سياسات مبنية على التناقضات.. وزارة الشتات الإسرائيلية ترعى مؤتمرًا لمكافحة معاداة السامية بمشاركة أحزاب معادية لليهود
24 يمشي 2025في وقت تواصل فيه إسرائيل الادعاء بتصاعد موجات "معاداة السامية" في الدول الغربية، جاء مؤتمر دولي لمكافحة هذه الظاهرة، دعا إليه وزير الشتات عميحاي شيكلي، بنتائج عكسية، بعد توجيه الدعوات إلى شخصيات من اليمين الأوروبي المتطرف، ما اعتُبر "دعوة عبثية" وارتدادًا سلبيًا سجّل فيه الاحتلال نقاطًا ضد نفسه.
وقد أثارت هذه الدعوة غضبًا واسعًا في الأوساط اليهودية الأوروبية، فقد اتهم رئيس المؤتمر اليهودي الأوروبي، أريئيل موزيكانت، حكومة بنيامين نتنياهو بـ"طعن الجاليات اليهودية في الظهر" بسبب دعوتها لسياسيين من اليمين المتطرف الأوروبي للمشاركة في مؤتمر رسمي يُعقد هذا الأسبوع في القدس لمكافحة "معاداة السامية". وقال موزيكانت في جلسة خاصة للكنيست يوم الأحد: "أنتم تساعدون أعداءنا... أنتم تمنحون أدوات لأشد منتقدي إسرائيل"، وفق تعبيره.
في حال عُقد المؤتمر، فمن المتوقع أن نشهد مشاهد غير مألوفة، كأن تلقي مارين لوبان خطابًا عن مكافحة معاداة السامية، ويصعد جوردان بارديلا ليشيد بعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، ويُدين بدوره معاداة السامية
دعوات بلا تشاور مع وزارة الخارجية أو قادة الجاليات اليهودية
خلال الجلسة، كُشف أن وزارة شؤون الشتات لم تُنسّق مع وزارة الخارجية الإسرائيلية، ولا مع القيادات اليهودية في أوروبا، بخصوص قائمة المدعوين. وهو ما يخالف الأعراف المعتمدة التي تشترط موافقة الخارجية على أي دعوات رسمية لسياسيين أجانب. وقد تم مؤخرًا رفع الحظر الإسرائيلي عن التواصل مع ثلاث أحزاب يمينية متطرفة في أوروبا، هي: "التجمع الوطني" الفرنسي، وحزب "الديمقراطيين السويديين"، وحزب "فوكس" الإسباني، رغم جذورها "المعادية للسامية".
📸 باريس.. القضية الفلسطينية تتصدر المشهد في مظاهرة حاشدة ضد اليمين المتطرف والعنصرية. pic.twitter.com/9C9lAML8Xr
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) March 23, 2025
انسحابات بالجملة من المشاركين البارزين
شهد المؤتمر انسحاب عدد من الشخصيات البارزة رفضًا لمشاركة رموز من اليمين المتطرف، من بينهم رئيس رابطة مكافحة التشهير جوناثان غرينبلات، والحاخام الأكبر لبريطانيا إفرايم ميرفيس، والكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي، ومنسق ملف معاداة السامية في ألمانيا، فيليكس كلاين. كما انسحب أكاديميون وشخصيات من المجتمع المدني من بينهم ديفيد هيرش و فولكر بيك.
استياء داخلي: المؤتمر يمنح "شهادة كوشير" لخصوم الديمقراطية
عضو الكنيست ورئيس لجنة الهجرة والشتات، جلعاد كريف، قال إن "دعوة شخصيات من أحزاب معادية للسامية تشكل خرقًا فاضحًا لسياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة"، وأضاف: "يجب ألا تمنح الحكومة شرعية دبلوماسية لمن يحملون مواقف معادية لليهود أو للديمقراطية، حتى لو أظهروا دعمًا لإسرائيل".
بدوره، شدد مدير الشؤون الدولية في الوكالة اليهودية، يغئال بالمور، على ضرورة إشراك الجاليات اليهودية في تقييم الشخصيات المدعوة، مضيفًا: "لا ينبغي تجاوز الجاليات اليهودية في الخارج... هم من يحدد من يعادي السامية ومن لا يعاديها".
شخصيات مثيرة للجدل
تشير صحيفة "هآرتس"، إلى أن أحد أبرز المدعوين هو رئيس حزب "التجمع الوطني" الفرنسي، جوردان باردلا، بينما تُعد ماريون ماريشال، حفيدة مؤسس الحزب جان ماري لوبان المعروف بإنكاره للمحرقة، أكثر تطرفًا، ولم تتبرأ يومًا من مواقف جدّها، على عكس عمتها مارين لوبان. حزبها الجديد "الهوية والحرية" لم يحصل حتى على الموافقة الرسمية من الخارجية الإسرائيلية لحضور المؤتمر.
التطبيع مع اليمين الأوروبي يضر بمصالح إسرائيل
في مداخلة له، قال رئيس جمعية الصداقة الألمانية–الإسرائيلية، فولكر بيك، إن "الأحزاب المدعوة لا تحترم الديانة اليهودية حتى في بلدانها، وتربطها علاقات وثيقة مع روسيا وإيران، خصمي إسرائيل في السنوات الأخيرة". وحذر من أن "التقارب مع هذه الأحزاب يضر بأمن إسرائيل كما يضر بأمن أوروبا"، وفق قوله.
الباحث في معهد "تخطيط سياسة الشعب اليهودي" دوف ميمون، حذّر في مقال له بصحيفة "يديعوت أحرونوت" من أنّ مثل هذا التقارب بين إسرائيل والتيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا قد ينعكس سلبًا على الجاليات اليهودية، بل وقد يفاقم من ظاهرة "معاداة السامية"، عوضًا عن مواجهتها.
يبدو أن نتنياهو أعدّ نفسه جيدًا للمرحلة الحالية، إذ قام بتغييرات جوهرية في مفاصل مؤسسات الحكم التي أصبحت تُدار بحسب أجندة اليمين المتطرف.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) September 5, 2024
اقرأ أكثر: https://t.co/TxD4HqlGI2 pic.twitter.com/WUV2cBmgvd
حسابات دبلوماسية محفوفة بالمخاطر
يقول ميمون إنّ بارديلّا يسعى إلى تقديم حزبه بصورة جديدة ومعتدلة بعد تاريخه الطويل المرتبط بالعنصرية ومعاداة اليهود، محاولًا الظهور كحليف لإسرائيل ومدافع عن الجاليات اليهودية في وجه التطرف الإسلامي. ورغم أنّ "إسرائيل تمتلك كامل الحق في بناء علاقاتها الاستراتيجية مع من تشاء"، إلا أنّ هذا النوع من الانفتاح، وفق ميمون، يحمل تأثيرات مقلقة على يهود فرنسا، الذين يجدون أنفسهم الآن أمام معادلة حرجة: "الدفاع عن إسرائيل من جهة، والتمسّك بمبادئهم الليبرالية المناهضة للتطرف من جهة أخرى".
شرعنة اليمين المتطرف… وتبعاتها
يشير المقال إلى أن هذا التقارب قد يُفهم على أنه "شرعنة" إسرائيلية لحزب طالما اعتبره اليهود الفرنسيون مصدر تهديد، الأمر الذي قد يُضعف موقعهم داخل المشهد السياسي الفرنسي، ويمنح خصومهم مادة لتغذية السرديات "المعادية للسامية"، التي تتهم اليهود بالتحالف مع القوى السياسية الأكثر إثارة للانقسام.
تحوّلات في الدبلوماسية الإسرائيلية
ويمضي ميمون في تحليل أوسع لطبيعة التحوّلات في العلاقات الخارجية الإسرائيلية، في ظل تغيّر موازين القوى داخل أوروبا، وصعود قوى شعبوية يمينية متطرفة. فإسرائيل لم تعد تضع ذات الخطوط الحمراء التي كانت تحكم تواصلها مع تلك الأحزاب في الماضي، ما يعكس "توجّهًا استراتيجيًا جديدًا، لكنه يطرح في المقابل تحديات أخلاقية وسياسية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بجاليات يهودية تعيش في مجتمعات ديمقراطية".
منطق غارق في العبثية
من جهتها، وصفت الكاتبة كارولينا لاندسمان الواقع السياسي في إسرائيل بأنه بات مقلوبًا وغارقًا في العبثية، حيث تُنظم الحكومة مؤتمرًا لمناهضة معاداة السامية بدعوات موجهة إلى ممثلين عن أحزاب اليمين المتطرف من حول العالم، في وقتٍ تستأنف فيه الحرب على غزة بتجاهل تام لحجم الدمار وسقوط الضحايا المدنيين. واعتبرت الكاتبة أن السياسات الإسرائيلية تسير في مسارٍ مناقض للبديهيات الأخلاقية والمنطق السياسي السليم.
وفي التحليل الذي نشرته صحيفة "هآرتس"، أعربت لاندسمان عن دهشتها من مبادرة وزير شؤون الشتات، عميحاي شيكلي، الذي دعا شخصيات من تيارات يمينية متطرفة لحضور مؤتمر "يفترض أن يناقش سبل مكافحة معاداة السامية، معتبرة أن ذلك يتنافى تمامًا مع رسالة المؤتمر ويفقده مصداقيته".
وذهبت الكاتبة أبعد من ذلك، في الإشارة إلى أن العدو الذي تهاجمه الحكومة الإسرائيلية حاليًا ليس من أنكر المحرقة أو روّج للكراهية، بل بدا وكأنه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، لمجرد أنه أعرب عن "صدمته من الغارات الإسرائيلية على غزة" في منشور على منصة "إكس". حيث رد عليه متحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية بالقول: "نحن من صُدمنا، لأنك أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة"، في رد اعتبرته الصحيفة يعكس درجة التشوّه في الخطاب السياسي الإسرائيلي.
حدث غبي وجهل فادح
بدوره، انتقد محلل الشؤون الدبلوماسية في صحيفة "معاريف"، شلومو شامير، بشدة مؤتمر "مكافحة معاداة السامية" الذي نظمته الحكومة الإسرائيلية، واصفًا إياه بأنه "حدث غبي وجهل فادح"، مؤكدًا أن هذا التوصيف بحد ذاته يحمل قدرًا من المجاملة. واعتبر شامير أن استضافة شخصيات من اليمين المتطرف الأوروبي، المعروفين بمواقفهم العدائية الصريحة تجاه اليهود، يحوّل المؤتمر إلى مشهد من التجاوزات الخطيرة.
ووجّه شامير انتقادًا لاذعًا لوزير شؤون يهود الشتات عميحاي شيكلي، الذي بادر إلى تنظيم المؤتمر، معتبرًا أنه "لا يمتلك أدنى صلة حقيقية بيهود الشتات، ولا يُظهر اهتمامًا فعليًا بما يعانونه في مجتمعاتهم، بل يفتقر حتى لفهم جوهر معاداة السامية، وتاريخها وتأثيراتها القاتلة على حياة اليهود".
وفاة وجه اليمين المتطرف العنصري في #فرنسا.. عُرف عن لوبان تصريحاته النارية، التي كان بعضها مخالفًا للقانون، وهو ما جره للوقوف أمام المحاكم في مناسبات عدة.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) January 7, 2025
اقرأ أكثر: https://t.co/NYGxfel8BX pic.twitter.com/YKaHCC88dn
علاقات عامة مع رموز اليمين المتطرف
وأوضح شامير أن قائمة المدعوين للمؤتمر كشفت حجم الفجوة بين الوزير شيكلي ومفهوم "معاداة السامية" الحقيقي، لافتًا إلى أن دعوة شخصيات من التيارات اليمينية المتطرفة، التي تحمل تاريخًا من الكراهية تجاه اليهود، لا تعبّر فقط عن جهل سياسي، بل تشكل تهديدًا مباشرًا ليهود أوروبا، وتمنح شرعية ضمنية لأطراف طالما ساهمت في التحريض ضدهم.
وأشار شامير إلى أن قائمة الشخصيات المدعوة للمؤتمر تضم رموزًا من اليمين القومي المتطرف، ممن لديهم سجلات طويلة في معاداة السامية، مثل هيرمان تريش، النائب في البرلمان السويدي عن حزب "الديمقراطيين السويديين" المعروف بمواقفه المعادية لليهود، وتشارلي فايمرز، إلى جانب ممثلين آخرين لأحزاب أوروبية متطرفة تحمل توجهات قومية يمينية. واعتبر شامير أن هذا التوجه يكشف عن "هواية جديدة" لدى الوزير الإسرائيلي شيكلي، تقوم على مد جسور التواصل وبناء علاقات مع شخصيات هي ذاتها من رموز الخطاب المعادي لليهود في أوروبا.
وأضاف أنه في حال عُقد المؤتمر، فمن المتوقع أن نشهد مشاهد غير مألوفة، كأن تلقي مارين لوبان خطابًا عن مكافحة معاداة السامية، ويصعد جوردان بارديلا ليشيد بعمليات الجيش الإسرائيلي في غزة، ويُدين بدوره معاداة السامية، وربما ينضم إليهم الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلاي، ليُعرب بدوره عن رفضه للظاهرة، في مشهد وصفه شامير بالسريالي الذي يعكس اختلال البوصلة السياسية والأخلاقية.
الإعلام يُضخّم
في المقابل، حاول المدير العام لوزارة شؤون الشتات، أفي كوهين سكالي، التخفيف من حدة الانتقادات قائلًا إن الصحافة قادت "حملة ترهيب جنونية" ضد المؤتمر، ما دفع بعدد من المشاركين للانسحاب.
في الوقت نفسه، تراجع الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ عن استضافة الحاضرين في الليلة الافتتاحية للمؤتمر، مع أنه وجّه دعوة للمشاركين اليهود لحضور لقاء خاص في مقر إقامته الرسمي. فيما تُصرّ وزارة شؤون الشتات على أن هذا اللقاء المحدود يعد جزءًا أساسيًا من فعاليات المؤتمر.