أودُّ أن أكون حرًّا ...حرًّا بجنون كمولود ميت".

أغبر يا ماما أليس كذلك؟ "تقول ابنتك"،

أغبرٌ جدًا... جدًا.... إنه يومٌ أغبر...

 

دمشق قبل سقوط النظام

 

كلمات مفتاحية

بين مرايا الدم وأقلام الحياد.. خيانة المثقف العربي لقضاياه

لم تعد غزة مجرد جغرافيا محاصرة، بل غدت اختبارًا أخلاقيًا للإنسانية، ومرآة تعكس نفاق المجتمع الدولي وعجزه عن وقف المجازر المرتكبة على مرأى ومسمع من العالم.

رغم الخسائر والضغوط.. لماذا تتجنب مصر استهداف اليمن عسكريًا؟

تمثل العلاقات المصرية اليمنية حالة استثنائية شديدة التمايز والخصوصية، إذ يربط البلدين قائمة مطولة من القواسم المشتركة، المتنوعة بين الثقافي والسياسي والجغرافي

بعد نصف قرن... هل غادر لبنان "بوسطة الموت"؟

عشية الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، كان متحف "نابو"، في شمال لبنان، يجهّز مساحة في حديقته تتعدّى الزمان والمكان، خصّصها لحفظ بوسطة عين الرمانة، أو "بوسطة الموت"، كي "تكون الحرب عبرة وتحفيزًا لكتابة تاريخ حرب لبنان"

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة