رئيسة الجنائية الدولية: المحكمة تتعرض لعقوبات كما لو كانت منظمة إرهابية
3 ديسمبر 2024
دأبت الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على التدخل في تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية، ووصل الأمر بواشنطن حدّ التلويح بفرض عقوبات على المحكمة وأعضائها من جديد، بالتزامن مع إصدار المدعي العام للمحكمة مذكرتيْ اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن المقال يوآف غالانت، على خلفية جرائم الحرب المرتكبة في غزة. كما سبق للمحكمة أن أصدرت على خلفية حرب أوكرانيا مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقد استدعت التدخلات الأميركية والروسية من رئيسة المحكمة الجنائية توموكو أكاني توجيه انتقادات لاذعة لواشنطن وموسكو، معتبرًة تهديداتها للمحكمة أمرًا مروّعًا، وتمثّل "خطرًا وجوديًا على المحكمة" التي تأسست عام بموجب ميثاق روما 1998.
وقالت رئيسة المحكمة الجنائية الدولية توموكو أكاني أمام أعضاء المحكمة في لاهاي، إنّ الهيئة القضائية تواجه "تدابير قسرية وتهديدات وضغوطًا وأعمالًا تخريبية". معتبرةً أنه "إذا انهارت المحكمة، فإنّ هذا يعني حتما انهيار كلّ المواقف والقضايا"، ومؤكدةً أن "الخطر على المحكمة وجودي".
تواجه المحكمة الجنائية الدولية خطرًا وجوديا بسبب تهديدات واشنطن وموسكو لها
وازدادت وتيرة التهديدات ضدّ المحكمة بالتزامن مع إصدارها شهر تشرين الثاني/نوفمبر "مذكرات توقيف بحق رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزير أمنه السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية".
وبمجرّد صدور القرار اتهمت دولة الاحتلال المحكمة بمعاداة السامية، ووصف الرئيس الأميركي القرار بـ"المشين"، ودعا عدد من أعضاء الكونغرس إلى فرض عقوبات ضدّ أعضاء المحكمة التي تضم 124 عضوًا، يمثلون الدول الموقعة على اتفاقية إنشائها، والتي ليست من بينها دولة الاحتلال وأميركا.
واعتبرت رئيسة المحكمة بناءً على هذه التهديدات أمس الإثنين أنّنا "عند نقطة تحوّل في التاريخ... القانون والقضاء الدوليان يواجهان تهديدًا، وأيضا مستقبل الإنسانية"، مؤكّدةً أنّ "المحكمة الجنائية الدولية ستستمر في تنفيذ ولايتها القانونية واستقلاليتها وعدم انحيازها، من دون الاستسلام لأيّ تدخّل خارجي".
وتعليقًا على التهديدات الأميركية والإجراءات الروسية ضدّ أعضاء المحكمة، قالت أكاني إنّ "العديد من المسؤولين المنتخبين يتعرّضون لتهديدات خطيرة ويخضعون لمذكرات توقيف من قبل عضو دائم في مجلس الأمن الدولي". مضيفًة أنّ "المحكمة مهدّدة بعقوبات اقتصادية صارمة من قبل مؤسسات دولة أخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، كما لو كانت منظمة إرهابية"، وذلك في إشارة منها إلى روسيا التي أصدرت مذكرات توقيف بحق كبار مسؤولي المحكمة، وفي إشارة أيضًا إلى واشنطن التي فرضت عقوبات سابقة ضدّ عدد من أعضائها/ وتلوّح حاليًا بفرض المزيد من تلك العقوبات.
لماذا ترفض الدول الكبرى الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية؟
على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية هي أعلى سلطة قضائية جنائية في العالم، إلا أن العديد من الدول الكبرى ترفض الانضمام إليها، وعلى رأس تلك الدول الولايات المتحدة الأميركية والصين وروسيا والهند ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
ولعل السبب في رفض هذه الدول عضوية المحكمة هو خوفها من المتابعة القضائية، لكونها معروفة بخوض الحروب والقيام بممارسات تنتهك حقوق الإنسان، وترقى إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية أيضًا.
تزامن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية مع شن واشنطن الحرب على أفغانستان والعراق، وهي حروب انتهكت فيها القوات الأميركية القوانين الدولية، لا سيما في العراق الذي شهد فظاعات ارتكبتها القوات الأميركية في سجن أبو غريب سيئ السمعة، وقبل ذلك سجن غوانتانامو. ونظرًا لهذا السياق الذي تأسست فيه المحكمة عام 2002، رفضت واشنطن العضوية في الجنائية الدولية، كاستراتيجية لحماية المسؤولين الأميركيين من المتابعة القضائية الدولية.
وتصر الإدارات الأميركية المتعاقبة، الجمهورية والديمقراطية منها، على تكرار أن المحكمة الجنائية الدولية ليست لها صلاحية ممارسة السلطة على الأشخاص من الدول غير الأعضاء في المحكمة.
وتنقل صحيفة "نيويورك تايمز" عن السفير الأميركي السابق والمفاوض الرئيسي في النظام الأساسي الذي أسس المحكمة، دافيد شيفر، قوله: "لا يزال هناك خوف من التحقيق الفعلي من جانب المحكمة بشأن ارتكاب جرائم فظيعة، نظرًا للتوقعات العسكرية لكلا البلدين على المستوى الإقليمي أو العالمي"، مشددًا على أن "الخوف من الملاحقة القضائية مرده أسباب سياسية وليس لأسباب تستند إلى أدلة".
وأضاف شيفر في حديثه إلى "نيويورك تايمز" أن ثمة ردودًا قوية على هذه المخاوف، بما في ذلك أن "أي زعيم دولة لا ينبغي له، كمسألة سياسة وقانون، أن يتمتع بالإفلات من العقاب على ارتكاب إبادة جماعية، أو جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية عمدًا".
ولعله من المفارقة أن واشنطن تكيل بمكيالين، فعندما لا يتعلق الأمر بحلفائها كما في حالة حرب روسيا على أوكرانيا، وحالة دول أخرى تصنفها واشنطن خارج حلفائها؛ نجد واشنطن تشيد بتوجهات المحكمة وتحرض على تحركها ضد تلك الدول. وفي هذا الصدد، تدعم واشنطن التحاق كييف بالدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، ومن المتوقع أن تصبح أوكرانيا ـ بدعم أميركي ـ العضو 125 في المحكمة قريبًا، بعد إصدار المحكمة مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
سيف العقوبات:
تحرض إسرائيل واللوبي الداعم لها في واشنطن على فرض عقوبات ضد المحكمة الجنائية الدولية. وللولايات المتحدة بالفعل سابقة في هذا المضمار، ففي ولاية ترامب الأولى، تم فرض عقوبات أميركية على المدعية العامة السابقة فاتو بنسودة إضافة إلى عددٍ من الموظفين في المحكمة وذلك في حزيران/يونيو 2020. وتمثلت العقوبات حينها في تجميد أصولهم المالية وحظر السفر عليهم، وكان السبب في فرض العقوبات "تحقيقهم في جرائم الحرب التي ارتكبتها قوات التحالف الغربي في أفغانستان، وقوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين".