1. قول

عن "التجريص" وإسقاط تماثيل الرموز كفعل سياسي  

15 ديسمبر 2024
(فيسبوك) تمثال حافظ الأسد في جامعة دمشق
مهيب الرفاعيمهيب الرفاعي

استخدم الثوار، عبر التاريخ، إزالة تماثيل الحكام والقادة السياسيين أو العسكريين كفعل سياسي قوي للتحدي، يشير إلى رفض الأنظمة القديمة وإعادة تخيل القيم السياسية والثقافية المجتمعية والهوياتية. هذه الإيماءات الدرامية تتجاوز الفعل ذاته، إذ تقدم لمحة عن السياسة المتعلقة بالسلطة، والهوية، والتاريخ ومستقبل البلاد، وبالتالي هي ليست مجرد فعل مادي، بل وسيلة جماعية للتعبير عن رفض الأنظمة الحاكمة، وإعادة كتابة التاريخ، أو السعي نحو هوية وطنية جديدة تتناسب مع المرحلة القادمة.

بالأصل، وعند تصميم التماثيل وتنفيذها، فإنها مجسمات للتعبير عن شرعية النظام الحاكم وأيديولوجيته. ترسيخ هذه الشرعية يتم عبر مسار تحكم صُوَري بالمشهد العام للمدينة وجعل التمثال مجسمًا حيًا في ذهن المواطنين يمارس رقابة سياسية وامنية عليهم، بحيث تترسخ سطوة الحاكم وتترسخ معه فكرة الحاكم المراقب (Omniscient Ruler). هذا المسار الصوري يتضمن توزيعًا مناطقيًا للتماثيل يتنوع بين مداخل المدن الرئيسية، والساحات العامة، والشوارع الحيوية؛ وصولًا إلى الجامعات والهيئات الإدارية والمؤسسات الحكومية، بحيث يشاهده الناس كل حين ويستشعرون وجوده بينهم في رمزية الوجود والتخليد.

وفي مرحلة غليان المجتمع وثورته على الطغمة الحاكمة، أول وجهة هي تمثال الحاكم وصوره المنسوخة على كل حائط وعلى مدخل كل مبنى، لتُرسل رسالة واضحة بأن السلطة لم تعد مقبولة، وأن الشعب يسعى لإعادة تشكيل هويته السياسية والمجتمعية بما يتناسب مع إرادته في التغيير والمبادئ التي وضعها لذلك. في السياقات الثورية، ليست التماثيل مجرد رموز سياسية فحسب، بل تشكل جزءًا من هوية السلطة الدكتاتورية التي تلجأ إلى تأليه الفرد القائد، وترسخه كجزء من الذاكرة الجمعية للشعب والوطن وربط الوطن باسمه كحالة تعبير "سوريا الأسد"، الذي صاحب النظام السوري السابق وكان شعار مرحلة اكتظت بالدكتاتورية والحكم الشمولي.

الفضيحة التي لحقت بتماثيل حافظ الأسد وابنه بشار، والتي جاءت عن استحقاق تام، لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل كشفت عن الغضب الشعبي العارم المتراكم لعقود

إن فعل إزالة تماثيل حافظ الأسد وابنه المخلوع بشار الأسد تُظهر رغبة في إعادة النظر في السرديات التاريخية السائدة ومواجهة الإقصاء الطائفي والمناطقي الذي مثله النظام السابق في سوريا وحاشيته. لم يكتف السوريون منذ آذار/مارس 2011 حتى كانون الأول/ديسمبر 2024 بإزالة تماثيل رموز نظام الأسد الوالد والابن، بل صاحب هذه المشاهد ما نمسيه باللهجة الدمشقية "التجريصة" المرتبطة بفضح مرتكبي أعمال "الخسّة والنذالة"، والتدليل عليهم عبر المنابر وفضحهم في الساحات على أعين الأشهاد.

هذه التجريصة التي مُنيت بها تماثيل حافظ الأسد وابنه بشار الأسد باستحقاق تام لم تأتِ من فراغ، وأدت إلى خلق نقاش اجتماعي أوسع حول العدالة الاجتماعية والانتقام السياسي، مع توديع حقبة من الاقصاء وغلق الفضاءات العامة.

كان إسقاط تماثيل حافظ الأسد وبشار الأسد تعبيرًا عن رفض لعقود من القمع والاستبداد. هذا الفعل لم يكن مجرد تحدٍ للنظام، بل إعلانًا عن رغبة في تأسيس هوية وطنية جديدة قائمة على الحرية والعدالة، وهي لحظة فاصلة تتيح إعادة تقييم التاريخ والسياسات التي مثلتها تلك الرموز. ومع ذلك، يجب أن تُصاحب هذه الأفعال خطوات أعمق تعزز قيم المصالحة وإعادة البناء. إزالة التماثيل والتجريصة التي لحقت بها عبر جر رأس التمثال على الأرض خلف السيارات او الدراجات النارية أداء سياسي مليء بالرمزية والنوايا. غالبًا ما يكون هذا العمل لحظة من التنفيس الجماعي، حيث يجمع الغضب والأمل والرغبة في التغيير، ويستخدم كأداة لتأكيد السلطة الجديدة وإبراز القطيعة مع الماضي، حتى انهلا يمكن ان تدخل في باب محو التاريخ الأسود ومنع إعادة تأطيره بأية حجة كانت.

تُعتبر إزالة التماثيل أداة لمحو رموز القمع، وتأكيد رؤية سياسية جديدة تتصف بالديمومة والقوة والشرعية.

بالنسبة للثوار، فإن تدمير هذه الرموز يمثل استعادة للمساحات العامة وإعادة تعريف السرديات الوطنية. مثال على ذلك كان تدمير تمثال صدام حسين في العراق عام 2003، والذي اعتبر إعلانًا عن نهاية عصر الدكتاتورية وبداية حقبة جديدة في العراق. كان مشهدًا أيقونيًا للتغيير السياسي حينما أسقط المواطنون العراقيون تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس في بغداد ليعلنوا انتهاء رمزيته وسطوته.

في أوكرانيا، وخلال احتجاجات الميدان الأوروبي عام 2014، تمت إزالة أكثر من 1300 تمثال للينين فيما عرف محليًا وإعلاميًا باسم "سقوط لينين"، لا سيما وأن هذه التماثيل مثلت حقبة القمع السوفييتي، وإزالتها كانت إعلانًا عن توجه أوكرانيا نحو الهوية الأوروبية ونفضها غبار الارتباط بالاتحاد السوفييتي.

في الولايات المتحدة، تصاعدت حركة إزالة تماثيل الكونفدرالية خلال احتجاجات حركة "حياة السود مهمة" (Black Lives Matter). تمثال روبرت إي لي في شارلوتسفيل كان من بين التماثيل التي أزيلت، مما أثار جدلًا واسعًا حول الإرث التاريخي والعدالة الاجتماعية في البلاد. وفي جنوب إفريقيا، أثار وجود تمثال سيسيل رودس، وهو أحد مهندسي التوسع الاستعماري البريطاني في أفريقيا الجنوبية، احتجاجات كبيرة في جامعة كيب تاون، وأطلق الطلاب حركة "رودس يجب أن يسقط"، مسلطين الضوء على إرث حقبة الاستعمار والعنصرية في العالم الذي يعجّ بهذه النداءات المناطقية والعنصرية.

كلمات مفتاحية

بين مرايا الدم وأقلام الحياد.. خيانة المثقف العربي لقضاياه

لم تعد غزة مجرد جغرافيا محاصرة، بل غدت اختبارًا أخلاقيًا للإنسانية، ومرآة تعكس نفاق المجتمع الدولي وعجزه عن وقف المجازر المرتكبة على مرأى ومسمع من العالم.

رغم الخسائر والضغوط.. لماذا تتجنب مصر استهداف اليمن عسكريًا؟

تمثل العلاقات المصرية اليمنية حالة استثنائية شديدة التمايز والخصوصية، إذ يربط البلدين قائمة مطولة من القواسم المشتركة، المتنوعة بين الثقافي والسياسي والجغرافي

بعد نصف قرن... هل غادر لبنان "بوسطة الموت"؟

عشية الذكرى الخمسين لاندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، كان متحف "نابو"، في شمال لبنان، يجهّز مساحة في حديقته تتعدّى الزمان والمكان، خصّصها لحفظ بوسطة عين الرمانة، أو "بوسطة الموت"، كي "تكون الحرب عبرة وتحفيزًا لكتابة تاريخ حرب لبنان"

TEST TEST TEST

test test final

image

test 3

سياق متصل

وقف إطلاق النار في لبنان يهتزّ... الجيش اللبناني يلتزم بالـ"ميكانيزم" وقلق من تسخين جديد للجبهة