عودة محفوفة بالمخاطر.. الذخائر غير المنفجرة تهدد حياة ملايين السوريين
20 فبراير 2025
في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها سوريا، تواجه البلاد تحديًا جديدًا قد يهدد جهود إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، يتمثل في انتشار الذخائر غير المنفجرة التي خلفتها سنوات الحرب الطويلة. فمع عودة مئات الآلاف من السوريين إلى ديارهم، تحذر المنظمات الدولية من هذا الخطر القاتل الذي يهدد حياة ملايين السوريين. وفي هذا السياق، تسعى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى وضع خطة شاملة لإعادة اللاجئين، رغم العقبات الأمنية والاقتصادية التي تعرقل هذا المسار.
ملايين الأشخاص عرضة للإصابة أو الموت
مع عودة مئات الآلاف من السوريين إلى منازلهم بعد سنوات من النزوح، يواجهون خطرًا جديدًا قد يكون أشد فتكًا، يتمثل في الذخائر غير المنفجرة، وفقًا لمنظمة "هيومانتي آند إنكلوجن" (Humanity and Inclusion) غير الحكومية، التي شددت على أن أكثر من 15 مليون شخص لا يزالون عرضة للإصابة أو الموت بسبب القنابل والألغام المتبقية من سنوات الصراع.
وبحسب ما نقلت وكالة "الصحافة الفرنسية"، أشارت المنظمة إلى أنه خلال السنوات الـ14 الماضية، أُلقي وزُرع ما يقارب مليون قطعة ذخيرة في أنحاء سوريا، وسط تقديرات بأن ما يتراوح بين 100 ألف و300 ألف ذخيرة لم تنفجر بعد.
في ظل التحولات الجذرية التي تشهدها سوريا، تواجه البلاد تحديًا جديدًا قد يهدد جهود إعادة الإعمار وعودة اللاجئين، يتمثل في انتشار الذخائر غير المنفجرة التي خلفتها سنوات الحرب الطويلة
وأوضحت المنظمة في تقريرها أنه إلى جانب الأسلحة التقليدية التي استُخدمت خلال السنوات الماضية في سوريا، فإن البراميل المتفجرة التي ألقتها قوات النظام السابق على المناطق التي كانت تخضع لسيطرة فصائل المعارضة تُعد قنابل بدائية ذات نسبة فشل عالية في الانفجار، مما يجعلها أكثر خطرًا بعد انتهاء المعارك. ولفتت في الوقت نفسه إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" خلّف أيضًا كميات ضخمة من الألغام والفخاخ المتفجرة التي لم يتم توثيقها أو إزالتها، مما يجعل كل خطوة في بعض المناطق خطرًا محتملًا.
وتشير تقارير المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن 188 سوريًا قضوا جراء انفجار أجسام من مخلفات الحرب السورية منذ مطلع العام الجاري، بينهم 34 طفلًا وست سيدات، فضلًا عن إصابة 231 آخرين بجراح، بينهم 103 أطفال وثلاث سيدات. وبحسب بيانات المرصد، فإن 145 شخصًا، بينهم 25 طفلًا وثلاث سيدات، قضوا في المناطق الخاضعة لنفوذ حكومة تصريف الأعمال السورية، فيما قضى 19 شخصًا، بينهم ستة أطفال وسيدة، وأُصيب 30 شخصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
عودة محفوفة بالمخاطر
تؤكد المسؤولة عن برنامج سوريا في منظمة "هيومانتي آند إنكلوجن"، دانيلا زيزي، أن عودة ما يقارب مليون لاجئ ونازح إلى ديارهم منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي يقابلها خطر متزايد من انتشار الذخائر غير المنفجرة، مما يشكل تهديدًا مباشرًا لسلامة المدنيين وقد يعرقل "جهود تعافي البلاد". وأضافت أن المنظمة رصدت "زيادة حادة" في الحوادث المتعلقة بالذخائر غير المنفجرة ومخلفات الحرب.
وشددت زيزي على أن مخلفات الحرب تُعد "واحدة من المشكلات الرئيسية التي تواجه سوريا"، لافتة إلى أن "الذخائر غير المنفجرة توجد قرب بنى تحتية مدنية وفي الحقول، ما يجعلها غير صالحة للاستخدام"، مطالبة بـ"رسم خريطة للأراضي السورية والبدء بتطهيرها". لكنها تشير في المقابل إلى أن "هذه العملية طويلة ومكلفة"، خاصة في ظل تراجع المساعدات الإنسانية الأميركية.
وكانت تقارير أممية قد ذكرت أن أكثر من مليون سوري عادوا إلى سوريا، بينهم 280 ألف شخص من دول اللجوء، وذلك منذ الإطاحة برئيس النظام السوري المخلوع، بشار الأسد، في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، وسط تقديرات أممية تُفيد بأن أكثر من ربع اللاجئين السوريين يخططون للعودة خلال الـ12 شهرًا المقبلة من دول الجوار، بالإضافة إلى مصر.
المفوضية السامية تضع خطة لإعادة آلاف اللاجئين
وفي السياق، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن خطة جديدة تهدف إلى إعادة 1.5 مليون لاجئ سوري من دول الجوار خلال عام 2025، بالإضافة إلى مليوني نازح داخليًا. وبحسب تقرير المفوضية الأممية، فإن عددًا كبيرًا من اللاجئين في تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر أبدوا رغبتهم في العودة إلى ديارهم، في الوقت الذي تزايدت فيه حركة النازحين داخليًا باتجاه مناطقهم الأصلية، رغم التحديات المستمرة.
وحددت المفوضية ثلاثة محاور رئيسية لإنجاح الخطة، تشمل التحضير في دول اللجوء من خلال تقديم المشورة والدعم القانوني، وتنظيم عملية العودة عبر توفير وسائل النقل والمنح المالية، بالإضافة إلى برامج إعادة الاندماج التي تهدف إلى مساعدة العائدين في تأمين سبل العيش والخدمات الأساسية.
ومع ذلك، تبقى التحديات كبيرة، حيث أشار التقرير إلى أن العديد من العائدين يواجهون منازل مدمرة وبنية تحتية متهالكة، إلى جانب غياب فرص العمل والخدمات الأساسية. كما لفتت المفوضية إلى أن الألغام والذخائر غير المنفجرة لا تزال تشكل تهديدًا مباشرًا لحياة السكان، مما يستدعي جهودًا مكثفة لإزالة المخاطر وتأمين المناطق السكنية.
وتسعى الأمم المتحدة إلى جمع 370.9 مليون دولار لتمويل عمليات العودة وإعادة الإدماج، مع التأكيد على ضرورة التعاون بين الحكومات المضيفة والسلطات السورية والمنظمات الدولية لضمان تنفيذ الخطة بفعالية. في الوقت نفسه، حثت المفوضية المجتمع الدولي على الاستمرار في دعم اللاجئين الذين يختارون عدم العودة حاليًا، وضمان حمايتهم من أي تهديدات أمنية أو سياسية.
عقبات متعددة الطبقات
رغم بيانات الأمم المتحدة التي تتوقع عودة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى البلاد، إلا أنه لا بد من الإشارة إلى أن البنية التحتية المتهالكة في البلاد، بالإضافة إلى انتشار الذخائر غير المنفجرة، تجعل الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر. وبالمثل، فإن الواقع الاقتصادي لا يوفر الحد الأدنى من مقومات العيش، بما يشمل ارتفاع معدلات البطالة، وانهيار العملة، وشح الموارد، وهذا الأمر ينطبق على جميع القطاعات في سوريا.
وبينما تعلن الأمم المتحدة عن خطط لإعادة اللاجئين، فإن العائدين يواجهون وضعًا قد لا يقل خطرًا عن تجربة النزوح نفسها. ورغم أن الحوافز الدولية والتشجيع على العودة قد تبدو الحل الأنسب لإنهاء معاناة ملايين اللاجئين، إلا أن الواقع على الأرض يكشف عن عقبات متعددة الطبقات قد تجعل من العودة مخاطرة بحد ذاتها وليست بداية جديدة للحياة.
وبناءً على ذلك، فإن خطة العودة تتطلب إعادة تأهيل البنية التحتية، وضمان الاستقرار الأمني، وتحفيز الاقتصاد، وفي حال لم يتم العمل على هذه المحاور بشكل متكامل، فإن الأزمة قد تأخذ شكلًا جديدًا، مما يؤدي إلى عودة موجة اللجوء السوري إلى دول الجوار أو النزوح الداخلي، وهو ما سيعيد الأزمة السورية إلى بدايتها مرة أخرى.
تعليق عقوبات الطاقة والتحويلات المصرفية
وكانت وكالة "رويترز" للأنباء قد أشارت إلى أن "مسودة إعلان" أظهرت أن الاتحاد الأوروبي يتجه إلى تعليق جزء من العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، على أن تشمل العقوبات التي سيتم تعليقها "مجالات الطاقة والنقل وإعادة الإعمار، إضافة إلى تسهيل التحويلات المالية والمصرفية المرتبطة بها".
وبحسب رويترز، فإن الاتحاد الأوروبي سيمدد إلى أجل غير مسمى الإعفاء الإنساني الذي يسهل إيصال المساعدات الإنسانية، مضيفةً أنه "في إطار نهج تدريجي، وفي خطوة مقبلة، سيقيّم المجلس ما إذا كان سيعلق المزيد من الإجراءات التقييدية". ولفتت الوكالة إلى أن التكتل الأوروبي "سيواصل التحقق من أن التعليق سيظل سديدًا بناءً على متابعة وثيقة للموقف في البلاد".