علاقات مشبوهة.. كيف ساهمت جامعة برينستون في الحروب ودعم الاحتلال الإسرائيلي؟
19 فبراير 2025
كشف تقرير مطوّل لموقع بريطاني أن جامعة برينستون في ولاية نيو جيرسي الأميركية تحصل على عقود بملايين الدولارات من وزارة الدفاع الأميركية "البنتاغون" وشركات تصنيع الأسلحة، مما يربطها بشكل مباشر بعدة مناطق نزاع حول العالم، بما في ذلك غزة والسودان.
بحسب المصادر التي تحدثت لـ"ميدل إيست آي"، فإن التقرير الذي نُشر من قبل مجموعة باحثين مستقلين ضمن "مبادرة مناهضة الحرب" في شباط/فبراير الجاري، يُعد واحدًا من أوائل التقارير التي تسلط الضوء على دور الخدمات التي تقدمها الجامعات الأميركية لصالح المجمع الصناعي العسكري الأميركي.
القمع المتزايد للحراك الطلابي
ويشير الموقع البريطاني إلى أن توقيت نشر التقرير يأتي وسط تصاعد الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية، الذي يطالب بكشف استثمارات الجامعات وسحبها من الشركات التي يُزعم أنها تستفيد من الاحتلال الإسرائيلي والحرب على غزة، والتي وصفها خبراء قانونيون ومنظمات حقوقية وسياسيون بأنها "إبادة جماعية".
كشف تقرير غربي أن جامعة برينستون تتلقى تمويلات بحثية بملايين الدولارات من وزارة الدفاع الأميركية وشركات الأسلحة، مما يربطها بشكل مباشر بعدة مناطق نزاع حول العالم، بما في ذلك غزة والسودان
يعيد التقرير ذاته التذكير بأن الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية، والذي يعتبره العديد من المراقبين الأكبر منذ احتجاجات حرب فيتنام، يواجه قمعًا شديدًا من إدارات الجامعات، مما أدى إلى اعتقالات وتعليق دراسات الطلاب ومراقبة مستمرة، بدعم من المؤسسات السياسية الأميركية التي تسعى إلى قمع الاحتجاجات التي تصفها بـ"المعادية للسامية".
ويضيف "ميدل إيست آي" أن أكثر من 12 طالبًا يواجهون تهمًا جنائية بسبب تنظيمهم اعتصامًا في حرم جامعة برينستون في نيسان/أبريل 2024، بينما يشعر أعضاء الجامعة بالقمع المستمر والمراقبة من قبل إدارتها على مدار الـ16 شهرًا الماضية، وفقًا للموقع البريطاني.
العلاقات العسكرية والاقتصادية لجامعة برينستون
يوضح الموقع البريطاني أن التقرير يستند إلى وثائق متاحة للعامة، بما في ذلك تقارير التدقيق المالي للجامعة والشركات المتعاملة معها. ويكشف أن جامعة برينستون تلقت تمويلًا من وزارة الأمن الإسرائيلية وتعاونت مع شركات أسلحة مثل "لوكهيد مارتن"و"رايثيون"، وهما من كبرى الشركات الأميركية المصنعة للسلاح.
وفقًا للتقرير، فإن الجامعة لا تقتصر على توفير أبحاث أكاديمية، بل إنها تشارك في مشاريع عسكرية مباشرة، مثل تطوير تقنيات الطائرات المسيّرة الهجومية بالتعاون مع "مختبرات بيراتون" (Peraton Labs)، وهو مشروع مشترك مع جامعة "إمبريال" البحثية في لندن. وكانت "مختبرات بيراتون" قد أشادت بعلاقاتها مع الجامعات الأميركية.
تمويل بـ30 مليون دولار سنويًا
كما يشير التقرير إلى أن جامعة برينستون تعمل بشكل وثيق مع وكالة مشاريع البحوث الدفاعية المتقدمة (DARPA) التابعة لـ"البنتاغون". ورغم أن هذه المشاريع ليست دائمًا ذات طابع عسكري بحت، فإنها تتضمن أبحاثًا تموّل دراسة مكافحة حركات التمرد، بالإضافة إلى تطوير خوارزميات تحديد المواقع الجغرافية. وبشكل عام، تحصل الجامعة على عقود من "البنتاغون" بقيمة 30 مليون دولار سنويًا، بحسب الموقع البريطاني.
ووفقًا لـ"ميدل إيست آي"، يؤكد التقرير أن الجامعة تضغط على الحكومة الأميركية لدعم التمويل العسكري، حيث أنفقت 490 ألف دولار في عام 2023، وكذلك 330 ألف دولار في العام الماضي للضغط السياسي من أجل تمرير قانون مخصصات وزارة الدفاع، الذي يحدد ميزانية "البنتاغون"، والتي تحصل الجامعات عادةً على جزء منها.
يأتي ذلك في أعقاب إصدار #ترامب أمرًا تنفيذيًا بترحيل الطلاب الدوليين المشاركين في الاحتجاجات المناهضة للحرب على #غزة، وهو القرار الذي أثار مخاوف كبيرة من استهداف ممنهج للطلاب المسلمين والعرب تحت ذريعة ارتباطهم بحركة حـ ـمـ ـاس.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 18, 2025
تقرؤون التفاصيل في التقرير: https://t.co/FtB2vy09HR pic.twitter.com/UyaecShQch
وبحسب "ميدل إيست آي"، فإن التقرير أشار إلى أن "هذه العلاقة عبر العقود الفرعية تعزز التعاون بين جامعة برينستون والباحثين العاملين لدى مقاولي الدفاع"، مضيفًا أن هذا التعاون يؤكد مكانة الجامعة كمؤسسة مرتبطة بالحروب، ومتورطة في انتهاكات موثقة لحقوق الإنسان في أماكن مثل السودان وفلسطين.
كما أوضح التقرير أن الجامعة متورطة في تجارة الأسلحة العالمية والصناعة التكنولوجية العسكرية المتنامية، مما يثير مخاوف أخلاقية خطيرة حول العلاقة بين حقوق الإنسان داخل وخارج الجامعات.
انتهاك القيم الأخلاقية والأكاديمية
تشير "ميدل إيست آي" إلى أن الجامعة تُعرّف نفسها بأنها مؤسسة تعمل "في خدمة الوطن وخدمة الإنسانية"، لكن هذا التقرير الصادر عن "مبادرة مناهضة الحرب" يُظهر أن الجامعة أصبحت شريكًا في المجمع الصناعي العسكري الأميركي.
تقول أستاذة الدراسات الإفريقية الأميركية في جامعة برينستون، روحا بنجامين، إن التقرير "يكشف النفاق العميق الذي كان يتفاقم قبل القمع الأكاديمي الأخير"، مضيفة: "الجامعات تدّعي أنها تخدم البشرية، بينما تطوّر تقنيات تساهم في تدمير الأرواح".
وفي موضع آخر من التقرير، توضح بنجامين أن "الأبحاث الجامعية التي تدعم الحروب والعنف غالبًا ما يتم تغليفها بمصطلحات براقة، تتجاهل الواقع المأساوي لمن يقع عليهم تأثير هذه الابتكارات"، وتتابع مضيفة: "من السهل التقليل من الأضرار التي تسببها الأبحاث الجامعية عندما لا تكون أنت الشخص الذي تتساقط عليه القنابل".
من جهته، يرى الصحفي الحائز على جائزة بوليتزر والأستاذ السابق في الجامعة ذاتها، كريس هيدجز، أن "هذا التعاون مع صناعة الحروب ونظام الفصل العنصري الإسرائيلي لا يكشف فقط الإفلاس الأخلاقي لبرينستون، بل يوضح كيف خانت الجامعات القيم التي أُنشئت لحمايتها"، بحسب الموقع البريطاني.
غياب الشفافية في العلاقات البحثية
وفقًا لـ"ميدل إيست آي"، فإن التقرير يُظهر أن العلاقات بين الجامعة والقطاع العسكري غالبًا ما تكون غير معلنة للباحثين، حيث يشارك العديد من الطلاب في مشاريع بحثية دون علمهم بأن أبحاثهم قد تُستخدم لأغراض عسكرية أو استخباراتية، كما هو الحال مع شركة "إنتل" الأميركية، التي تشكل 1.7 % من الاقتصاد الإسرائيلي، إذ تموّل هذه الشركة تطوير الأبحاث في برينستون بمليوني دولار.
🎥 مظاهرات في مدينة فيتوريا الإسبانية احتجاجًا على مشاركة فريق مكابي تل أبيب الإسرائيلي في الدوري الأوروبي لكرة السلة أمام فريق باسكونيا الإسباني. pic.twitter.com/nxgx9ysJrf
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 8, 2025
كما أشار التقرير إلى تعاون بين شركة "بيكانتي أرسنال" (Picatinny Arsenal)، وهي شركة أميركية متخصصة في إنتاج الأسلحة والذخيرة، و"مركز أندلينجر" التابع لكلية الهندسة في برينستون منذ عام 2016. وتشير الاتفاقية بين الطرفين إلى موافقتهما على "مشاركة المعلومات والتعاون لتعزيز أبحاث الطاقة والبيئة والاستفادة القصوى من نقل التكنولوجيا للدفاع والصناعة"، علمًا أن "بيكانتي أرسنال" كانت من بين الشركات التي زودت إسرائيل بالأسلحة خلال عدوانها على غزة.
الجامعات الأميركية كمراكز لصناعة الحرب
تعليقًا على ما سبق، تقول "ميدل إيست آي" إن التقرير يضع جامعة برينستون ضمن شبكة المجمع العسكري الصناعي الأميركي، حيث تعمل الجامعات الكبرى كشركاء رئيسيين في تطوير أسلحة وتقنيات عسكرية لصالح الحكومة الأميركية. وفي هذا السياق، ينقل عن أحد الطلاب قوله: "حان الوقت لرؤية الجامعات على حقيقتها؛ فهي ليست مجرد مؤسسات تعليمية، بل مصانع أسلحة مقنّعة".
يشير الموقع البريطاني في النهاية إلى أن التقرير يؤكد أن التواطؤ الأكاديمي مع الصناعة العسكرية ليس جديدًا، لكنه أصبح أكثر تغلغلًا وسرية في الأوساط الأكاديمية. كما يُعيد التذكير بأن مشروع مانهاتن، الذي أدى إلى تطوير القنبلة الذرية، أو غيرها من الأسلحة النووية، كان قائمًا على أبحاث جامعات النخبة الأميركية، مثل جامعة برينستون.