سياسة مكافحة الفساد في الصين.. تعمية على استهداف الخصوم والمنافسين أم ماذا؟
7 يناير 2025
انطلقت في الصين، أمس الإثنين، الجلسات العامة لأعلى هيئة لمكافحة الفساد، وتستمر الجلسات المخصصة لتحديد الأولويات الرئيسية في مكافحة الفساد هذا العام حتى يوم الأربعاء المقبل. وتنعقد الجلسات في ظل إعلان القيادة السياسية الصينية أنّ تقييمها لمشهد مكافحة الفساد يؤكّد الحاجة الماسة إلى الوضوح، والضرب بيدٍ من حديد على أوكار الفساد والمفسدين، إلّا أنّ أوساطًا حقوقية صينية ترى فيما يسمى حملة مكافحة الفساد التي أطلقها الرئيس الصيني، شين جين بينغ، منذ توليه السلطة 2013، مجرّد تعميةٍ على تصفية الخصوم السياسيين والمنافسين المحتمَلين للزعيم الصيني.
ويستدلّون على ذلك بأنّ تلك الحملة مهّدت الطريق أمام الرئيس الصيني لتمديد فترة حكمة إلى عهدة ولائية ثالثة في العام 2022 دون أن يكون أحد قادرًا على معارضة ذلك التمديد، على الرغم من مخالفته لدستور الحزب الشيوعي.
وكان الرئيس الصيني قد أطلق على حملته لمكافحة الفساد تسمية "ملاحقة النمور"، قاصدًا بذلك المسؤولين الأقوياء الذين يستغلون مناصبهم في الحماية من المساءلة والمحاسبة عن فسادهم.
أطلق الرئيس الصيني على حملته لمكافحة الفساد تسمية "ملاحقة النمور"، قاصدًا بذلك المسؤولين الأقوياء الذين يستغلون مناصبهم في الحماية من المساءلة والمحاسبة عن فسادهم
وتشير المعطيات التي نشرتها هيئة الرقابة العليا لمكافحة الفساد في الصين، إلى أنه تم التحقيق في العام 2024 مع 58 مسؤولًا رفيعي المستوى تحت إشراف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني. وأطاحت حملة مكافحة الفساد برؤوس وازنة في مختلف القطاعات، بما فيها القطاع العسكري، حيث تمت الإطاحة بمسؤولين كبار في الجيش الصيني، من بينهم المدير السابق للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول"، مينغ هونغ وي، وقائد القوة الصاروخية، الجنرال لي يوتشاو.
وتعليقًا على الحملة داخل قطاع الصناعات الدفاعية، قالت وزارة الدفاع الأميركية في تقريرها السنوي عن التطور العسكري والأمني في الصين الصادر في كانون الأول/ديسمبر الماضي: "إن حملة الصين على الفساد داخل صناعتها الدفاعية قد تؤدي إلى عرقلة برامجها لشراء الأسلحة، ما يؤخر تحديث جيشها ومنظومتها العسكرية"، الأمر الذي ينفيه الصينيون، ويؤكدون في المقابل أن تنظيف قطاع الصناعات العسكرية الصينية هو ما سيمكّن من تحديث الجيش.
وتزعم هيئة الرقابة العليا الصينية أن الحملة التي أطلقت في نيسان/إبريل 2024 أسفرت عن "معاقبة 433 ألف مسؤول من ذوي الرتب المنخفضة، مع إحالة 14 ألفًا إلى المحاكمة، كما نجحت في تأمين عودة 1306 من المفسدين الذين فروا إلى الخارج، ومكّنت من استعادة أصول غير مشروعة بلغ مجموعها 15.4 مليار يوان، أي حوالي 2.1 مليار دولار أميركي، بين كانون الثاني/يناير وتشرين الثاني/نوفمبر 2024".
فرضية تصفية الخصوم
يدّعي الحقوقي الصيني المقيم في هونغ كونغ، جيانغ براون، أنّ الهدف الرئيسي لحملة مكافحة الفساد التي يشرف عليها شخصيًا الرئيس الصيني يتمثل في "تصفية الخصوم والمنافسين المحتملين لشي على السلطة"، معتبرًا أن توسيع نطاق الحملة لتشمل القطاعين الصحي والرياضي "مجرد تكتيك أو غطاء لإعطاء انطباع بأن الحملة بريئة تستهدف المرتشين والفاسدين ولا علاقة لها بتصفية خصوم الرئيس السياسيين، وتمهيد بقائه في السلطة" وفق تعبيره.
ويرى جيانغ أن قليلًا من التأمل في الأسماء الذين أطاحت بهم الحملة يبين أن "الكثير منهم كانوا مهيئين بالفعل للدخول ضمن الأسماء المرشحة لخلافة شي، لولا تغيير الدستور والسماح له بقيادة الصين لولاية رئاسية ثالثة، في انتهاك دستوري غير مسبوق"، ضاربًا المثال بـ"طرد وزيريْ دفاع سابقين من الحزب الشيوعي بتهم الفساد، وهم لي شانغ فو، وسلفه وي فنغ خه، بالإضافة إلى لي جانغ، وهو مفتش كبير من اللجنة المركزية لفحص الانضباط في الحزب الشيوعي".
تجدر الإشارة إلى أنّ الرئيس الصيني شين جين بينغ وقّع مرسومًا في تشرين الأول/أكتوبر 2023 يقضي بعزل لي شانغ فو، ولم تقدم بكين في حينه تفسيرات لاختفاء وزير دفاعها عن المشهد السياسي والعسكري والذي استمر لمدة شهرين، الأمر الذي أثار تكهنات كثيرة.
وبعد ذلك بفترة قصيرة أعلن في بكين أيضًا عن إقالة مسؤول القوة الصاروخية في جيش التحرير الشعبي الصيني، لي يوتشاو، مع الإشارة إلى أنّ هذه القوة تُصنّف ضمن الوحدات النخبوية التي تشرف على الصواريخ النووية والباليستية الصينية.