رئاسة الفيفا للرجل الأبيض!
28 سبتمبر 2015
تسيّدت أوروبا السلطة الأعلى في كرة القدم منذ تأسيس الاتحاد الدولي، وكان على رأسها طيلة 87 عامًا، من أصل 111 ممكنة، رجلٌ أوروبي. ولم يتم الخرق سوى بواسطة البرازيلي جواو هافيلانج. كذلك فإن ديكتاتورية الفيفا ليست وليدة جوزيف بلاتر، فالرجل السويسري وإن كان قد قضى 17 عامًا في رئاسة الفيفا، فإن الفرنسي جول ريميه الذي أُطلق اسمه على كأس العالم، قضى في الموقع نفسه 33 سنة متتالية.
يظهر اليوم أن حقبة بلاتر شارفت على الانتهاء، والأشهر التي ستسبق الانتخابات التي ستُقام في شباط/فبراير 2016 تُعد آخر أيام فساد بلاتر وفريقه الذي أحيل بمعظمه إلى التحقيق في الفيفا. إلّا أن ذلك لا يعني ابتعاد الرئاسة عن القارة العجوز، فأوروبا تُمثل اليوم نحو 53 من 209 أصوات قادرة على انتخاب الرئيس موزعة على 6 قارات، كذلك هي تمثل القوة المالية في عالم كرة القدم، وبالتالي تُعدّ الدول الأوروبية أقل دول يُمكن شراء أصواتها أو اجتذابها بمساعدات مُحددة. فرغم أن لآسيا 46 صوتًا وأفريقيا 54 صوتًا (أكثر من أوروبا)، إلا أن هاتين القارتين تظهران عاجزتين أمام المد الأوروبي، ويلعب فسادهم الداخلي من جهة ومركز اوروبا القيادي للعبة فنيًا وتقنيًا وماليًا من جهة أخرى، دورًا أساسيًا في إمكان خضوع هذه الدول في تحالفات معينة وقبولها بمناصب ثانوية.
واعتمد بلاتر في حقبته طويلًا على هذه اللازمة، فكانت أصوات الدول الضعيفة في كرة القدم الرافع الأساسي له في التصويت. فطريقة توزيع الفيفا للأموال تشرح الأسلوب الذي اعتمده بلاتر، فمهما كان عدد اللاعبين الممارسين لكرة القدم في بلد معين سيكون لهذا البلد صوت واحد في الانتخابات، كذلك سيتلقى هذا البلد النسبة ذاتها من الأموال التي يتلقها بلد يكون فيه عدد الممارسين للعبة أقل، وتبدو ألمانيا التي تضم 6 ملايين لاعب كرة قدم أفضل مثال، حيث تحصل على 3 ملايين دولار أي ما معدله 50 سنتًا للاعب الواحد، وهو المبلغ نفسه الذي تحصله عليه غينيا الاستوائية في الوقت حيث يُمارس اللعبة 700 ألف لاعب فقط.
فشلت آسيا بالحصول على مركز الرئاسة مرتين مع بن همام ومع الأمير علي
كذلك، تردد فشل آسيا بالحصول على رئيس مرتين، وظهرت الأولى حين ترشح بن همام لرئاسة الفيفا بعد أن كان نائبًا للرئيس، حيث تم فتح تحقيق بملف شراء أصوات جزء الكاريبي مقابل 40000 ألف دولار، وبناء على ذلك منعت لجنة أخلاقيات الفيفا بن همام من الترشح في مواجهة بلاتر ليفوز الأخير بحصوله على 17 صوتًا فقط، تلاها إيقاف بن همام مدى الحياة. وتم بعدها إلغاء هذا الإيقاف لعدم توافر الأدلة. وفرض الأمير علي بن الحسين بحصوله على 73 صوتًا في مواجهة بلاتر (133 صوت) جولة ثانية بعد أن تلقى الدعم الأوروبي، إلا أنه انسحب بعد ذلك أمام قوة تمدد بلاتر في كل من آسيا وأفريقيا.
اقرأ/ي أيضا: كهول في أوروبا شباب في الخليج!
تعتبر اليوم القارة الاوروبية الأكثر قدرةً على قيادة الفيفا، خاصةً بعد اعتراضها على مسيرة بلاتر، ويُعد رئيس الاتحاد الاوروبي ميشال بلاتيني هو الأوفر حظًا اليوم بين المرشحين لاستلام المنصب، فالرجل الذي ساهم بتطوير دوري أبطال أوروبا بشكل كبير حتى باتت تقارن بكأس العالم، والذي تطورت في هذه الكثير من الدوريات الأوروبية تدعمه أربع قارات من الست وهي آسيا وأمريكا الوسطى والشمالية وأميركا الجنوبية والكونكاكاف. وإذا أضفنا إلى هذه الدول تلك التي من قارة أوروبا يبدو لاعب الوسط الفرنسي التاريخي (مع يوفنتوس الإيطالي) الأقرب لاستلام رئاسة الفيفا في شباط/فبراير المقبل، خاصةً وأنه كان له دورًا رئيسيًا في حملة التصويت ضد بلاتر في الانتخابات الأخيرة.
يتنوع المرشحون لانتخابات رئاسة الفيفا القادمة فمنهم البرتغالي لويس فيغو، ورجل الأعمال والسياسي الكوري الجنوبي شونغ مونغ جون الذي كان نائب رئيس الفيفا لمدة 17 عامًا، ورئيس الاتحاد الهولندي ميكايل فان براغ، بالإضافة إلى أسماء مطورحة كالبرازيلي زيكو وأسطورة ميلان الليبيري جورج ويا، إلا أن الأسطورة الفرنسي يبقى الأوفر حظًا والأكثر تنظيمًا ودعمًا، إضافة إلى أن بلاتيني ليس آسيويًا أو أفريقيًا، فالرئيس المقبل هو ابن موطن جول ريميه، موطن الديوك، وهو ما يُعد ميزة إضافية لبلاتيني، في حسابات العالم المقسوم إلى شمالٍ وجنوب.
ظهر المونديال الجنوب الإفريقي كنوعٍ من الشفقة على القارة السمراء
فسطوة الرجل الأبيض تظهر واضحة في اختيار رئيس الفيفا، ورغم أن معظم الدول التي يمكنها التصويت تكون من العالم الثالث، إلا أن هناك استحالة لوصول أي مرشّح من هذه الدول إلى الرئاسة، وما أسلوب تعامل بلاتر بدونية مع هذه الدول واستغلالها المستدام طيلة 17 سنة، سوى مثال فاضح عن كيف تنظر أوروبا إلى هذه الدول وأصواتها إن كان ذلك في السياسة أو الاقتصاد أو حتى في كرة القدم. فمنح بطولة كأس العالم لجنوب أفريقيا في 2010 اعتُبر انجازًا تم قطفه من بين أيدي الدول الأوروبية التي تستحقه، وبالتالي تم التعامل معه كالشفقة على قارة أفريقيا بدلًا من اعتبار أن الملف الجنوب أفريقي كان جديرًا بالفوز.
لا تبتعد رئاسة الفيفا اليوم عن كونها صراعًا سلطويًا تتداخل فيه السياسة والثقافة والاقتصاد والقوَة المادّية، وتتسرب منه "روائح" الاستعمار إلى اتحادات دول العالم الثالث، فتغذي فسادها من دون أن تقوي فرقها وتدخل الأخيرة في اللعبة راضية أو مُلزمة بل وتشارك في عمليات فساد يُسكت عنها أحيانًا، فيما تكون التصفية المعنوية حاضرة عند أي منعطف يُهدّد استمرارية "الرجل الأبيض" في السلطة.
بلاتيني يحرق علي
يقول الكثير من المتابعين إن ترشيح الأمير علي من قبل الاوروبيين وخاصةً بلاتيني لم يكن سوى ورقة ضغط وحرق للمرشح الاردني. فالحقيقة أن بلاتيني لم يرغب في خوض صراع مباشر قد يخسره في وجه بلاتر، وقام الأوروبيون بدعم ترشيح الأمير علي مع معرفتهم المسبقة بسقوطه، وذلك بهدف حث بلاتر على الانسحاب بعد ضغط قضية الفساد. لكن من المؤكد أن أوروبا لم تكن ستسمح لشاب من "العالم الثالث" بالوصول إلى رئاسة الفيفا، ويظهر ذلك عند انسحاب الأمير في الجولة الثانية، رغم أنّ بلاتر كان قد سبقه بعددٍ كبير من الأصوات في الجولة الأولى، إلّا أن الداعمين للأمير لم يكونوا ليتركوه حتّى يحصل على حظ المنافسة.
كذلك من جهةٍ أخرى وحين ارتفعت أسهم بن همام وأزاحه بلاتر مستخدمًا لجنة الأخلاقيات الفيفا، لم تقف أوروبا المضادّة لبلاتر بجانبه بأي شكل من الأشكال، ولا يعود ذلك لكون الرئيس السابق للاتحاد الآسيوي مشتركًا، بفساد بلاتر فقط بل لأن دعمه قد يؤدي إلى وصول من هو "أدنى مرتبةً " إلى الرئاسة الأولى، خاصةً وأن العلاقات المتشابكة التي أرساها بن همام مع الاتحادات المختلفة كانت تشكل خطرًا جوهريًا على سيطرة أوروبا على الموقع العالمي الأوّل لكرة القدم.
اقرأ/ي أيضا: ميسي.. أسطورة العالم بلا كأس