1. سياسة
  2. حقوق وحريات

زوجات المعتقلين المفقودين في سوريا.. حياة مُعلَّقة بلا هوية ولا حقوق

10 فبراير 2025
وقفة احتجاجية للمطالبة بالكشف عن مصير المغيَّبين قسرًا في سجون الأسد (منصة إكس)
هدى الكليبهدى الكليب

لا شيء يعكس حجم المأساة في سوريا أكثر من قصص النساء اللواتي خسرن أزواجهن في زنازين المعتقلات، ثم خسرن حقهن في تقرير مصيرهن. هنّ لسن أرامل يُعترف بهن، ولا مطلقات يُسمح لهن ببدء حياة جديدة، إنهن زوجات المعتقلين المفقودين، العالقات في مساحة قانونية رمادية، محرومات من الحقوق الأساسية، بين مجتمع يفرض عليهن الانتظار الأبدي، وقوانين لا ترى في معاناتهن سوى معاملة بيروقراطية معقدة.

الانتظار القسري والعقبات القانونية

في سوريا، لا يعني فقدان الزوج مجرد غيابه، بل يعني أن زوجته ستعلق في دوامة من الانتظار القسري، حيث لا يُسمح لها بالزواج من جديد، ولا تملك الحق في الميراث، ولا تستطيع حتى تسجيل أطفالها بشكل قانوني في كثير من الحالات. فالقانون السوري المستند إلى الأحوال الشخصية يشترط مرور أربع سنوات على الأقل لإثبات فقدان الزوج، أو صدور حكم قضائي بوفاته، وهو أمر شبه مستحيل في ظل نظام قضائي غائب أو ربما متواطئ.

في سوريا، لا يعني فقدان الزوج مجرد غيابه، بل يعني أن زوجته ستعلق في دوامة من الانتظار القسري، حيث لا يُسمح لها بالزواج من جديد، ولا تملك الحق في الميراث، ولا تستطيع حتى تسجيل أطفالها بشكل قانوني

القانون ليس العائق الوحيد، فالمجتمع نفسه يحاصر هؤلاء النساء في زاوية خانقة، إذ تواجه أي امرأة تحاول بدء حياة جديدة نظرة اجتماعية قاسية، تضعها بين خيارين: إما أن تنتظر لسنوات طويلة حفاظًا على "الوفاء" لزوج قد لا يعود أبدًا، أو أن تواجه الوصم الاجتماعي إذا قررت البحث عن مستقبل مختلف. البعض قد يُجبرن على العيش في كنف عائلات أزواجهن دون أي استقلالية، تحت ضغط الأعراف والتقاليد.

قصص معاناة حقيقية

وراء كل رقم في إحصائيات المعتقلين هناك قصة امرأة تحاول النجاة وسط هذا الواقع القاسي. كإحدى النساء التي اعتُقل زوجها على حاجز أمني أثناء سفره للعمل، وكانت حاملاً في شهرها الرابع حينها. منذ ذلك الحين، لم يصلها أي خبر عنه، وبعد سنوات من البحث والمحاولات الفاشلة لمعرفة مصيره، وجدت نفسها عاجزة عن تسجيل ابنتها قانونيًا، لأن الأب غير موجود لتأكيد النسب. هذا الأمر حرم الطفلة من التعليم والرعاية الصحية، لتُصبح الأم أمام معركة أخرى، ليست فقط لإيجاد زوجها، بل لإثبات وجود طفلتها في السجلات الرسمية.

وأخرى، أم لثلاثة أطفال، اعتُقل زوجها منذ ثماني سنوات، ومنذ ذلك الوقت، وهي تواجه كل أشكال القهر، من عجزها عن استخراج شهادة وفاة مطلوبة للحصول على كفالة أطفالها، إلى العيش على المساعدات التي تأتيها من هنا وهناك. وفي كل مرة تحاول كسر هذه الحلقة المغلقة، تصطدم بجدار القانون الصامت والمجتمع المتوجس.

حلول قانونية ومجتمعية واقتصادية

لا يقتصر الحل على منح الزوجات حقوقًا قانونية أكثر إنصافًا، بل يتطلب تغييرًا اجتماعيًا يمنحهن حرية تقرير مصيرهن دون خوف من التبعات القانونية أو الاجتماعية، عبر تعديل التشريعات لتسهيل إثبات فقدان الزوج بعد مدة معقولة، وتسهيل تسجيل الأطفال حتى لا يبقوا ضحايا غياب الأب. كما أن التمكين الاقتصادي لهؤلاء النساء ضرورة لا تقل أهمية، لأن كثيرات منهن يُدفعن إلى الفقر والتهميش بسبب غياب المعيل وغياب أي شبكة دعم قانونية أو اجتماعية.

مأساة زوجات المعتقلين المفقودين ليست مجرد قضية شخصية، بل انعكاس لأزمة أعمق تتعلق بالقوانين غير العادلة، والنظام السياسي العاجز، والمجتمع الذي يصر على تكبيل النساء بقيود الماضي. ولا يمكن بناء سوريا جديدة دون معالجة هذه القضايا بجدية، لأن العدالة ليست رفاهية، بل هي أساس أي مجتمع يريد أن ينهض من تحت أنقاض الحرب والاستبداد.

وعلى الرغم من قتامة الصورة، فإن التغيير ممكن، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وضغط حقوقي مستمر، ووعي اجتماعي يخرج النساء من هذه العزلة القسرية. منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني يمكنهما لعب دور محوري في تسليط الضوء على هذه القضايا، والمطالبة بتعديلات قانونية تحمي حقوق النساء المتضررات من غياب أزواجهن قسرًا.

وعلى المستوى القانوني، لا بد من اعتراف قانوني بوضع "المفقود قسرًا" وإجراءات واضحة لحماية حقوق زوجاته وأطفاله، كما يجب أن تكون هناك آلية لتسجيل الأطفال المولودين في ظل غياب الأب، دون تعقيدات بيروقراطية أو الحاجة إلى إثباتات مستحيلة.

لا يقتصر الحل على منح الزوجات حقوقًا قانونية أكثر إنصافًا، بل يتطلب تغييرًا اجتماعيًا يمنحهن حرية تقرير مصيرهن دون خوف من التبعات القانونية أو الاجتماعية، عبر تعديل التشريعات لتسهيل إثبات فقدان الزوج بعد مدة معقولة

أما على المستوى المجتمعي، فإن تغيير النظرة التقليدية تجاه هؤلاء النساء ضروري. لا يجب أن يُنظر إلى المرأة التي فقدت زوجها في المعتقلات على أنها مطالَبة بالانتظار إلى الأبد، بل يجب أن يكون لها الحق في اتخاذ قراراتها دون أن تُوصم بالعار أو الخيانة.

مسؤولية وطنية

هذه القضية ليست مجرد مأساة فردية، بل مسؤولية مجتمعية ووطنية، وكل تأخير في إيجاد حلول عملية يزيد من معاناة آلاف الزوجات السوريات اللواتي يعشن في المجهول. وتجاهل هذه القضية هو استمرار للجرح المفتوح الذي تعيشه سوريا منذ سنوات، ولا يعني إنصاف هؤلاء النساء فقط الاعتراف بمعاناتهن، بل يعني منحهن أيضًا فرصة للعيش بكرامة، بعيدًا عن دوامة الانتظار والحرمان التي فرضها عليهن غياب العدالة.

إن زوجات المعتقلين المفقودين في سوريا لسن مجرد أرقام في تقارير حقوقية، إنهن أمهات، زوجات، نساء يواجهن الحياة بمفردهن وسط مجتمع لا يرحم، وقوانين لا تعترف بوجودهن. والوقت ليس في صالحهن، فكل يوم يمضي دون حل يعني مزيدًا من المعاناة، مزيدًا من الأطفال الذين يكبرون بلا وثائق، مزيدًا من النساء العالقات في حياة لا يستطعن التحكم فيها.

وإن كانت هناك رغبة حقيقية في بناء سوريا جديدة، فإن أول اختبار حقيقي لهذه الدولة الجديدة هو كيف ستتعامل مع هؤلاء النساء. فإما أن تنصفهن، أو أن تستمر في تكرار أخطاء الماضي، تاركةً إياهن غارقات في غياهب المجهول.

كلمات مفتاحية

في حملة قمع مؤيدي فلسطين.. اعتقال محمود خليل تمّ بلا مذكرة وبانتهاك قانوني

أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي أن الطالب محمود خليل، أحد أبرز قادة احتجاجات جامعة كولومبيا المناصرة لغزة، تم اعتقاله دون مذكرة توقيف قضائية، في انتهاكٍ صريح للإجراءات القانونية

الأمم المتحدة: أحكام "قضية التآمر" في تونس نكسة للعدالة ومسار الديمقراطية

اعتبرت الأمم المتحدة أن الأحكام الصادرة بحق المتهمين في ما يعرف بـ"قضية التآمر على أمن الدولة" في تونس، تمثل انتكاسة خطيرة لمسار العدالة وسيادة القانون

المرصد الأورومتوسطي: إسرائيل تُشرعن التهجير الجماعي في غزة

إسرائيل تمضي قدمًا في تنفيذ المرحلة النهائية من جريمتها وهدفها الأصلي؛ وهو الطرد الجماعي للفلسطينيين خارج قطاع غزة

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة